كشفت صحيفة The Daily Mail البريطانية، أن الجواسيس الأمريكيين لم يعد بإمكانهم التجسس على الحكومات الأجنبية في حوالي 30 دولة مختلفة، بسبب تقدم تقنيات التعرف على الوجه، والقياسات الحيوية والذكاء الصناعي، مما يجعل تخفّي العملاء أقرب إلى المستحيل.
كانت الحكومات في السابق تراقب ضباط المخابرات الأمريكية في كل تحركاتهم عن طريق الأشخاص التابعين لها، ولكن في الوقت الحالي أصبح من السهل تتبع الأشخاص باستخدام تقنية التعرف على الوجه في المطارات وكاميرات المراقبة المنتشرة في كل مكان في تلك البلدان.
إذ يواجه عملاء الاستخبارات الأمريكية أزمة متزايدة في جمع المعلومات والاستخبارات، لأن التطوير التقني يزيد من صعوبة قدرة الوكالة على حماية عملائها وإخفاء بصماتهم الرقمية.
برامج مكلفة لحماية الجواسيس، لكنها فاشلة!
حسبما كشف مسؤولون بالاستخبارات لموقع Yahoo News، فإن المخابرات المركزية الأمريكية، في إحدى محاولاتها للتغلب على تلك المشكلة، صممت برنامجاً بتكلفة بلغت عدة ملايين من الدولارات ألقت عليه اسم "محطة المستقبل" (Station of the Future).
يعمل البرنامج، الذي صُمم على مدار العقد الماضي، من منشأة دبلوماسية في أمريكا اللاتينية ويتضمن فريقاً من الجواسيس يحاولون صناعة الأدوات واختبار الأساليب التي يمكنها مساعدة مجال الجاسوسية في مواجهة العصر الرقمي.
قال مسؤولون بالاستخبارات للموقع الإخباري إن البرنامج توقف في النهاية، خلال السنوات القليلة الماضية، بسبب البيروقراطية والإهمال المالي.
يعد برنامج "محطة المستقبل" واحداً من البرامج العديدة التي يقودها مكتب التحقيقات الفيدرالي والمخابرات المركزية التي صُممت لمحاولة التغلب على التهديدات الرقمية للجواسيس والعملاء.
قال دويان نورمان، المسؤول السابق بوكالة المخابرات المركزية والعقل المدبّر لبرنامج "محطة المستقبل" المتوقف عن العمل الآن: "لقد تحطمت أساسات أعمال الجاسوسية".
أضاف: "لم نعترف بذلك صراحة على مستوى المؤسسة في وكالة المخابرات المركزية، ولا يزال البعض في حالة إنكار. الجدل الدائر حالياً يشبه الجدل حول التغيرات المناخية. وأي شخص يقول خلاف ذلك لا ينظر إلى الحقائق".
يقول مسؤولون إن جهود مواجهة التحديات التي تطرحها البصمات الرقمية، والتقدم في مجال القياسات الحيوية والذكاء الصناعي لا تزال تمثّل أولوية.
اختبارات الحمض النووي تكشف عن عملاء المخابرات
خلال الأسبوع الماضي، أمرت وزارة الدفاع جميع أفرادها بالامتناع عن استخدام أي اختبارات حمض نووي (DNA) منزلية لأسباب أمنية.
إذ إن انتشار اختبارات الحمض النووي، مثل التي تطرحها شركات 23andMe وAncestry، يعد إحدى الصعوبات التي تواجه مسؤولي المخابرات في الوقت الحالي.
وفقاً لمذكرة موقعة من أعلى مسؤول استخباراتي في وزارة الدفاع، فإن المعلومات الجينية التي تجمعها شركات اختبارات الحمض النووي المنزلية قد تجعل العملاء عرضة "لمخاطر شخصية ووظيفية".
قالت المذكرة: "هذه الاختبارات الجينية غير منظمة بشكل كبير ولا تخضع لأي ضوابط وقد تكشف عن معلومات شخصية أو جينية، وربما ينتج عنها عواقب أمنية غير مرجوّة وزيادة نسبة المخاطر بالنسبة للقوات والمهمات المشتركة".
بالرغم من إصدار الأوامر بعدم استخدام الأفراد العسكريين تلك الاختبارات، يقول المسؤولون إن هناك شخصاً ما على الأرجح في عائلاتهم خضع لتلك الاختبارات بالفعل.
حذر خبراء سابقاً من أن اختبارات الحمض النووي المنزلية تجعل الكشف عن هوية الأشخاص أكثر سهولة. ويحذرون الآن من أن الكشف عن هوية جاسوس قد تكون بسهولة الحصول على عينة لعاب من كوب أو سيجارة لاكتشاف إن كان يعمل تحت اسم مستعار.
بيانات القياسات الحيوية والتقدم في مجال الرقابة الرقمية
يشكل التطور الكبير الذي شهدته القياسات الحيوية، بما في ذلك تقنيات التعرف على الوجه وبصمات الأصابع، خطراً ضخماً أيضاً على مجال الجاسوسية.
بالنظر إلى استخدام تقنيات متقدمة للقياسات الحيوية في بعض المطارات، فضلاً عن المنافذ الحدودية، يقول المسؤولون إن انتحال الجواسيس أكثر من هوية واحدة في البلد الواحد أمر شبه مستحيل.
أصبحت سرقة قواعد البيانات الحيوية في قمة أولويات مسؤولي الاستخبارات بالنظر إلى مدى سهولة كشفها للعملاء الأجانب المتخفين. وقال مسؤول سابق في الاستخبارات: "من الصعب جداً الآن إدارة العمليات السرية عندما يكون الكثير من المعلومات معروفة بالفعل عن الجميع".
أضاف: "الآن عندما تصل إلى الحدود الروسية، يظهر لديهم سجل درجاتك في المدرسة الثانوية وسجل الرغبات الذي كتبت فيه طموحاتك في العمل لصالح وكالة الاستخبارات المركزية. أصبح الحصول على كل هذه المعلومات سهلاً جداً رقمياً".
كما أثّر انتشار كاميرات المراقبة في بعض البلدان على قدرة العملاء على التخفي والاختباء بسهولة. إضافة إلى أن انتشار كاميرات المراقبة وتطور القياسات الحيوية يجعل من الصعب على العملاء السفر تحت اسم مستعار هذه الأيام.
عودة بعض الوكالات الأجنبية إلى الأساليب القديمة
لمواكبة التطورات التقنية والتكيف مع العبء الذي تمثله على وكالات الاستخبارات هذه الأيام، لجأت بعض الوكالات الأجنبية، مثل الصين، إلى استخدام الأساليب القديمة البعيدة عن التكنولوجيا.
يقول مسؤولون إن عملاء الاستخبارات الصينية عادوا إلى أسلوب "النقاط الميتة" في المناطق النائية.
كما بدأوا أيضاً يعودون إلى أسلوب تبادل العناصر أو المعلومات الاستخباراتية في الأماكن العامة. وقال مسؤول: "لم نسمع ذلك عن الصينيين من قبل، ونعتقد أنهم لجأوا إلى ذلك لأنهم ظنوا أن العالم أصبح رقمياً أكثر من اللازم وقابلاً للتعقب".
بينما بدأت وكالات أخرى، ومنها الاستخبارات الروية، في عقد اجتماعاتها السرية بشكل خاص في دول يعلمون أن أنظمة القياسات الحيوية لديها ليست متقدمة.
يقول مسؤولون إن العملاء الروسيين، على سبيل المثال، يفضلون الدول في أمريكا الوسطى والجنوبية. وتعد بيرو أحد أماكن الاجتماعات الشائعة والمفضلة لعملاء الاستخبارات، حيث لا يكونون عرضة للرصد بواسطة أنظمة القياسات الحيوية المتقدمة.
التخفي أمام مرأى الجميع
بالنظر إلى التقدم التقني ومدى صعوبة انتحال هوية مختلفة، أصبح بعض عملاء الاستخبارات يتجولون الآن متخفين أمام مرأى الجميع؟ ويعمل الآن في الغالب عملاء الاستخبارات الأمريكية والروسية والصينية بهوياتهم الحقيقية بسبب صعوبة إخفاء البصمات الرقمية.
أجرت وكالات الاستخبارات الأمريكية عدة تجارب على برامج مختلفة، بعضها لم يعد موجوداً الآن، على مدار العقد الماضي للتوصل إلى أفضل السبل من أجل الحفاظ على درجة من التخفي.
حتى أن وكالة المخابرات المركزية بدأت في إحدى المحاولات العمل مع شركات قطاع خاص في الولايات المتحدة من أجل زرع عملائها عبر تلك الشركات.
يستخدم العملاء أسماءهم الحقيقية ويعملون في وظائف حقيقية، في المجالات التقنية وصناعة الأفلام والهيئات المالية. ويقول مسؤولون إن وكالة المخابرات المركزية بدأت الاستعانة بمن يعملون بالفعل في تلك الشركات من أجل التعاون معهم.
بهذه الطريقة عندما ينتهي الشخص من العمل لدى وكالة المخابرات المركزية يمكنه العودة بسهولة إلى العمل بشكل طبيعي داخل الشركة. ويقول مسؤولون إن عدداً قليلاً جداً من المسؤولين التنفيذيين بالشركة يكونون على علم بتلك الترتيبات مع وكالة المخابرات المركزية.
يحمل استخدام تلك الشركات أهمية خاصة في خلق سيرة مهنية وشخصية صحيحة للعميل يمكنها مواكبة أي فحوصات تقنية متقدمة وتتوافق مع بصماته الرقمية. والآن، أصبح من السهل التعرف على هوية الشخص بشكل سريع باستخدام "بحث جوجل".
كما أصبحت هذه المشكلات أسوأ كثيراً مع العديد من حوادث الاختراق للبيانات الشخصية، ومن بينها بيانات عملاء الاستخبارات، وسرقتها وتسريبها على الإنترنت أو بيعها إلى وكالات أخرى.
يتضمن ذلك تسريبات من المكتب الأمريكي لإدارة شؤون الموظفين عام 2015، عندما سُرقت بيانات 22 مليون شخص.