يرى خبراء في علم الأوبئة، بناءًَ على المعطيات الأولية المتاحة، أن فيروس كورونا المستجدّ الذي ظهر في الصين مؤخراً سيتسبب بإصابة ما لا يقلّ عن عشرات آلاف المرضى وستستمرّ أزمة انتشاره شهوراً عدة في أحسن الأحوال.
يقول ديفيد فيسمان، الأستاذ في جامعة تورونتو ومؤلف نشرة للجمعية الدولية للأمراض المعدية، لوكالة الأنباء الفرنسية، إن "أفضل السيناريوهات سيكون أن يستمرّ ذلك في الربيع والصيف وبعدها يتراجع".
من جهته، يؤكد الأستاذ في جامعة نورث إيسترن الأميركية أليساندرو فيسبينياني وهو منسّق مجموعة باحثين تنشر تحاليل بشكل آني حول الوباء، في حديث لوكالة الأنباء الفرنسية أن المرض "لن يتوقف الأسبوع المقبل ولا الشهر المقبل". وأضاف "لا نخاطر بالقول إن ذلك سيستمر فترة طويلة".
الكثير من الأشياء غامضة بشأن فيروس ووهان
لا يمكن للباحثين في مجال الأوبئة التنبؤ بما سيحصل ويشددون على أنهم لا يملكون إلا معلومات مجزأة حول الفيروس الجديد الذي ظهر في كانون الأول/ديسمبر في الصين. ويستخدمون نماذج حسابية لتقدير عدد الحالات الحقيقية حتى تاريخ اليوم الثلاثاء 28 يناير/كانون الثاني 2020، وللمقارنة بالأوبئة السابقة، لكن الكثير من الفرضيات لا تزال غير مؤكدة.
حتى نهاية الأسبوع الماضي، كان يُعتقد أن الأشخاص المصابين لا ينقلون المرض قبل ظهور العوارض عليهم (حرارة وصعوبات في التنفس والتهاب رئوي)، لكن السلطات الصينية أعلنت الأحد أن ذلك ممكن، الأمر الذي لم تؤكده بعد منظمة الصحة العالمية.
بينما قال الأمريكيون من جهتهم الإثنين إنهم لا يملكون أدلة على ذلك. وإذا كان أشخاص لا يُظهرون أعراض ارتفاع حرارة الجسم يمكن أن ينقلوا المرض، فإن ذلك يغيّر حتماً ديناميكية الوباء.
بدأ تقدير فترة حضانة الجسم للمرض بحوالي أسبوعين فيما تعتبر منظمة الصحة العالمية أنها أقصر من ذلك، وتتراوح بين يومين وعشرة أيام.
في انتظار معرفة جدوى الإجراءات الصينية
احتسب خبراء عدة في الأيام الأخيرة معياراً مهماً للأوبئة: معدّل التكاثر الأساسي أو "آر زيرو" وهو يمثّل عدد الأشخاص الذين انتقل إليهم المرض من شخص مصاب. وتتراوح تقديراتهم بين 1,4 و3,8، بحسب فيسمان، وهو ما يعتبر معدلاً معتدلاً.
لكن الرقم ليس إلا معدلاً — قد يكون بعض المرضى نقلوا الفيروس لعدد كبير من الأشخاص فيما لم ينقله آخرون إلا لعدد قليل. وتقول مايمونا ماجومدر من جامعة هارفرد ومستشفى الأطفال في بوستون لفرانس برس "ليس هناك سبب للذعر".
تذكّر بأن هذا المعدّل يبلغ 1,3 للزكام الموسمي (الذي يسجل ملايين الحالات سنوياً) ويتراوح بين 2 و5 للسارس (متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد الذي أصاب 8000 شخص وأودى بحياة 774 في عامي 2002 و2003)، مقابل ما بين 12 و18 بالنسبة للحصبة.
مع الإجراءات الوقائية المتخذة من حجر صحي وعزل المرضى وغسيل اليدين بشكل تلقائي وارتداء الأقنعة الواقية، يمكن أن يتراجع معدّل الأشخاص المصابين. وإذا أصبح معدّل التكاثر الأساسي تحت 1، سيزول الوباء.
لكن يقول الباحثون إن تأثير الإجراءات التي اتخذتها الصين في الأيام الأخيرة سيظهر في غضون أسبوع أو أسبوعين لأن هذه مدة دورة الفيروس.
آلاف المصابين والوباء قد يستمر لأشهر
يقول ديفيد فيسمان "يبدو أكثر فأكثر أنه يُشبه السارس" مضيفاً "السارس كان يمكن السيطرة عليه، إذاً نأمل بأن يكون هذا (الفيروس) أيضاً كذلك، لكن لن نعرف ذلك قبل بضعة أسابيع". وأضاف "هذا الأمر سيستغرق أسابيع، على الأرجح أشهراً، ولا أحد يعرف كيف سيتطوّر ذلك".
بلغ عدد الإصابات الرسمي أكثر من أربعة آلاف في الصين (مع أكثر من مئة حالة وفاة) وخمسين مصاباً في الخارج.
بينما ترجّح المجموعة الدولية المنسقة في جامعة نورث إيسترن أن عدد المصابين الحقيقي في الصين، بما في ذلك الحالات التي لم تُكتشف بعد، أكثر من 25 ألفاً، وفق قول أليساندرو فيسبينياني.
من جهتهم، يعتبر باحثون في جامعة هونغ كونغ أن العدد الحقيقي للمصابين يفوق 40 ألفاً حالياً. ويقول فيسبينياني "من السهل رؤية هذا الرقم يزداد ضعفين أو ثلاثة أضعاف، فقط في مدينة ووهان". ويضيف أنه في حال وصل الوباء إلى "مدن كبيرة أخرى، فسترتفع الأرقام كثيراً".
لم يرغب الباحث في تقدير عدد الوفيات المحتمل. فمعدّل الوفيات يبلغ حتى الآن حوالي 3%، لكنه يميل إلى الارتفاع والانخفاض: يرتفع في البداية عندما يموت الأشخاص الأكثر ضعفاً ويتراجع في ما بعد، على أن يرتفع مجدداً عندما يموت آخرون.
ستكشف الأسابيع المقبلة الخطر الحقيقي لفيروس كورونا المستجدّ.