وقائع صادمة تكشفت لـ"عربي بوست" في مذبحة السنك والخلاني التي وقعت بوسط العاصمة بغداد منذ أيام، وراح ضحيتها أكثر من 20 قتيلاً من المتظاهرين، وما يزيد عن 100 مصاب.
وتثبت هذه الوقائع تورط الحشد الشعبي في هذه المجزرة البشعة، وتحديداً فصيلاً بعينه من الحشد مشهوراً بأنه مقرب من إيران.
وبدأت المذبحة عند الساعة التاسعة والنصف بتوقيت بغداد يوم الجمعة 6 ديسمبر/كانون الأول 2019 ، بظهور سيارات عدة من نوع "نيسان"، مع حافلة تُقل عشرات المسلحين، ومن دون سابق إنذار، باشر المسلحون بزيّ مدني بتفريق المتظاهرين بالرصاص الحي، فمنهم من أطلق النار فوق رؤوس المحتجين، ومنهم من استهدف أجسادهم وأرداهم قتلى، بحسب الناشط والمتظاهر أكرم علي.
وتساءل المحتجون كيف تمكن المسلحون من اختراق كل الحواجز الأمنية في بغداد، ومن ثم الوصول إلى ساحة الخلاني، الأمر الذي جعل الجميع يشك بأن هناك سلطة أو قوة نافذة وراء المذبحة أو على الأقل تقوم بتسهيل الأمر للقتلة.
اعتراف ثم إنكار فاتهام للصدر بالتورط في مذبحة السنك والخلاني
بعد أن ورد اعتراف بالتورّط في المذبحة على موقع هيئة الحشد الشعبي، تنصّلت الهيئة من هذا الخبر.
وقالت إن موقعها اختُرق، وحاولت إلقاء اللوم على سرايا السلام التابعة لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر بالمسؤولية عن المجزرة، في حين يقول المتظاهرون إن سرايا السلام وقفت إلى جانبهم.
واتّهم البيان الذي حذفته الهيئة بعد نشره المتظاهرين الذين وصفتهم بالمخربين، بالاعتداء على متظاهرين كانوا استجابوا لدعوات المرجعية للتظاهر.
وحسب البيان فلقد تعرض المتظاهرون المؤيدون للمرجعية لهجوم بالسكاكين والأدوات الجارحة وقنابل المولوتوف من قبل المتظاهرين بالتحرير، فاستنجدوا بالحشد الذي تدخل لحمايتهم، غير أن إطلاق نار كثيف وجه صوب المتظاهرين ومجموعة الحشد، أوقع عدداً من الضحايا".
أمر من هيئة الحشد الشعبي.. الفضّ أو الفصل
ولكن هناك رواية أخرى قالها بعض مسؤولي الحشد سراً تكشف تفاصيل صادمة.
فقد بدأ الأمر بعد أن أمرت هيئة الحشد الفصائل المسلحة بالدخول إلى ساحات الاحتجاج بزي مدني، والاختلاط مع المتظاهرين، محاولة إفشال المظاهرات والسيطرة على ساحات الاحتجاج في بغداد والمحافظات.
يقول مسؤول في مديرية الحشد، رفض ذكر اسمه لـ "عربي بوست"، إن "هناك أوامر صدرت من قيادات الفرق والأولية في الحشد في الأسبوع الماضي، تطلب من عناصر الحشد الدخول إلى ساحات الاحتجاج، وأن يعاقب ويفصل من الخدمة من يعارض هذه الأوامر".
وأضاف أن بعض عناصر الحشد أخذوا أوامر من مسؤول أمن الحشد أبو زينب اللامي ومسؤول قاطع العمليات أبو حسام السهلان، باستخدام آلات حادة لقتل وطعن المتظاهرين، هذا ما حدث بالفعل في يومي الخميس والجمعة في ساحة التحرير، وعلى جسري السنك والأحرار والخلاني.
وبسبب الأوامر غير المدروسة قتل أحد مصوري الحشد بآلة حادة في ساحة الخلاني، وسط بغداد.
والمتهم بالقتل هو بعض المندسين بين المتظاهرين، إلا أن الحقيقة قد تكون غير ذلك، إذ يرجح البعض أن فصائل الحشد الذين دخلوا لساحة الاحتجاج هم مَن قتلوا المصور "أحمد المهنا" عن طريق الخطأ.
وأوضحت مصادر مطلعة أنّ هيئة الحشد اتّخذت إجراءات قانونية بحقّ المنتسبين المخالفين للأوامر العسكرية، وكل منتسب بالحشد يُثبت مشاركته أو دعمه أو تأييده للمظاهرات عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام سيُعاقب ويفصل من الخدمة.
نعم نحن المسؤولون وتحركنا لإنقاذ المتظاهرين لأن التحرير مليء بالمشبوهين
من جهته، أكد المسؤول في الحشد أبو علي العسكري لـ "عربي بوست"، "صحة المعلومات التي ذُكرت في بيان الحشد الشعبي، الذي نفى لاحقاً، بحجة اختراق الموقع الإلكتروني وصفحات الحشد في مواقع التواصل الاجتماعي.
وبرّر المسؤول تدخل الحشد الشعبي بأن مجموعة قامت مساء يوم الجمعة 6 ديسمبر/كانون الأول، على جسر السنك وساحة الخلاني، بالاعتداء على المتظاهرين، باستخدام الآلات الحادة والمولوتوف، من أجل محاولة السيطرة على مرآب السنك.
وقال "هذا ما دفع فصائل الحشد للتدخل نتيجة الفراغ الأمني في المنطقة والاشتباك مع المجموعة التي استحوذت على المرآب، وأطلقت الرصاص الحي باتجاه المتظاهرين، بعدها اشتبك عناصر الحشد مع سرايا السلام التابعة للصدر، وما يسمى بالقبعات الزرق، الذين كانوا موجودين بكثافة بالقرب من مكان الحادث".
وحسب المعلومات لدى هيئة الحشد الشعبي، فإن هناك مجاميع في ساحة التحرير لها نشاطات مشبوهة، وتمتلك أسلحة خفيفة ومتوسطة مخبأة في الأبنية المحيطة والقريبة من ساحة التحرير.
وقال إن هيئة الحشد تؤكد دعمها ووقوفها إلى جانب المتظاهرين السلميين، ومساندتهم لتحقيق مطالبهم المشروعة حسب القانون والدستور العراقي.
هذا هو الفصيل المسؤول عن المذبحة.. سيارات معبأة بالمسلحين، ومتظاهرون تعرَّضوا للتعذيب
ولكن هناك جانب أسوأ من الرواية كشفه مصدر استخباراتي عراقي.
إذ قال ضابط عسكري في عمليات بغداد، غير مخول بالتصريح لـ "عربي بوست"، حسب المعلومات الاستخباراتية، إنه في تاريخ 6 ديسمبر/كانون الأول، حضرت أربع مركبات إلى جامع بقية الله، مقر كتائب حزب الله، أحد فصائل الحشد الشعبي الكائن في شارع فلسطين، بين ساحة التحرير ومدينة الصدر، تحمل أسلحة خفيفة ومتوسطة، وأودعتها داخل الجامع.
وفي تمام الساعة 4 عصراً من مساء يوم الجمعة تجمّع ما يقرب من 350 عنصراً من كتائب حزب الله (من أكثر الفصائل ولاءً لإيران) أمام الجامع المذكور، وبعدها بساعتين تفرقوا بسيارات مختلفة، لم يبق في الجامع سوى العشرات منهم، أما الآخرون فقد ذهبوا إلى أماكن مجهولة لم تحدد.
وحسب المعلومات الاستخباراتية التي حصلت عليها عمليات بغداد، فإن كتائب حزب الله هي المسؤولة عن مجزرة جسر السنك وساحة الخلاني، وراح ضحيتها العشرات من المتظاهرين، إضافة إلى اختطاف عشرات آخرين.
وهناك أدلة أخرى تثبت تورط كتائب حزب الله في المذبحة.
إذ كشفت المعلومات الاستخباراتية أنه بعد ساعات من الحادثة، قامت قوة من عمليات بغداد باقتحام أحد مقرات الكتائب، وإطلاق سراح ما يقرب من 20 متظاهراً كانوا معتقلين لديهم وعلى أجسادهم آثار تعذيب، حتى إن البعض منهم نقلوا إلى المستشفى لتلقي العلاج.
ورواية المتظاهرين تعزز كلام المصدر الاستخباراتي.
إذ ظلَّ المتظاهرون أثناء المذبحة يناورون المسلّحين الملثمين، حتى سقط نحو 20 قتيلاً منهم في سبيل منع الميليشيا من الوصول إلى ساحة التحرير، بحسب رواية الناشط والمتظاهر أكرم علي لموقع "العربي الجديد".
وخلال وقت انشغال الميليشيات التي هاجمت المتظاهرين، تمكن عدد من حماة المتظاهرين الذين يتبعون لـ "التيار الصدري" (سرايا السلام على الأرجح)، من اعتقال أحد المسلحين، وقد تبيَّن أنه ينتمي إلى ميليشيا "كتائب حزب الله".