توصلت دراسة جديدة أجراها علماء من جامعتي ولاية أريزونا وتكساس إي آند إم لاكتشاف ما قالوا إنه "الرابط المفقود" في المملكة النباتية المتعلق بخلود الخلايا بين البشر والحيوانات أحادية الخلية.
اكتشاف كبير في الحمض النووي للنباتات
الدكتورة جوليان تشين، أحد مُعدي الدراسة، والأستاذة المتخصصة في الكيمياء الحيوية بجامعة ولاية أريزونا وفق ما نقلت شبكة CNN الأمريكية قالت: "هذه أول مرة نحدد فيها البنية التفصيلية لمكوِّن التيلوميراز في النباتات". وقد نُشرت الدراسة الاثنين، 2 ديسمبر/كانون الأول في دورية Proceedings of the National Academy of Science.
مكوِّن التيلوميراز في النباتات هو الإنزيم الذي يكوِّن الحمض النووي الخاص بالتيلوميرات، وهي البنيات المركبة الموجودة على حواف الكروموسومات الخاصة بالانسان حيث تحمي التيلوميرات خلايا البشر من الشيخوخة في أثناء انقسامها.
قالت الدكتورة جوليان تشين، أحد مُعدي الدراسة: "هكذا، يُعدُّ هذا الاكتشاف اكتشافاً ضخماً بالنسبة للبحوث الأساسية، لأن أخيراً أصبح لدينا طريقة لدراسة إنزيم التيلوميراز في النباتات وفهم كيف يختلف أو يتشابه مع ذلك الموجود في الحيوانات".
تساءل التقرير: هل من الممكن أن يؤدي هذا الاكتشاف إلى إطالة عمر البشر في يومٍ ما ليصبح بطول عمر أشجار الصنوبر المعروفة بـ "موتشالح" التي قد تعيش إلى ما يتعدى 5 آلاف سنة؟ ربما كان هذا ممكناً في يومٍ ما.
تشين أضافت: "هذا بحث أساسيّ حقّاً. فتطبيق الأمر على البشر لا يزال أمراً بعيد المنال تماماً".
الاكتشاف الجديد سيسهم في تحسين صحة البشر
لكن، في الوقت نفسه، فإن بعض الخبراء مثل إليزابيث بلاكبيرن من جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو متفائلون. وقد حازت بلاكبيرن جائزة نوبل في الطب لعام 2009، إلى جانب كارول غريدر من جامعة جونز هوبكنز وجاك زوستاك من جامعة هارفارد لاكتشافاتهم الخاصة بإنزيم التيلوميراز ومركب التيلوميرات.
بلاكبيرن قالت: "الأمر المثير هو أن تلك الورقة البحثية تتناول كيف أن النباتات توفر الروابط المفقودة للتاريخ الزاخر لتطور الحمض النووي الريبوزي للتيلوميراز.. وذلك من أبسط أسلافنا"، مضيفة: "هذا الفهم الجديد الأساسي قد يمهد الطريق إلى سبل جديدة لرفع كفاءة التيلومير إلى أقصى درجة من أجل صحة البشر".
التقرير قال إن المستويات المرتفعة من إنزيم التيلوميراز تحافظ على تلك التيلوميرات طويلة، ما يسمح لها بالاستمرار في وقاية خلايا البشر من التضرر وهي تنقسم.
أغلب الخلايا في أجساد البشر لديها مستويات منخفضة للغاية من التيلوميراز، وهكذا فإنها تشيخ في أثناء انقسامها (تخيل أطراف أربطة الأحذية تبلى حتى تتلاشى). والخلايا التي تتقدم في العمر تعني أن الجسد يتقدم في العمر، وأن الخلايا لم تعد تؤدي وظائفها بطريقة طبيعية.
حيث يعمل التيلوميرات على تحسين الخلايا البشرية
لكن، عندما تكون نهايات الخلايا محمية بفعل التيلوميرات، فإن جزءاً فقط من التيلومير، أو الغطاء، هو ما يُفقد في أثناء انقسام الخلية، ولا يتعرض الحمض النووي المُهمُّ إلى ضرر. وباعتبار أن الخلية المتوسطة تنقسم نحو 50 إلى 70 مرة، فإن خسارة الغطاء الواقي قد يؤدي إلى عدم استقرار الكروموسومات أو إلى توقف انقسام الخلية.
عند البشر -على سبيل المثال- تحتوي كروموسومات البويضات والحيوانات المنوية والخلايا الجذعية على مستويات عالية من إنزيم التيلوميراز، وهكذا فإنها تستطيع الاستمرار في الانقسام مرات ومرات متجنبةً التقدم السريع في العمر.
غير أن التيلوميرات نفسها لا تتمتع بالخلود. ففي كل مرة تنقسم خلية ما، يُفقد نحو 20 قاعدة مزدوجة من التيلومير، أو غطاء حافة رباط الحذاء. بل ومن الممكن أن يفقد الانسان عدداً أكبر يتراوح من 50 إلى 100 قاعدة مزدوجة مع كل انقسام للخلية عندما تكون ألاجسام في حالة إجهاد تأكسيدي.
يضع البشر اجسامهم في تلك الحالة عند التدخين، أو اتباع نظام غذائي غير مغذٍّ، أو التعرض للضغط وغيرها من السلوكيات الحياتية الضارة. وهكذا، يُبلى مزيدٌ من التيلوميرات -حتى الطويلة منها- ما بين التضرر الطبيعي وذلك الناجم عن إجهاد تأكسدي المرتبط بأسلوب حياتنا.
في حالة لو استطاع العلم الاستفادة من سر إنزيم التيلوميراز، فمن الممكن أن نتمكن من إطالة عمر التيلوميرات، وإبطاء عملية التقدم في العمر.
وربما يؤدي الاكتشاف الجديد إلى علاج أسباب التليف الرئوي
وقد يتمكن العلماء من إيجاد علاج للأمراض التي تؤدي إلى تقصير التيلوميرات، مثل التليف الرئوي.
حيث إن هنالك فائدة أساسية أخرى لهذا اللغز المكتشف: الخلايا السرطانية تحتوي على مستويات عالية من إنزيم التيلوميراز، ما يمكنها من الاستمرار في مضاعفة عددها إلى أن تكوِّن أوراماً.
من شأن إيقاف نشاط الإنزيم في الخلايا السرطانية أن يقصِّر تيلوميراتها، ليصل بها إلى مرحلة تسمي "الطول الحرج" التي تحفز بدورها موت الخلية المبرمجة.
الهدف الأكبر إذاً هو: قتل السرطان ببرود.
ليتساءل التقرير ، لماذا يُعتبَّر إنزيم التيلوميراز لدى النباتات مهمّاً؟
عندما حاز العلماء بلاكبيرن، وغريدر، وزوستاك جائزة نوبل لعام 2009، كان ذلك من أجل اكتشافاتهم العظيمة بخصوص التيلوميرات والتيلوميراز. فقد استخلصوا الحمض النووي الخاص بتيلومير من كائن وحيد الخلية في زبد بركة، وأوضحوا كيف يحمي الكروموسومات في الخميرة، وحددوا أن إنزيم التيلوميراز هو ما يبني الحمض النووي للتيلوميرات ويمدُّ في أعمارها.
منذ ذلك الحين، وُجِد أن إنزيم التيلوميراز موجود في العموم تقريباً في جميع الأنواع الحية، ولكن بطرقٍ معقدة.
بلاكبيرن تعقب بالقول: "عمل الإنزيم متشابه في جميع الكائنات بداية من أبسطها ووصولاً إلى البشر. إلا أن الحمض النووي الريبوزي للتيلوميراز كان دائماً بمثابة لغز لأنه مختلف باختلاف أفرع الحياة".
ويستمر العلماء في اكتشاف دورا في التقدم في العمر
حيث إن لكلِّ نوعٍ حي عناصر فريدة في الحمض النووي الريبوزي الخاص بتيلوميراتها، ولا يبدو أنها جميعاً تحمي من التقدم في العمر. على سبيل المثال، يكون لبعض الأنواع الحية ذات التيلوميرات الأطول فترة حياة أقصر من أنواع ذات تيلوميرات أقصر.
هذا، ويستمر العلماء في استكشاف دور التيلوميرات وإنزيم التيلوميراز في التقدم في العمر، وهم الآن يعتقدون أنهما قد يكونا جزءاً واحداً فقط من عملية التقدم في العمر، على الأقل بالنسبة إلى الحيوانات.
تشين تضيف: "إذا احتوت الخلايا إنزيم التيلوميراز، فإنها ستعيش أطول، ولكن هذه الخلايا ما هي إلا مجرد جزء من أجسامنا. وفكرة إن كانت تستطيع إبطاء عملية التقدم في العمر برمتها أو إطالة عمر الأفراد موضوع آخر كلياً".
أما الآن، فلدى العلم مملكة جديدة برمتها من إنزيم التيلوميراز لفحصها، ألا وهي المملكة النباتية التي تضم أكثر من 2500 نوع حي.
قالت تشين: "ربما كان نشاط إنزيم التيلوميراز مختلفاً في النباتات عن الحيوانات. نحن نعلم أن بعض الأساسيات متشابهة، ولكن قد يكون لدينا بعض السمات الإضافية التي تكتسبها النباتات لتكون خاصة بها".
تضيف تشين: "إننا نأمل أن نتعلم شيئاً من نظمها، وآلياتها، وبنيتها يمكن تطبيقه على إنزيم التيلوميراز لدى البشر. لذلك، بالنسبة إلى البحوث الأولية، هذا أمر مثير حقّاً لأنها مملكة جديدة تماماً نستطيع استكشافها لمعرفة كيف تؤدي التيلوميرات وظائفها في النباتات".