ضجَّت الأخبار الأخيرة بعناوين من قبيل "عزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب"، رغم أن قرار العزل لم يحدث أصلاً، وما حدث أن الكونغرس قد وافق على صحيفة اتهام له لا غير.
الخطوة القادمة ستتمثل في أخذ تلك الصحيفة وتمريرها لمجلس الشيوخ "السيناتور" لمحاكمة ترامب في محاكمة علنية، برئاسة رئيس المحكمة الدستورية.
لكن كل ذلك بالنسبة لي عبارة عن قرصة أذن لا غير؛ لأن ترامب لن يُعزل، وهو أمر مستحيل حالياً؛ لأن تفعيل قرار عزله يحتاج إلى كل من 47 سيناتوراً من الديمقراطيين ليصوِّتوا بإدانته (وذلك غير مستبعد)، لكنه يحتاج أيضاً إلى 20 سيناتوراً من الحزب الجمهوري ليصوِّتوا بإدانته، وهذا ما أقصد به قولي إن قرار العزل لن يحصل.. لماذا؟ لأن هؤلاء "السيناتورز" سيجدون أنفسهم بعد سنة أو اثنتين أو أربع حتى أمام ناخب جمهوري في ولاية أغلب ناخبيها جمهوريون داعمون للنخاع لترامب.. ترامب بالنسبة لهم يكاد يكون ذا شعبية أكثر من "عيسى ابن مريم" نفسه في بعض المناطق في أمريكا ممن هم داعمون له.. وحتى البعض من الجمهوريين الذين يشتمون ترامب بمناسبة أو من دونها، سينتخبونه أيضاً أمام أي مرشح آخر من الديمقراطيين.
لا أود أن يصل البعض لاستنتاج بأن "ترامب" سيكسب الانتخابات القادمة لا محالة؛ لأن شعبية ترامب في الحزب الجمهوري نحو 85% ما معناه أنه على الأقل 15% من الجمهوريين أنفسهم لا يطيقونه، وتستطيع القول إن أكثر من 90% من الديمقراطيين لديهم استعداد لأن يحكمهم "الشيطان" نفسه، وألا يعطوا أصواتهم لترامب لولاية أخرى، وذلك مؤشر خطير ضده، ولكن الأخطر هم "المستقلون"، وهؤلاء هم الذين يرجحون كفة أي مرشح في أى انتخابات رئاسية، وهم نحو 40% من الناخبين في أمريكا، ولكن كاستطلاعات رأي قمت بها وجدتها تقول إن أغلبيتهم ضد ترامب.
المشكلة أن هؤلاء "المستقلين" (هوائيون) وعرضة للتأثر بأي دعاية قوية من أي طرف، وتقريباً هم لا يتابعون أي قناة إخبارية، ولا يهتمون بالسياسة أصلاً، ينتبهون للأحداث قبل الانتخابات بفارق أسابيع لا أكثر، إن صح القول.
ماذا يعني ذلك؟
يعني أنه في حالة صوّت الناخبون في الانتخابات القادمة من الديمقراطيين والجمهوريين فقط، فترامب سيكون في عداد الموتى، لكن إن حدث ورشح الديمقراطيون شخصية "منبوذة"، كما فعل البريطانيون عندما رشحوا "كوربين" مثلاً، فمن الممكن جداً أن ينتخب "المستقلون" ترامب ويرجحوا كفَّته، وعليه مَن مِن المرشحين الحاليين للحزب الديمقراطى غير "منبوذ"؟
بيرني ساندرز، وإليزابيث وارين هما أقوى مرشحين، لكن حسب آراء البعض، فسيتم تشويههما من الإعلام المحافظ؛ ليقولوا عنهما "اشتراكيين"، وهو مصطلح مثل "ملحد" في البلدان العربية، وهي كافية للناخب "المستقل"، إما أن تبعده عن التصويت نهائياً أو أنه سيدلي بصوته لصالح ترامب.
قرار العزل إذاً لم يمرر لمجلس الشيوخ حتى يتم قرار عزله أساساً، وجميع المغالطات الفيس بوكية الفرِحة بهذا القرار ما هي سوى قلة معلومات لدى البعض عن الوضع الأمريكي، وحتى إن عُزل، فشعبية ترامب ما زالت قوية لدى أنصاره الجمهوريين، وليس سهلاً أبداً التخلص منه بتلك السهولة التي يتصورها البعض.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.