يستمتع عديد من الأشخاص بالخضوع لاختبارات الشخصية الصغيرة على مواقع التواصل الاجتماعي. معظم هذه الاختبارات مخصص للمتعة فقط، ولكن في بعض الأحيان تكشف عن شذرات من الحقيقة، وتساعد على تسليط الضوء على جوانب مختلفة من الشخصية والسلوك والتفضيلات.
غالباً ما توفر مثل هذه الاختبارات مصدراً مُسلياً للإلهاء، ولكنها قد تكون أيضاً تمريناً مفيداً في التعرف على نفسك بشكل أفضل قليلاً .
بالإضافة إلى هذه الاستبيانات المسلية، هناك كثير من التقييمات النفسية الموثوقة المتاحة على الإنترنت والتي قد تكون قادرة على إخبارك أكثر قليلاً حول نفسك وطبيعة شخصيتك.
مؤشر نوع مايرز بريغ
مؤشر نوع مايرز بريغ (MBTI)، على سبيل المثال، واحد من التقييمات النفسية الأكثر شعبية في العالم اليوم، تم تصميم MBTI لتقييم التفضيلات النفسية، وضمن ذلك الكيفية التي يرى بها الناس العالم، وكيف يتفاعلون مع العالم، وكيف يتخذون القرارات.
تم تطوير الاختبار بناءً على نظريات الشخصية للمحلل النفسي كارل يونغ، منذ ذلك الحين، أصبح التقييم واحداً من أكثر التقييمات استخداماً على نطاق واسع.
فهل تستطيع معرفة نوع شخصيتك على MBTI وتقييمات الشخصية الأخرى أن تكون مفيدة حقاً؟ وما الفوائد التي يمكن أن تعود عليك من هذه التقييمات؟
لماذا نتوق إلى تلقي هذه المعلومات عن أنفسنا؟
تقول باميلا روتليدج، مستشارة في مجموعة متنوعة من المشاريع الإعلامية التي تستخدم علم النفس لترجمة البيانات إلى سلوك بشري لتحقيق نتائج قوية: "على الرغم من التطور النسبي للمجتمع اليوم، يظل الناس لغزاً لأنفسهم ولغيرهم، وهم دائماً فضوليون للحصول على قدر من التبصر حول ما هُم عليه وما تتصف به نفوسهم في حقيقة الأمر، الناس يُحبّون التأكد من صفاتهم، لا سيما نقاط القوة، على الرغم من أن بعض الاختبارات قد تكون تافهة، فإن لدينا شغفاً وجودياً بتجربتها والتحقق من صحتها".
تؤكد روتليدج أن هذه الرغبة في التحليل الذاتي موجودة، وتعود إلى ما قبل سقراط في اليونان، حيث كان الناس حريصين على فهم الفروق الفردية ومكامن التميز ونقاط القوة والضعف على مرّ التاريخ.
وقد كشفت دراسة في التسعينيات، نُشرت بمجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي، عن ثلاثة دوافع رئيسية وراء معرفة نوع الشخصية، هي:
- التقييم الذاتي (السعي وراء المعرفة الدقيقة بالذات)
- التعزيز الذاتي (السعي وراء معرفة نقاط القوة للشخص)
- التحقق من الذات (السعي وراء تأكيد أو نفي ما يعرفه الشخص بالفعل عن نفسه).
فوائد اختبارات الشخصية
معرفة نوع شخصيتك يمكن أن يساعدك في بعض الأشياء، مثل:
1- فهم الآخرين بشكل أفضل:
بعد أخذ MBTI على سبيل المثال، ورؤية النتائج الخاصة بك، قد يكون لديك فهمٌ أفضل لردود الفعل المختلفة والتصورات التي قد تكون لدى الآخرين للمواقف نفسها، فنحن لا نتفق في طريقة رؤيتنا للعالم وتفاعلنا معه.
لا يوجد نوع شخصية "أفضل" من أي نوع آخر، الأمر فقط يكمن في "الاختلاف" لا الأفضلية، واستيعاب الاختلاف في حد ذاته ميزة، لأنه غالباً ما يقع الأشخاص في فخ الاعتقاد الخاطئ بأن معظم الأشخاص الآخرين يُشاركونهم في الآراء والسمات نفسها.
هنا يكون إبراز التفضيلات الخاصة بالشخص، والقدرة على إلقاء نظرة إلى بعض السمات التي يمتلكها الآخرون بمثابة لفت نظر لكثيرين وتنبيههم إلى وجود هذا الاختلاف.
فهمُ بعض سمات شخصيتك الأساسية، بالإضافة إلى سمات الأشخاص القريبين منك، مفيد أيضاً في العلاقات؛ ومن ثم يمكنك الاستجابة بشكل أفضل لاحتياجات أحبّائك وبناء شراكات وعلاقات أقوى.
2- المساعدة على تحديد ما تحبه وما تكرهه:
ربما كنت تكره دائماً التحدث على الهاتف، لكنك لم تفهم حقاً سبب هذا، أو ربما تشعر بأنك تحتاج وقتاً أطول من الآخرين لاتخاذ قرار معيَّن، دون أن تفهم ما الذي يدفعك إلى هذا.
من خلال معرفة المزيد حول طبيعة شخصيتك وما إذا كنت مُنفتحاً أو منطوياً، أو متى تصبح مُرحِّباً بالتواصل ومتى تفضل العزلة، كذلك ما إذا كنت تُفضل التأني في التفكير والتحرك أو تتميز بالتهور والاندفاع، تصبح أكثر قدرة على فهم سبب تفضيلك أشياء معينة وكُره أشياء أخرى.
يمكن أن يكون ذلك مفيداً عندما تحاول اتخاذ قرارات مهمة قد يكون لها تأثير على مجرى حياتك، مثل اختيار التخصص في الكلية، فقد يعني اختيار تخصص ومهنة يتماشيان جيداً مع تفضيلاتك الشخصية أن ينتهي بك الأمر إلى أن تكون أكثر سعادة ورضا عن اختيارك وعملك على المدى الطويل.
3- المساعدة على فهم المواقف بشكل يسمح لك بأداء أفضل ما لديك:
يمكن أن يساعدك تعلم المزيد عن نوع شخصيتك على اكتشاف طرق جديدة للتعامل مع المشكلات، إذا اكتشفت، على سبيل المثال، أنك تميل إلى أن تكون على درجة عالية من الانطواء، فقد تحرص في المستقبل على منح نفسك متسعاً من الوقت لكي تشعر بالراحة في موقف ما، قبل أن تقدم نفسك إلى زميل جديد في العمل.
كذلك يمكن أن توفر لك معرفة ما قد يصلح لنوع شخصيتك أفكاراً جديدة حول كيفية حل المشكلات والتعامل مع التوتر والصراع وإدارة عادات عملك.
4- المساعدة في فهم نقاط القوة والضعف:
قد تكون معرفة ما تتقنه جيداً أمراً مهماً في مجموعة مختلفة ومتعددة من المواقف، سواء كنت تختار تخصصاً جامعياً أو عملاً معيناً، أو تختار صديقاً أو شريكاً للحياة، أو حتى اختيار الحي الذي ستقطن به.
فمثلاً، إذا عرفت أنك شخص انطوائي، تميل إلى كثير من التفكير والتأني قبل اتخاذ قراراتك المختلفة على MBTI، فقد تدرك أن جوانب معينة من شخصيتك قد تتأهل كنقاط قوة في بعض المواقف، وقد تُصبح نقاط ضعف بحالات أخرى.
فمثلاً، على الرغم من أن مهاراتك التنظيمية القوية وشخصيتك الموجهة نحو التفاصيل يمكن أن تكون نقطة قوة رئيسية في عملك، فإنها قد تقودك إلى بعض الأزمات والمشكلات في بعض الأحيان بالمواقف التي تحتاج فيها السماح للآخرين بتولي زمام الأمور.
تذكَّر أن اختبارات الشخصية لها حدود
معرفة نوع شخصيتك ليس كل شيء، يمكن أن تكون اختبارات الشخصية مفيدة وممتعة، ولكن حتى التقييمات النفسية الأكثر جدية لا تستطيع إخبارك بدقة لا تقبل الشك، بما يمكنك إنجازه، وكيف يمكنك القيام ببعض الأمور بطريقة معينة، أو من قد تصبح في المستقبل.
يمكن أن تكون اختبارات الشخصية، وضمن ذلك التقييمات النفسية الموثوقة التي تجدها عبر الإنترنت، مثيرة للتفكير، وثاقبة، وحتى ممتعة، لكن يجب عدم التشبث الحاد بالنتائج.
حياتنا ليست ثابتة، نحن ننمو ونتغير ونتعلم أشياء جديدة، ونكوّن تجارب جديدة تجعلنا نختلف ولو اختلافاً طفيفاً وتدريجياً.
أسباب للحذر من نتائج اختبارات الشخصية
1- قد يمنحك اختبار أو تقييم الشخصية فكرة أفضل عن المجالات التي تروق لك، ولكن هناك فرق كبير بين الاهتمام بمجال معين والاستمتاع بالعمل الفعلي به، قد يشير اختبار الشخصية إلى أنك ستكون محاسباً كبيراً، ولكن عند ممارسة العمل قد تجده مملاً ولا تحب التزامه.
2- يمكن أن يمنعك التشبث بأفكار حول صفاتك وتفضيلاتك من تجربة أشياء جديدة، على سبيل المثال، قد يرفض المنفتح الأشياء التي يتم وصفها عادة على أنها أنشطة انفرادية أو هادئة، وقد يؤدي ذلك إلى فقدان الخبرات التي قد تتعلم منها أو تستمتع بها حقاً.
3- قد يمنعك التركيز الشديد على نوع شخصيتك من تكوين علاقات جيدة مع الآخرين، فالتشبث الشديد والسريع بالأفكار حول ماهية شخصيتك يمكن أن يجعل من السهل رفض الأشخاص الآخرين.