وبمعايير الأمن القومي والسياسة والاقتصاد والاجتماع، فإن الغاز المتدفق يعدّ ترجمة للصفقة الأخطر والأهم في تاريخ العلاقات المصرية الإسرائيلية، التي تم إبرامها في شهر فبراير/شباط 2018 وتبلغ قيمتها نحو 20 مليار دولار.
وبمعايير السياسة، فإن هذا الغاز المستورد من الاحتلال يهدد الأمن القومي لمصر بشكل مباشر، إذ إنه يربط الأمن الاقتصادي المصري وأمن الطاقة في البلاد بالغاز المستورد من دولة الاحتلال ولمدة 15 سنة متواصلة.
وبالتالي تصبح بيوت ومصانع ومخابز وشركات الكهرباء والمحال التجارية والمزارع وكافة أنشطة الإنتاج في مصر رهناً بالقرار المتخذ في تل أبيب، الذي قد يقطع ضخ الغاز في أي لحظة، خاصة في حال حدوث أي خلاف سياسي بين البلدين، كأن تساند الحكومة المصرية حقوق الفلسطينيين في الدفاع عن أراضيهم المحتلة، أو تدافع عن قضية القدس المحتلة، أو ترفض سياسة الحصار التي يمارسها الاحتلال ضد قطاع غزة منذ سنوات طويلة.
وبمعايير الأمن القومي أيضاً، فإن هذا الضخ يضعف مطالبة الدولة المصرية مستقبلاً باسترداد حقول الغاز المنهوبة من قبل الاحتلال في شرق البحر المتوسط، ومن أبرزها حقلا لوثيان وأفروديت.
كما أن استيراد مصر لغاز الاحتلال قد يجلب على البلاد مخاطر أمنية في منطقة سيناء هي في غنى عنها، إذ قد يتم تفجير خط نقل الغاز كما كان يجري عقب قيام ثورة 25 يناير/كانون الثاني عندما كانت مصر تصدر الغاز لإسرائيل.
وبمعايير السياسة أيضاً، فإن هذا الحدث يعد أول تطبيع اقتصادي منذ اتفاقية السلام المبرمة في عام 1979، كما أن الصفقة تعني نهاية لمطالب ثورة يناير/كانون الثاني التي أجبرت الحكومة المصرية على وقف تصدير الغاز لإسرائيل، خاصة مع قيام أطراف بالتدمير المستمر لخط أنبوب الغاز في سيناء.
وبمعايير المجتمع، فإن المواطن المصري دافع الضرائب بات مجبراً على علاج العجز في الموازنة الإسرائيلية، وسداد فاتورة تمويل الحروب التي تشنها دولة الاحتلال على قطاع غزة من وقت لآخر.
كما سيتم إجبار الأسرة المصرية على الدخول في عملية تطبيع قسري مع عدو تاريخي وكيان مغتصب للأراضي العربية عبر استهلاك الغاز المتدفق على دولة الاحتلال ودخوله البيوت المصرية واستخدامه في طهي الطعام، وقبله توليد الكهرباء والصناعة.
وبمعايير الاقتصاد، فإن الاقتصاد المصري الذي يعاني من مشاكل كثيرة مطالب بضخ نحو 20 مليار دولار في شرايين الاقتصاد الإسرائيلي وخزانته الخاوية، كما يكشف ضخ الغاز الإسرائيلي لمصر عن شكوك حول ما يتردد على لسان المسؤولين المصريين من حدوث اكتفاء ذاتي من الغاز في مصر، وتصدير الفائض إلى الخارج.
بكل المعايير، فإن مصر خاسرة من صفقة استيراد الغاز من دولة الاحتلال، خاسرة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، خاصة مع تأكيد وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتز، أن الغاز المتدفق على مصر سيوجه للاستهلاك المحلي، وهو ما يشكك في مبررات المدافعين عن الصفقة، القائلين إن الاستيراد يأتي في إطار خطة لتحويل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة في منطقة الشرق الأوسط، وإن الغاز المستورد سيعاد تصديره إلى أوروبا عبر محطات الإسالة المصرية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.