"بتعليمات من الرئيس دونالد ترمب، نفذت الولايات المتحدة عملية ضمن مكافحة الإرهاب في اليمن، ونجحت في القضاء على قاسم الريمي، "قائد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب".
بهذه العبارات أعلن البيت الأبيض، في بيان، مقتل الريمي، بعد أشهر من رصد واشنطن مكافأة عشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن مكانه.
لم يذكر البيان الأمريكي المقتضب مكان مقتل الريمي، ما أثار تضارباً.
وذكرت وسائل إعلام يمنية أن طائرة مسيرة أمريكية نفذت، في 31 يناير/كانون ثاني الماضي، هجوماً على منزل يتواجد فيه عناصر من "القاعدة" في منطقة وادي عبيدة شرقي محافظة مأرب (شرق)؛ ما أدى إلى مقتل الريمي.
بينما ذهبت تقارير إعلامية أخرى إلى أن محافظة البيضاء جنوب شرق صنعاء، هي التي شهدت مقتل الريمي، الذي تولى قيادة التنظيم في يونيو/حزيران 2015، بعد مقتل سلفه ناصر الوحيشي، في غارة جوية أمريكية بمدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت (شرق).
ضربة قاسية
يعتبر مراقبون أن التنظيم، الذي يتخذ من اليمن مقراً له، هو أخطر ذراع لـ "القاعدة"، إذ يتخفى في أماكن نائية، ويتحصن في مناطق وعرة يصعب اختراقها بسهولة.
وقال خبير يمني مختص، طلب عدم نشر اسمه لأسباب أمنية، إن "مقتل الريمي هو أقسى ضربة يمكن أن يتلقاها التنظيم، لكنه سيواصل نشاطه ويختار بديلاً".
وأضاف المصدر للأناضول أن "خطورة التنظيم لا تكمن في قيادته فحسب، بل في الأيديولوجية التي تتم تغذية عناصره بها، فهي تدفعه للاستمرار في مسار حتى النهاية".
"دولة" القاعدة
تهاوى حلم "القاعدة" ببناء "دولة الخلافة" في اليمن، فمنذ 5 أبريل/نيسان 2015، استغلّ التنظيم الحرب بين القوات الموالية للحكومة وجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، المدعومة من إيران، واستولى على المكلا، وأبين وشبوه، وشرع في بناء "دولته".
لكنها لم تدم هذه "الدويلة الثرية" كثيراً، ففي 22 أبريل/نيسان 2016، أطاحت عملية عسكرية واسعة، قادتها الإمارات، بالتنظيم من معقله في حضرموت، بمساندة قوات موالية للحكومة.
والإمارات هي أحد أعضاء تحالف عسكري عربي تقوده السعودية، ويدعم منذ عام 2015 القوات الموالية للحكومة اليمنية، في مواجهة الحوثيين، المسيطرين على محافظات، بينها العاصمة صنعاء منذ 2014.
ضعف غير مسبوق
لم يكن التنظيم أكثر ضعفاً وانكشافاً منذ ظهوره في اليمن قبل 18 عاماً كما هو الآن، حيث سقط أبرز قياداته والمئات من عناصره في غارات أمريكية خلال السنوات الأربع الماضية.
في 29 يناير/كانون الثاني 2017، هاجم جنود أمريكيون منزلاً في قرية الغيل بمحافظة البيضاء، في أول عملية عسكرية خارجية يصادق عليها ترامب، في الأسبوع الأول من رئاسته.
استهدف الهجوم قرية تضم نحو عشرة منازل، بينها منزل عبد الرؤوف الذهب، المشتبه بدعمه لقادة من "القاعدة" في مناطق خاضعة لنفوذ قبيلته.
أسفرت العمليّة عن مقتل "الذهب" مع شقيقه سلطان، بجانب 12 من عناصر "القاعدة" وجندي أمريكي.
وكان "الذهب"، وهو سليل عائلة من رجال القبيلة المؤثرين، ينفي انتماءه لـ "القاعدة"، لكنّ التنظيم الذي يندر أن ينعى أحداً من غير أعضائه نعى "الذهب" بعد مقتله.
قبل ذلك قُتل جلال بلعيدي في ضربة جوية أمريكية، أثناء تنقّله في سيّارة بمحافظة أبين، في 4 فبراير/شباط 2016.
وكان بلعيدي يدير العمليّات القتالية للتنظيم، ورصدت واشنطن مكافأة خمسة ملايين دولار مقابل قتله.
ويتواجد "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" على شكل مجموعات مسلحة متخفية في الجبال والمناطق النائية، التي لا تصل إليها الحكومة، وهي استراتيجيّة قديمة بالنسبة لـ "القاعدة".
لكن وجود مخبرين محليين وأجهزة استخبارات إقليمية سهل من عمليات استهداف قادة وعناصر التنظيم، إضافة الى ما تمتلكه واشنطن من تكنولوجيا فائقة الكفاءة والدقة.
نشأة التنظيم
كانت بداية تنظيم القاعدة في اليمن مع عودة قيادات متشددة من أفغانستان، في تسعينيات القرن الماضي.
تداعى عدد من العائدين لتأسيس أول "تنظيم جهادي"، منتصف 1997، وهي فترة سابقة لإعلان ولادة تنظيم القاعدة، بزعامة أسامة بن لادن.
حمل هذا التنظيم اسم "جيش عدن – أبين الإسلامي"، بقيادة أبوحسن المحضار، ودشن وجوده بهجمات ضد مناطق وتجمعات سياحية، واختطاف سائحين في اليمن من دول غربية.
وردت السلطات بإعدام "المحضار"، فتولى قيادة التنظيم خالد عبدالنبي، ودخل عام 2003، في مفاوضات مع نظام الرئيس اليمني آنذاك، علي عبد الله صالح، ساهمت في الحد من وتيرة الهجمات الإرهابية.
وفي يناير/ كانون الثاني 2009، أعلن فرعا تنظيم القاعدة في اليمن والسعودية الاندماج في تنظيم واحد تحت اسم "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب"، واختار اليمن مقراً له .
وبإعلان تأسيس التنظيم، تصاعدت وتيرة الهجمات ضد مصالح محلية ودولية في اليمن والسعودية، وأخطرها هي محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، وكان حينها وزيراً للداخلية السعودية، ومسؤولاً عن ملف مكافحة الإرهاب.
كما تبنى التنظيم عملية فاشلة استهدفت تفجير طائرة ركّاب أمريكية، كانت في طريقها من مدينة أمستردام الهولندية إلى مدينة ديترويت الأمريكية، بواسطة النيجيري عمر فاروق، في ديسمبر/كانون الأول 2009.
"إمارات إسلامية"
مَثّل اندلاع الانتفاضة الشعبية ضد نظام صالح، الذي انشغل عن مكافحة الإرهاب بمواجهة الاحتجاجات، فرصة للتنظيم الذي استفاد من حالة عدم الاستقرار، ليوسع حضوره في مناطق مختلفة من اليمن.
وسيطر التنظيم على مناطق ومدن داخل محافظات (زنجبار وجعار في أبين، وعزان في شبوة، والمكلا حاضرة حضرموت)، وأعلنها "إمارات إسلامية"، ومارس فيها السلطة.
هذه التحركات لم تخل من "تشكيك" بدوافعها وتوقيتها، إذ اتهم سياسيون وقادة في الاحتجاجات الشعبية صالح بمنح "القاعدة" الضوء الأخضر لإسقاط تلك المناطق، بغرض إرباك المشهد السياسي، وصرف أنظار العالم عن دعواتهم له إلى التنحي عن السلطة، التي يتشبث بها منذ 1978.
وفي أبريل/نيسان 2015، شن التنظيم هجوماً واسعاً على المكلا، انتهى بسقوطها تماماً في قبضته، وانسحاب وحدات الجيش، تاركة أسلحة ثقيلة وصواريخ اغتنمها التنظيم.
وفسر مسؤولون ومصادر محلية في المكلا نجاح التنظيم في السيطرة على المدينة، بانشغال الجيش في قتال الحوثيين في عدن (جنوب).
استمرت سيطرة القاعدة على المكلا، حتى أبريل/نيسان 2016، عندما أعلن التحالف العربي انطلاق عملية واسعة بمشاركة قوات محلية، لاستعادة المدينة.
بعد ساعات، أعلن التحالف أنه بات يسيطر تماماً على المدينة. وقال سكّان محليون إن التنظيم غادر المكلا إلى شبوة، مع بدء الهجوم، مع وقوع اشتباكات محدودة.
وفي أغسطس/آب 2016، اقتحمت قوات "النخبة الشبوانية"، المدعومة من الإمارات، مدينة عزان في محافظة شبوة النفطية، واستعادتها من "القاعدة"، التي كانت قد استولت عليها في فبراير/شباط 2016، وأعلنتها "إمارة إسلامية"، وأنشأت فيها أضخم معسكر تدريبي لمقاتليها.
فقدان التوازن
تلك الضربات المتلاحقة لـ "القاعدة"، واصطياد قادته، شلت قدرات التنظيم وأدخلته، وفق خبراء، مرحلة من "الترنح وفقدان التوازن".
ويستبعد هؤلاء قدرة التنظيم على استعادة تكتيكاته وديناميكيته المعهودة، في المدى القريب على الأقل، خاصة مع استمرار العمليات ضده في مناطق عديدة من اليمن.
لكنهم حذروا من إمكانية تنفيذ التنظيم تفجيرات، وشن هجمات انتقامية ضد منشآت ومصالح حيوية، كما اعتاد في بدايته.