في جنوب شرقي إيران، وبالتحدید قریة (رابور)، في محافظة کرمان، نشأ قاسم سليماني في أسرة ريفیة فقيرة، وكان يعمل عاملَ بناء، ولم يُكمل تعليمَه، وحصل علی شهادة الثانوية العامة فقط، ولكنه صعد سلّم السلطة من خلال الحرس الثوري، القوة الأكبر والأكثر رفعة في إيران، ولَطالما قيل إنه مقرّب من المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، وأنه یُعتبر الرجل الثاني في الجمهورية الإسلامية بعد المرشد الأعلى الإيراني.
بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979
انضمّ سليماني إلى الحرس الثوري الذي تأسّس لمنع الجيش من القيام بانقلاب ضد الزعيم آية الله الخميني، وتدرّج حتى وصل إلى قيادة فيلق القدس. فقد برز قائد فيلق القدس، الذي كان يعيش خلف ستار من السرية لإدارة العمليات السرية في الخارج، لتحقيق النجومية في إيران.
وکان سليماني مسؤولاً عن تنفيذ العمليات العسكرية والاستخباراتية خارج الأراضي الإيرانية. وبصفته قائد جيشه في الخارج، المعروف باسم "فيلق القدس" كان سليماني العقل المدبر لأنشطة إيران في الشرق الأوسط، ووزير خارجيتها الفعلي فيما يتعلق بشؤون الحرب والسلام.
وأصبح في الفترة الأخیرة مادة إخبارية دسمة ۔في المشهد السیاسي والعسکري۔ في الشرق الأوسط والصراع الداٸر في سوریا، ولبنان، والیمن، والعراق. كما أصبح الرجل الذي يتمتع بشخصية آسرة ومراوِغة محلَّ احترام البعض وكراهية البعض الآخر، كما كان مادة للأساطير والمنشورات الساخرة.
وتداول الناشطون في إيران على نطاق واسع فيديو لميليشيات شيعية في العراق، يُظهر جنوداً وهم يرسمون صوراً للجنرال "قاسم سليماني" على الجدران، ويؤدون التحية العسكرية له، مصحوبة بموسيقى حماسية.
يعود الظهور الأول لنجم الشاشة، الجنرال قاسم سلیماني، علی مسرح أحداث الشرق الأوسط لعام 1998، عندما تم تعيينه قاٸداً لفیلق القدس. حاول حينها سليماني توسيع نفوذ إيران في الشرق الأوسط عبر القيام بعمليات سرية، وتزويد الحلفاء في المنطقة بالسلاح، وكذلك تطوير شبكات الميليشيات الموالية لإيران.
ویُعتبر الوحید الذي استطاع أن يُنفّذ الأجندة الإیرانیة في بناء أذرع لها خارج حدودها الجغرافیة. کما صرّح جواد ظریف وزیر الخارجیة الإیرانیة من قبل، أن إيران أکبر من مساحتها الجغرافیة، وهذا التصور والطرح يُعرف في أدبیات السیاسة بالانتقال من الجغرافیا السیاسیة إلی جیوبولتیکیا.
وخلال مسيرته المهنية يُعتقد أنه ساعد الجماعات الشيعية والكُردية في العراق في قتالها ضد صدام حسین إبان فترة حکم الأخير. كما دعم عدة جماعات أخرى في المنطقة، بما فيها جماعة حزب الله في لبنان، وحركة حماس الإسلامية في الأراضي الفلسطينية. ویقول بعض المحللین إنه فعل ذلك لیس حباً في حماس، ولکن کیداً في إسراٸیل.
التبادل الأمني والاستخباراتي بین إیران والأمریکان
في عام 2001، قدّمت إيران معلوماتٍ استخباراتية إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدعم عملياتها للإطاحة بحركة طالبان في أفغانستان. وفي عام 2007، أرسلت واشنطن وطهران مندوبين إلى بغداد لإجراء محادثات مباشرة بشأن تدهور الوضع الأمني هناك، وکان هناك تنسیق بین الجانبین.
وبعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، بدأ سليماني في توجيه الجماعات المسلحة بشنّ هجمات ضد القوات والقواعد العسكرية الأمريكية هناك، علی حدّ قول الإدارة الأمریکیة. وبدأ ظهور نجم الجنرال في تکوین فصاٸل الحشد الشعبي في العراق، وظهوره علی شاشات التلفزة في شمالي العراق، في محافظة صلاح الدین، لدعم فصائل عراقية خلال استعادة مدينة تكريت من مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية.
كذلك اعتُبر سليماني، على نطاق واسع، مهندسَ العملیات العسکریة في الحرب الداٸرة في سوریا، والمسؤول عن صعود القوات شبه العسكرية الموالية لإيران في العراق، فضلاً عن القتال ضد ما يُسمى بتنظيم الدولة الإسلامية، وغيرها من المعارك.
ويُنسب إلى سليماني الفضل في وضع استراتيجية لبشار الأسد للتصدي للانتفاضة المسلحة التي اندلعت ضده عام 2011؛ إذ ساعد الدعم العسكري الإيراني، والدعم الجوي الروسي على قلب دفة القتال ضد القوى الثورية لصالح الحكومة السورية، وسمح لها باستعادة العديد من المدن والبلدات الکبیرة في سوریا.
وفي أبريل/نيسان عام 2019، صنَّف وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" قوات الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس منظمات إرهابية أجنبية.
وقالت إدارة ترامب إن فيلق القدس قدم التمويل والتدريب والأسلحة والمعدات لجماعات في الشرق الأوسط تُصنِّفها الولايات المتحدة منظمات إرهابية، بما في ذلك تنظيم حزب الله اللبناني، وجماعة الجهاد الإسلامي الفلسطينية المتمركزة في غزة.
وفي بيانٍ، قال البنتاغون إن سليماني "دبَّر بفاعلية خُططاً لمهاجمة الدبلوماسيين والمجنّدين الأمريكيين في العراق وفي جميع أنحاء المنطقة".
وأضاف البيان أن "الجنرال سليماني وفيلق القدس مسؤولان عن مقتل المئات". وکان الجنرال سلیماني یسافر بشكل متكرّر عبر المنطقة؛ إذ كان يتنقّل بانتظام بين لبنان وسوريا والعراق، حيث يتزايد النفوذ الإيراني باطراد.
وقُتل سليماني حينما كان مسافراً في قافلة مكونة من سيارتين، خارج مطار بغداد، مع آخرين، بينهم قائد كتائب حزب الله العراقي وناٸب فیلق بدر، أبومهدي المهندس، الذي لقي حتفه في العملية ذاتها. وهو الآخر علی قاٸمة التصنیف الإرهابي، وقد ظهر على مسرح الأحداث عقب سقوط حکم صدام بعد عودته من إیران، حیث کان عضواً في جماعة الدعوة، وقد فرّ من العراق في أواٸل ثمانينات القرن المنصرم إلی الکویت، وبدأ نشاطه، حیث صدر ضده حکم غیابي بالإعدام، وبعد عام 2003 أصبح عضواً في البرلمان العراقي حتی عام 2005 في حکومة نور المالکي، ثم انخرط في العمل الحزبي في "الحشد الشعبي". وکان قریباً من اللواء سلیماني، وقد ظهر معه في لقاءات کثیرة. وقد اتّهمته الإدارة الأمریکیة باقتحام السفارة الأمریکیة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.