تحدى عشرات المحتجين المدافعين عن الديمقراطية المنهكين والمحاصرين داخل حرم إحدى الجامعات، الثلاثاء 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، تحذيرات الشرطة لهم بالاستسلام، فيما دخل حصار قوات الأمن للجامعة يومه الثالث وسط إشارات جديدة من الصين إلى أن صبرها بدأ ينفد.
وتواجد عدد من طلاب المدارس الثانوية ضمن المحاصرين داخل جامعة البوليتكنيك المعروفة بنشاطها الفعال دعماً للحركة الاحتجاجية، الذين يخشون الاعتقال أو القتل عبر إطلاق الشرطة النار عليهم.
محاولة هروب ناجحة من الجامعة المحاصرة
إقدام الشرطة على اعتقال أو إطلاق النار على أي شخص يغادر الجامعة لم يمنع المتظاهرين من محاولة الخروج من الحرم الجامعي، فخلال الليل أفلت بعضهم من حصار الشرطة من خلال مد حبال من جسر جانبي إلى طريق فرعي، حيث كان أشخاص ينتظرونهم على متن دراجات نارية، وغادروا المكان.
وفي جهد منسق على ما يبدو لتشتيت انتباه الشرطة أثناء عملية الفرار، تدفق عشرات الآلاف من الأشخاص إلى حرم الجامعة، حيث اندلعت اشتباكات مع الشرطة في منطقة كولون القريبة.
وفي أول تعليق علني لها على أزمة البوليتكنيك، قالت حاكمة المدينة غير المنتخبة كاري لام، الثلاثاء، إن على المحتجين الباقين الاستسلام إذا أرادوا نهاية سلمية.
وقالت لام في مؤتمر صحفي: "لا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا من خلال التعاون الكامل للمحتجين، بما في ذلك بالطبع مثيرو الشغب الذين يتعين عليهم وقف العنف والتخلي عن الأسلحة والخروج بسلام والانصياع لتعليمات الشرطة".
وأشارت لام إلى أن القاصرين الذين استسلموا لن يتم اعتقالهم، لكنّ المتظاهرين الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاماً سيواجهون تهم ممارسة الشغب.
ورغم ذلك، أعرب بعض من بقوا محاصرين في الداخل عن عزمهم البقاء.
وقال أحد المحتجين، وهو طالب هندسة ميكانيكية عرّف نفسه فقط باسم ماثيو، لوكالة الأنباء الفرنسية داخل الحرم الجامعي: "حتى لو استسلمنا فسوف يلقوننا في السجن. يبدو في الظاهر أن أمامنا خيارين، لكن في الواقع لدينا (خيار) واحد فقط (…) وهو السجن".
وقالت لام إن حوالي مئة شخص ما زالوا داخل حرم الجامعة صباح الثلاثاء.
وخارج حرم الجامعة، توافد أقارب بعض المحتجين المحاصرين وقد بدا عليهم التوتر والقلق على مصير ذويهم.
وقالت أم خمسينية: "أنا قلقة من أنه حين تقوم الشرطة بهجوم سيكون هناك الكثير من الضحايا، تيان انمين 2".
وتشكّل هذه المواجهة أشد وأطول أزمة خلال الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية في هونغ كونغ والتي شهدت خروج الملايين إلى الشوارع منذ يونيو/حزيران الفائت للتعبير عن غضبهم حيال الصين التي يتهمونها بقمع الحريات في المستعمرة البريطانية السابقة.
مرحلة عنف جديدة
تسبّبت مرحلة جديدة من الاضطرابات الجماعية الأسبوع الماضي في حدوث فوضى في جميع أنحاء المركز المالي العالمي، مع إغلاق المدارس وتعطل خطوط القطارات وإغلاق الطرق الرئيسية بمتاريس وضعها محتجون.
وشكّل اتجاه المحتجين المتشددين للاستيلاء على جامعة البوليتكنيك في نهاية الأسبوع تكتيكاً جديداً أيضاً.
في السابق، ركّز المتظاهرون على الاحتجاجات المفاجئة وأعمال التخريب.
وصدّ المحتجون محاولات الشرطة للهجوم عليهم، عبر إلقاء وابل من زجاجات المولوتوف والسهام المشتعلة والحجارة. كما أضرموا النيران في مدخل الجامعة، الإثنين .
وبعد إصابة أحد الضباط قرب حرم الجامعة في ساقه بسهم مشتعل أطلق على الأرجح من آلة رماية في الجامعة استخدمها المحتجون، حذّرت الشرطة من أنها على استعداد لاستخدام الرصاص الحيّ.
وأظهرت لقطات مصورة، الإثنين، رجال شرطة يحملون دروعاً يضربون محتجين ملقين على الأرض بالهراوات.
كما تم تصوير ضابط يدوس على رأس متظاهر مستسلم بالفعل.
وتعد وحشية الشرطة التي تحدث عنها المتظاهرون واحدة من الشكاوى الرئيسية لحركة الاحتجاج. لكن كبار الضباط يقولون إن عناصرهم يتصرفون وفقا للقانون.
قائد جديد للشرطة في هونغ كونغ
في غضون ذلك، عينت الصين كريس تانغ بينغ كيونغ قائداً جديداً للشرطة في المدينة.
وقالت حكومة هونغ كونغ إن تعيين تانغ تم "بناءً على توصية وترشيح" الرئيسة التنفيذية كاري لام، وبموافقة مجلس الدولة (مجلس الوزراء) في الصين.
من جهته، أوضح تانغ بينغ كيونغ أن دحض الاتهامات المزيفة ضد الشرطة وطمأنة الجمهور بشأن مهمة قواتها "سيكون من بين أولوياته"، حسب المصدر ذاته.
وأضاف عقب مشاركته في حفل صباح الثلاثاء: "يتعين علينا الحفاظ على القانون والنظام في هونغ كونغ، وثمة خرق للقانون على نطاق هائل في هونغ كونغ وهناك قطاع معين من المجتمع يتغاضى أيضاً عن تلك الأنشطة غير القانونية".
وعمل تانغ في قوة الشرطة لأكثر من 30 عاماً، وسيحل محل لو وي تشونج، الذي يتقاعد بعد 35 عاماً من الخدمة.
لا تزال السلطات التنفيذية في هونغ كونغ الموالية لبكين ترفض تنفيذ المطالب الرئيسية للمتظاهرين، التي تتضمن انتخابات حرة في المدينة البالغ عدد سكانها 7,5 مليون نسمة، ووضع حدّ لتراجع الحريات مع تشديد الصين قبضتها على هونغ كونغ.
وحذرت بكين مراراً من أنها لن تتساهل إزاء أي معارضة، بينما تتزايد الخشية من لجوئها لتدخل عسكري لقمع الاضطرابات.
والإثنين، قال السفير الصيني في لندن ليو تشاومينغ، في مؤتمر صحفي في العاصمة البريطانية: "أعتقد أن حكومة هونغ كونغ تبذل أقصى جهودها للحفاظ على ضبط الأمور". وأضاف: "لكن إذا خرج الوضع عن السيطرة، فإن الحكومة المركزية لن تبقى بالتأكيد مكتوفة الأيدي".
وأكد السفير الصيني أن بلاده تملك "التصميم والقوة الكافيين لوضع حد للاضطراب".
وفي إشارة حازمة أخرى، أكدت الصين الثلاثاء أنها هي وحدها صاحبة السلطة للبت في القضايا الدستورية في هونغ كونغ، في الوقت الذي أدانت فيه قراراً للمحكمة العليا في المدينة بإلغاء الحظر على أقنعة الوجه التي يرتديها المتظاهرون.
ويرتدي المحتجون خلال التظاهرات أقنعة لإخفاء وجوههم وتجنب تعرضهم لملاحقات قضائية.
وقال زانع تايواي، الناطق باسم لجنة الشؤون التشريعية في مؤتمر الشعب الوطني، إن مؤتمر الشعب وحده يملك الحق للحكم فيما إذا كان أي قانون يتوافق مع القانون الأساسي، أي الدستور المصغّر للمدينة.
وأثار ظهور جنود صينيين لفترة قصيرة في شوارع هونغ كونغ، السبت، لتنظيف الشوارع من الحطام، مخاوف من إمكانية تدخل بكين عسكرياً لإنهاء الأزمة.
ورداً على سؤال حول الظروف التي ستدفعها لطلب المساعدة من حامية المدينة التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني في المدينة، قالت لام إنه إذا لم تستطع سلطات المدينة التعامل بكفاءة مع "مثيري الشغب" وتصاعد العنف.
وقالت لام: "لكن في الوقت الحالي ما زلنا نظهر الكفاءة للتعامل مع الموقف بأنفسنا".
وانطلقت موجة التظاهرات في المدينة من معارضة لمشروع قانون يسمح بتسليم مطلوبين إلى الصين، لكن تم إلغاؤه بعد ذلك. غير أن الاحتجاجات لم تتوقف بل تم رفع سقف مطالبها إلى الديمقراطية ومحاسبة الشرطة.