عرضت قناة "الإخبارية" السعودية، اليوم الأربعاء 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، مقاطع حصرية تُعرض لأول مرة منذ 40 عاماً، وتُظهر جانباً من المواجهات التي اندلعت عقب اقتحام الحرم المكي، وخروجه عن سيطرة السلطات مدة أسبوعين.
وقالت القناة إنها عرضت المشاهد بالتزامن مع مرور 4 عقود على حادثة اقتحام الحرم التي هزت العالم الإسلامي.
وتُظهر المقاطع إحدى مآذن الحرم المكي وهي تتعرض للرصاص، فيما تُظهر لقطات أخرى انفجارات داخل الحرم، ودبابات كثيرة في محيطه، تخرج إحداها من أحد أبوابه، بالإضافة إلى مشاهد للحظة اعتقال مهاجمي الحرم.
قصة اقتحام الحرم
في فجر يوم الثلاثاء 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1979، بدأت أحداث اقتحام الحرم المكي، عندما دخله منفذو الهجوم وعددهم قرابة 200، وكان معهم نعوش زعموا أنها لموتى يريدون أن تُصلى عليهم الجنازة.
وكان قائد المجموعة يدعى جهيمات العتيبي، وسميت حادثة اقتحام الحرم باسمه "حادثة جهيمان"، وفور انتهاء الصلاة فتح المقتحمون النعوش التي كانت مليئة بالأسلحة والذخيرة وبدأوا بتوزيعها على المقاتلين معهم.
وفي مشهد صادم، بدأ المسلحون يطلقون النار في الهواء، مما تسبب في حالة من الذعر بين المصلين والمعتمرين، وفي ذات الوقت حيّد المقتحمون حراس الحرم الذين لم يكن بأيديهم سوى العصي، ثم هرعوا إلى بوابات الحرم وأغلقوها لمنع قوات الأمن من دخوله.
وتقول صحيفة "لوفيغارو" ضمن سلسلة نشرتها تحت عنوان: "كوماندوز أسطوري.. قصص عمليات عسكرية غيرت مجرى التاريخ"، إن جهيمان ومجموعته كانوا يخبئون أسلحة في المسجد، وبعد استخراجها صعدوا على منارات الحرم السبع، وثبتوا رشاشات عليها لمنع أي هجوم عليهم.
"مبايعة المهدي المُنتظر"
كان جهيمان مدفوعاً في اقتحامه للحرم بفكرة ظهور "المهدي المُنتظر"، وقالت "لو فيغارو" إن جهيمان اعتبر في الحديث الذي يقول: "يبعث الله على رأس كل مئة عام من يجدد لأمتي دينها"، أنه يخاطبه هو وجماعته بالذات.
وكان جهيمان ومن معه قد رأوا أن شقيق زوجته محمد بن عبدالله القحطاني هو "المهدي المنتظر"، لذلك وبعد تأكد المقتحمين لسيطرتهم على الحرم، صدح صوت جهيمان على مكبر للصوت، معلناً أمام المصلين مبايعته للقحطاني بوصفه "المهدي"، كما بايعه كل أعضاء مجموعته.
ويتحدث تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن جهيمان كان يؤمن كل الإيمان بحلول زمن المهدي، فسعى إلى استنباط الدلائل على قدومه، فعلى سبيل المثال وجد أن العملة التي تحمل صورة الملك أحد الدلائل، وهو الأمر الذي اعتبره أتباع جهيمان شراً، ورأوا تطابق الواقع مع بعض الأحاديث عن دخول الشر إلى كل بيت قُبيل قدوم المهدي.
أيام من القتال
كان اقتحام الكرم بمثابة حدث صاعق لسلطات المملكة التي لم يسبق أن تعرضت لهجوم كهذا، خصوصاً أنه في الحرم المكي، وجهة المسلمين الأولى في العالم.
وكانت السعودية متحيرة في البداية من استخدام السلاح داخل الحرم، حيث يُحرم القتال فيه، لكن الملك السعودي آنذاك خالد بن عبدالعزيز، تمكن من استصدار فتوى من العلماء السعوديين أباحت له استخدام القوة لطرد "الإرهابيين".
كانت المحاولة الأولى لطرد المسلحين مليئة بالدماء، إذ كان جهيمان والقناصة المتواجدون معه متحصنين في منارات الحرم، بالإضافة إلى مقاتلين آخرين كانوا يتربصون لقدوم القوات السعودية، وتشير إحصاءات إلى أن العشرات قتلوا في هذا الهجوم.
اضطرت السعودية حينها لاستخدام قوة أكبر، فلجأت إلى المدرعات التي اقتحمت أبواب الحرم المكي، ومشطت المنارات بعدما قصفت الفناء الداخلي للمسجد.
وبينما وجد جهيمان نفسه ومجموعته محاصرين فقد لجأوا إلى قبو المسجد الحرام، وهو ما مثل المرحلة الأصعب بالنسبة للمملكة، بسبب أخذ المقتحمين عدداً من الرهائن، والتحصن في مكان ضم مئات الغرف المتصلة ببعضها، وفقاً لصحيفة "لوفيغارو".
فرنسا تشارك بإنهاء العملية
لجأت السعودية حينها إلى فرنسا حيث كانت تربط بينهما علاقات مميزة، وبحسب "بي بي سي" فإن الرياض طلبت من باريس المساعدة من فرنسا، فأرسلت ثلاثة خبراء من وحدات مكافحة الإرهاب على متن طائرة صغيرة وبحوزتهم كميات كبيرة من الغاز وأقنعة واقية منها، بالإضافة إلى سترات واقية من الرصاص.
ودرب الخبراء الفرنسيون القوات السعودية على تكتيك استعمال الغاز والوقاية منه في إحدى الثكنات القريبة من منطقة الطائف.
ونجحت خطة القوات الفرنسية في النهاية، حيث قامت القوات السعودية التي ترتدي أقنعة للوقاية من الغاز ودروعاً واقية من الرصاص بحفر ثقوب في بلاط المسجد الحرام، وسكبت من خلالها المادة الكيميائية المذكورة.
وبعد ذلك ثم تسلل عناصر تلك القوات إلى داخل الغرف، ليجدوا المقتحمين وقد احترقت وجوههم ورئاتهم، وهم يختنقون والدموع تنهمر من أعينهم، فاستسلموا دون مقاومة في الرابع من ديسمبر/كانون الأول 1979.
وحُكم في النهاية على جهيمان بالإعدام، حيث نُفذ في 9 يناير/كانون الثاني 1980 حكم الإعدام حداً بالسيف فيمن تمت إدانتهم في واقعة اقتحام الحرم، حسب أحكام القضاء الشرعي السعودي، حيث أعدم 61 مداناً في مقدمتهم جهيمان العتيبي وسُجن 19 آخرون.