أثار إعلان أحد قادة حركة حماس بقاء رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية خارج قطاع غزة حتى نهاية العام العديد من التساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء هذا القرار، وسر كل هذه المدة مع أن زياراته الإقليمية لن تستغرق أسابيع قليلة، وإذا ما كان لمصر دور في هذا الأمر.
ويطوي هنية شهره الثاني خارج قطاع غزة، حيث يقوم بجولة خارجية هي الأولى له منذ توليه رئاسة المكتب السياسي لحركة حماس في مايو/أيار 2017. وقام هنية بزيارة رسمية حافلة إلى العاصمة الماليزية كوالالمبور، توَّجَها بلقاء رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، ومشاركته بتقديم واجب العزاء لإيران بوفاة الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس، وتعزية سلطنة عُمان بوفاة سلطانها قابوس، كما التقى هنية مرتين بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أوائل ديسمبر/كانون الأول وأوائل فبراير/شباط.
التمديد كان مخططاً له
مصدر مسؤول في حماس؛ رفض ذكر اسمه، أكد لـ "عربي بوست" أن بقاء هنية في الخارج لفترة طويلة نسبياً كانت مقررة منذ خروجه؛ على اعتبار أن لديه ملفات كبيرة بحاجة إلى معالجة طويلة، سواء فيما يتعلق بأمور الحركة الداخلية، أو التواصل مع الجهات العربية والإسلامية والإقليمية.
وأوضح: "حتى جاء إعلان صفقة القرن مما حتم زيادة فترة إقامته في الخارج لتسهيل حرية تنقلاته بين مختلف العواصم، واستقباله بأريحية العديد من الضيوف الرسميين الذين يصعب جداً وصولهم إلى غزة.. هنية هو زعيم حماس؛ كل حماس، في الداخل والخارج، وبالتالي أن يمكث عاماً كاملاً في الخارج مسألة منطقية متفهمة، بعيداً عن أي قيود أو ضغوط من أي جهة".
حسام الدجني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة، قال لـ "عربي بوست" إن جولة هنية تهدف لمعالجة العديد من القضايا، التي لا يمكن إنجازها إلا بزيارة رأس الهرم في حماس.
الهدف المعلن: حشد الدعم
وكان عضو المكتب السياسي لحماس خليل الحية كشف في لقاء صحفي أن هنية قد يبقى خارج غزة لمدة قد تصل إلى عام، بهدف إنهاء العديد من الملفات الداخلية، وتعزيز علاقات الحركة مع الخارج، ضمن أداء مهامه رئيساً للمكتب السياسي للحركة، كاشفاً عن أن هنية سيزور أي بلد يرغب باستقباله.
وأكد مصدران داخل حماس، في حديثهما لـ "عربي بوست" أن هدف الجولة الخارجية لهنية هو "حشد دعم الأمة العربية والإسلامية على المستويين الرسمي والشعبي لصالح القضية الفلسطينية، خصوصاً بعد إعلان الإدارة الأمريكية صفقة القرن، وهذا جزء من جولة هنية الخارجية"، على حد قوله.
وأضافا أن هنية ما زال يمارس مهامه قائداً للحركة، سواء داخل القطاع أو خارجه، ويتابع يومياً كافة القضايا والملفات التي تقوم بها الحركة على كافة الصعد، وعلى رأسها العمل السياسي، والعلاقات المختلفة، في الإطار الوطني والعلاقات الدولية الخارجية.
صفقة القرن والحاجة لمواجهتها
وأضاف المصدران داخل حماس أنه في هذا السياق تمكن هنية فعلاً من تنفيذ جزء مهم من الزيارات، وهذه الجولة مستمرة، وسيواصل هنية جهوده، ويتوقع أن يزور دولاً أخرى خلال الفترة المقبلة لذات الهدف.
وأوضحا أن التواصل بين رئيس حماس وقياداتها مع الفصائل الفلسطينية مستمر، ولم ينقطع، ويشكل جزءاً مهماً من استراتيجية الحركة الوطنية القائمة على وحدة الصف والعمل المشترك لمواجهة سياسات الاحتلال ومشاريعه، مما يتطلب مزيداً من التلاحم وتعزيز المشاورات والتفاهمات وصولاً لرؤية وطنية مشتركة في مواجهة الاحتلال والتصدي لمشاريعه.
زيارة إيران.. وقيود مصر
شكّلت زيارة هنية لإيران الحدث الأبرز في جولته الخارجية حتى الآن، وأثارت جدلاً للكثير من الأطراف المحلية والإقليمية، وعلى رأسها مصر. ولم يخفِ القيادي في حماس خليل الحية امتعاض مصر من الزيارة، قائلا إن مصر لم ترغب بها، لكن حماس لها مبرراتها ودوافعها للقيام بها.
عبدالرحمن شديد، القيادي في حماس، قال لـ "عربي بوست" إن ما يثار عن رفض مصر عودة هنية لغزة "ليس صحيحاً، بل في سياق الإشاعات"، على حد تعبيره.
ويبدو أن مكوث هنية لمدة عام في الخارج قد يشير إلى جدول أعمال مزدحم، فحماس تعاني منذ أكثر من ثلاثة أعوام من قيود فرضها الجانب المصري على قيادات الحركة في غزة تمثلت في منع القيام بأي جولة خارجية لقادتها المقيمين في القطاع. رغم أن حماس ترفض الحديث عن ذلك أمام الإعلام، خشية أن يؤدي لتدهور علاقاتها مع مصر، التي ترعى عدداً من الملفات من بينها ملف التهدئة مع إسرائيل، والمصالحة الداخلية مع فتح.
وكانت مصر سمحت هذه المرة لهنية بالخروج بعد منعه لما يزيد عن عامين. ويبدو أن هذه الموافقة ارتبطت بعدة عوامل، أولها تحسن علاقات مصر مع حماس في الشهور الأخيرة، من خلال زيادة التعاون الأمني على حدود غزة وسيناء، وثانيها مرونة حماس مع مصر في إنجاز التفاهمات الإنسانية الموقعة بين حماس وإسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 2018 لتحسين الواقع المعيشي في غزة.
وثالثها ما يمكن اعتباره توافقات ضمنية "جنتلمان" غير مكتوبة بين حماس ومصر بموجبها ألا يشارك هنية في مؤتمر القمة الإسلامية المصغرة في كوالالمبور في ديسمبر/كانون الأول 2019؛ – بحسب ما ذكرته مصادر خاصة داخل حماس – وهذا ما تم، وعدم زيارة إيران وهو ما كان سيحصل أيضاً، لولا اغتيال سليماني الذي ألزم هنية بالذهاب للتعزية، مما أسفر عن التوتر القائم مع مصر، دون أن يتحدث عنه الجانبان رسمياً، لكنه بات واضحاً للعيان.
ساري عرابي الخبير بشؤون الحركات الإسلامية قال لموقع "عربي بوست" إن "الإشكالية التي واجهتها حماس في السنوات الثلاث الأخيرة هو اختيار رئيس المكتب السياسي لها من داخل غزة، مما أعاق الكثير من تحركاتها في الدول العربية والإسلامية، لذلك تشعر حماس بنوع من العزلة السياسية".
فتح تصفها بالمؤامرة
في الوقت الذي لقي فيه هنية ترحيباً رسمياً من الدول التي زارها، وهو ما ترك آثاره الإيجابية داخل حماس، لأن جولته هذه تساهم بكسر عزلتها السياسية، لكنها في الوقت ذاته أثارت حفيظة فتح، بل وصفتها بالجولة التآمرية، ودعت الأطراف الإقليمية والدولية بعدم التعاطي أو الترحيب بهنية، كونه لا يمتلك صفة تمثيلية للشعب الفلسطيني.
وأوضح الدجني أن حماس استطاعت أن توظف دبلوماسيتها الرسمية والشعبية في جولة هنية الخارجية، وهو أمر غاب عن الحركة لسنوات، وتمثل ذلك باستقباله الرسمي كزعيم فلسطيني في تركيا وقطر وماليزيا وإيران، واستقباله بحفاوة من الشارع العربي والإسلامي، مما أعاد الحضور لحماس كلاعب مهم في الساحة الفلسطينية، وأثار حفيظة حركة فتح.
لا يبدو أن حماس في عجلة من أمرها لاختتام جولة هنية الخارجية، فلعل إعلانها بصورة لا تقبل التأويل أنه باق عاماً آخر خارج الأراضي الفلسطيني، فهذا يؤكد أنه سيستمر في زياراته العربية والإسلامية، وربما الدولية، إن سمح الأمر بذلك.
في الوقت ذاته، لم يفضّل قادة حماس الذي تحدث معهم "عربي بوست" التطرق إلى مكان إقامة هنية خلال الفترة القادمة، لكثير من الأسباب، لكن من الواضح أن الدول التي زارها حتى الآن، ووجد فيها ترحيباً وحفاوة في الاستقبال قد تصلح مكاناً لإقامته المقبلة، بما يسمح له بالتنقل بحرية.