“على طريقة الاتحاد السوفييتي”.. كيف سينهار نظام السيسي من داخله؟

عدد القراءات
15,845
عربي بوست
تم النشر: 2020/01/21 الساعة 10:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/01/21 الساعة 10:57 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي

في بودابست، المجر، عام 1956، احتشد العمال والطلاب على ضفاف نهر الدانوب مطالبين بتنحي الحكومة الشيوعية، وخروج بلادهم من عباءة السوفييت، فاستعانت الحكومة بالاتحاد السوفييتي فأرسل الجيش الأحمر واجتاح العاصمة بالدبابات؛ الأمر الذي أشعل فتيل الثورة المسلحة من قبل المتظاهرين فاتجهوا إلى مستودعات السلاح في البلاد وسلّح بعضهم البعض. وكان الكثير منهم يحمل السلاح لأول مرة في حياته، لم يطلقوا رصاصة واحدة يوماً أو يقتلوا شخصاً قط. فقط آمنوا بالحرية، وحقهم في التعبير عن الرأي وطرد الروس من بلادهم مهما كلف الأمر من أرواح. اصطفوا حول المباني يطلقون النار بعشوائية نحو كل ما هو روسي، خائفين من فشل الثورة وانتقام السلطة الوحشي منهم، قلقين على مستقبل بلادهم المجهول. لم يستغرق الأمر الكثير من الوقت فقد أظهر المجريون شجاعة كبيرة في حرب الشوارع وكلفوا الجيش السوفييتي خسائر كبيرة، استعانوا أيضاً بمجلس الأمن في الأمم المتحدة لتوضيح ودعم قضيتهم، واستقطاب دول محايدة للدفاع عن قضيتهم المشروعة. بالفعل نجح الثوار المسلحون في طرد السوفييت من العاصمة، وأجبروهم على وقف إطلاق النار في الشوارع وطالبوا السوفييت بعدم التدخل في الحياة السياسية في البلاد؛ الأمر الذي أتاح فرصة الحلم للشعب المجري بمستقبل أفضل لبلادهم. نزلوا في الشوارع للاحتفال بنجاح ثورتهم. لم يدركوا أن هذه الفرحة مصيرها الهلاك؛ فقد خرق السوفييت الاتفاق بعد أسابيع قليلة، ودخلوا العاصمة مرة أخرى وأبادوا كل ما له علاقة بثورتهم.. كأنها لم تكن. ثم منعوا الحديث عنها في الصحف والراديو، أرادوا محو ذاكرة التمرد.

لم يتدخل المجتمع الدولي لإدانة السوفييت ولا حتى لمحاولة إيقافهم؛ خوفاً من الدخول في صدام مع قوة نووية، يمكنهم بالكاد الصمود أمامهم في الحرب الباردة من دون أن تشتعل حرب عالمية ثالثة. تناسى العالم ضحايا الثورة ولكن لم ينس الشعب المجري الضحايا ولا الأمل في العيش بحرية، وظلت الأسر تتحدث عن تلك الثورة داخل البيوت بين أفرادها، لم يكونوا مدركين متى ستتاح لهم الفرصة مرة أخرى في الخروج إلى الشوارع. تذكرت تلك الأحداث في سبتمبر الماضي، عندما نزل المصريون ملبين دعوة محمد علي للثورة على النظام المصري حين امتلأت الميادين بالمحتجين، كانوا في انتظار رؤية السيسي يقف في مقر الأمم المتحدة دون دعم دولي له في مواجهة الثوار، ولكن مع الأسف اندثرت كل الأحلام بعد ظهور السيسي وحليفه دونالد ترامب يدعم شرعية بقائه في السلطة، مشيراً لجهود مصر والتعاون المصري الأمريكي في إدارة الملف الليبي، كون الجيش المصري هو الحليف الباقي للولايات المتحدة في مواجهة الإرهاب في الشرق الأوسط. وفي الأيام التي تلت تلك التصريحات ألقي القبض على 4000 متظاهر في مصر، وتم توجيه التهم المعلبة لهم. وُجه النظام الإعلام الحكومي لاستنكار وجود معارضة أو حراك شعبي في الشارع أو وجود معتقلين سياسيين أيضاً، أرادوا محوهم من الذاكرة كما فعل السوفييت. رأينا براعة النظام المصري في خلط الأوراق أمام الحكومات الغربية بالتهديد بفتح الأبواب للمهاجرين نحو أوروبا أو تصدير الإرهاب للعالم من خلال ليبيا إن لم تساعده القوى العظمى في حربه على الإرهاب، وأن بقاءه في السلطة هو بلا شك أفضل سبيل لتأمين الحدود الأوروبية، وقبضته الأمنية خير سبيل لمكافحة الإرهاب، ضارباً بحقوق الإنسان عرض الحائط في الكثير من المؤتمرات الدولية. وكالعادة لا واحدة من الحكومات الغربية اختارت الصدام مع الرئيس المصري خشية إحداث أي خلل في التعامل مع تلك الملفات الحساسة. حاضر مصر يتقاطع مع ماضي المجر، فالشعب المجري لم يحظ بدعم دولي في قضيته ولم تتدخل أي من الدول العظمى لإيقاف حمام الدماء، بل اكتفوا بالصمت تماماً كما يفعل الرئيس الأمريكي حليف الجيش المصري الذي يراهن على مصلحته في استمرار النظام المصري في الحكم مهما كلف الأمر. أرى أن من الصعب الحديث عن الأمل في هذه الظروف أو انتظار أي دعم من الحكومات الغربية للوقوف بجوار الشعب المصري في مواجهته ضد الدكتاتور، سواء كانت هذه المقاومة سلمية كالتظاهر أو بفضح النظام وإحراجه من خلال الصحافة العالمية، أو حتى وجود مساحة ولو كانت ضيقة بممارسة العمل السياسي بشكل قانوني دون إلقاء المعارضين في السجون وقتلهم؛ إما بحالات الإعدام المسيسة أو فقط عدم تأمين الرعاية الصحية أو الظروف الأدمية للعيش داخل السجون وتركهم يموتون ببطء جراء الإهمال، ولكن أستطيع أن أخبركم فقط بأن الحكومة السوفييتية سقطت وقمع الشرطة السرية اختفى وانهار الاتحاد السوفييتي من عرينه المحصن في موسكو وجميع عواصم جمهوريته دون استثناء، رغم وجود دباباته في الشوارع وضخامة حجم جيشه وعتاده، وأيضاً رغم فتحه النار في وجه الثوار السلميين داخل الدول السوفييتية وخارجها في ألمانيا وإستونيا وغيرها في شرق أوروبا. يثبت التاريخ أن حكومة الكرملين بنت نظاماً سياسياً عتيداً، يصعب إضعافه، لكنه قد انهار في لحظات رغم قوته تماماً مثل نظامي مبارك وبن علي وغيرهما. النظام السياسي المبني على المصالح بين مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية المنفردة بالحكم كثيرة الخلاف فيما بينها، مليء بالصراعات الداخلية في أروقة السلطة. فالشرطة السرية تبدأ في قمع الشعب ثم تقمع أعضاءها وتلاحق الضباط والمسؤولين وتراقبهم لأنها لا تثق بأحد؛ وبالتالي تخسر الكثير من نقاط قوتها التي قامت عليها بالأصل، وثم يصبح الحاكم أكثر بطشاً حتى يكمم كل الأفواه الموجودة في قصره فيصبح هو المسجون وليس الناس، ينقطع عن العالم الخارجي أو ما يسمى بوحدة السلطة ثم ينهار نظامه فجأة، وأرى موت عبدالناصر "المفاجئ" خير دليل على ذلك. فالنظام السياسي العتيد الذي يملأ الشوارع بالمخبرين، ويدعي أن الجميع يقف في صفه لم يستطع إيجاد طباخ يعد له الطعام دون قتله، أرى أن سلاحنا الوحيد هو الأمل في اصطياد هذه الفرصة التي يخطئ فيها النظام المصري، خطأ ما أو بطش النظام في الجميع -بما أنه لا يثق بأحد- فيعاديه الجميع، فتكون هذه اللحظة هي الأخيرة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
مازن عبد الحليم
كاتب ومدون مصري
كاتب ومدون مصري
تحميل المزيد