صرحت مصادر قريبة من اثنين من أكثر الشخصيات تأثيراً في العراق لـ "رويترز"، بأن إيران تدخلت لمنع الإطاحة برئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، وسط المظاهرات التي تفجرت منذ أسابيع؛ احتجاجاً على أداء الحكومة.
كان رجل الدين الشيعي الشعبوي مقتدى الصدر قد طالب هذا الأسبوع، بأن يدعو عبدالمهدي إلى انتخابات مبكرة، لتهدئة أكبر احتجاجات شعبية يشهدها العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأطاح بصدام حسين عام 2003. وتأججت المظاهرات وسط غضب من الفساد والمصاعب الاقتصادية الواسعة.
دعم إيراني لاستمرار عادل عبدالمهدي
وحثَّ الصدر منافسه السياسي الرئيسي هادي العامري، الذي يقود تحالف الفتح، وهو تحالف تدعمه إيران ويمثل أبرز قيادات الحشد الشعبي ويمتلك ثاني أكبر عدد من مقاعد البرلمان، على المساعدة في الإطاحة بعبدالمهدي.
لكن في اجتماع سري عُقد ببغداد يوم الأربعاء 29 أكتوبر/تشرين الأول، تدخَّل قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، وطلب من العامري وقيادات الحشد الشعبي الاستمرار في دعم عبدالمهدي، حسبما ذكرت خمسة مصادر على دراية بما دار في الاجتماع.
ولم يتسنَّ التواصل مع متحدثين باسم العامري والصدر، للحصول على تعليق. وأكد مسؤول أمني إيراني أن سليماني كان حاضراً في اجتماع الأربعاء، وقال إنه كان موجوداً "لإسداء النصح".
وقال المسؤول الإيراني الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته، إن الأمن العراقي "مهمٌّ بالنسبة لنا، وقد ساعدناه من قبل. قائد فيلق القدس يسافر إلى العراق ودول أخرى بالمنطقة من آن إلى آخر، وخاصة عندما يطلب منا حلفاؤنا العون".
كما كشفت وكالة "أسوشييتد برس" الأمريكية عن حضور قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، اجتماعاً أمنياً عراقياً بدلاً من رئيس مجلس الوزراء عادل عبدالمهدي، وهو ما شكَّل مفاجأة للمسؤولين الحاضرين. وتعهد سليماني، بحسب الوكالة، بقمع التظاهرات، لكنه فشل حتى الآن.
كما أكدت الوكالة في تقريرها، أن إيران تخسر نفوذها بالعراق ولبنان، بسبب فشل وكلائها في المحافظة على هذا النفوذ.
قاسم سليماني في المنطقة الخضراء وسط بغداد
بعد يوم من اندلاع الاحتجاجات المناهضة للحكومة في العراق، توجَّه قاسم سليماني إلى العاصمة بغداد في وقت متأخر من الليل، واستقل طائرة هليكوبتر إلى المنطقة الخضراء شديدة التحصين، حيث فاجأ مجموعة من كبار مسؤولي الأمن برئاسة الاجتماع بدلاً من رئيس الوزراء!
وقال للمسؤولين العراقيين: "نحن في إيران نعرف كيفية التعامل مع الاحتجاجات. لقد حدث هذا في إيران وسيطرنا عليه"، وفق مسؤولين كبار مطَّلعين على الاجتماع، تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم.
وفي اليوم التالي لزيارة سليماني، أصبحت الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن في العراق أكثر عنفاً بكثير، حيث ارتفع عدد القتلى إلى 100 بعد أن أطلق قنّاصون مجهولون النار على المحتجين في الرأس والصدر. وقُتل نحو 150 متظاهراً في أقل من أسبوع.
وبحسب الوكالة، يشير وصول سليماني ومهندس جهاز الأمن الإقليمي التابع لطهران إلى قلق إيران الشديد من الاحتجاجات التي اندلعت بجميع أنحاء بغداد وفي قلب العراق، حيث شملت الاحتجاجات دعوات لطهران إلى وقف التدخل في المنطقة.
لكن يبدو أن مهمته فشلت في العراق ولبنان
وبعد مرور شهر تقريباً، استؤنفت الاحتجاجات بالعراق، واندلعت المظاهرات في لبنان أيضاً ضد الحكومات والفصائل المتحالفة مع طهران، حيث تهدد الاحتجاجات نفوذ إيران الإقليمي، في الوقت الذي تكافح فيه تحت وطأة العقوبات الأمريكية المعطِّلة لاقتصادها.
وخلال تجدُّد الاحتجاجات بالعراق هذا الأسبوع، وقف رجال يرتدون ملابس مدنية وأقنعة سوداء أمام الجنود في مواجهة المتظاهرين، وأطلقوا الغاز المسيل للدموع. وأكد السكان أنهم لا يعرفون من هم، مع توقُّع البعض أنهم إيرانيون.
ويشير التقرير إلى أن الاحتجاجات في العراق ولبنان تغذيها المظالم المحلية، وتُوجَّه أساساً إلى النخب السياسية المتحالفة مع إيران، وهو تحدٍّ لطهران التي تدعم عن قربٍ الميليشيات المسلحة في كل بلد.
قال المحلل الأمني العراقي هشام الهاشمي، إن "إيران تخشى هذه المظاهرات، لأنها حققت أكبر المكاسب في الحكومة والبرلمان من خلال الأحزاب القريبة منها منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003".
كما أشار الهاشمي إلى أن "إيران لا تريد أن تفقد هذه المكاسب. لقد حاولت العمل من خلال أحزابها، لاحتواء الاحتجاجات بطريقة إيرانية للغاية"، في إشارة إلى فشلها في احتواء التظاهرات.