إذا كنت من أصحاب الشخصية الكمالية ، فقد تكون على دراية بالشعور بالرغبة في أن ينفذ كل شيء على نحو مثالي. ربما تواجه صعوبة في تسليم التكليفات الدراسية وتعاني في مشروعات العمل، بل وينتابك القلق بشأن أخطاء صغيرة اقترفتها في الماضي.
تختلف المعايير العالية عن الكمالية إلى حد كبيرٍ. ومثلما اكتشف بعض الباحثين، يمكن أن يؤدي السعي للكمالية إلى عواقب وخيمة على الصحة النفسية والجسدية.
ما هي الشخصية الكمالية؟
وفقاً للباحثين، تتمسك الشخصيات الكمالية بمعايير عالية على نحوٍ غير واقعي وتنتقد نفسها إذا اعتقدت أنها لم تحقق هذه المعايير.
تميل الشخصيات الكمالية أيضاً إلى الشعور بالذنب والخزي إذا تعرضت للفشل؛ مما يدفعها في كثير من الأحيان إلى تجنب المواقف التي قد تتعرض للفشل فيها.
وأوضحت الصحفية البريطانية أماندا روجيري في مقال عن الكمالية نشرته هيئة الإذاعة البريطانية في قسم Future بموقعها قائلةً: "عندما لا تنجح الشخصيات الكمالية، لا تشعر بخيبة الأمل من النتيجة فحسب، بل تشعر بالخزي من نفسها".
كيف يمكن أن تكون الكمالية ضارة؟
على الرغم من أن كثيرين يرون أن السعي نحو التميز أمر جيد، اكتشف الباحثون أن الكمالية -في أقصى درجاتها- مرتبطة في الواقع بسوء الصحة النفسية.
ففي إحدى الدراسات التي نشرها موقع ThoughtCo، حلل باحثون كيفية ارتباط الكمالية بالصحة النفسية في دراسات سابقة.
ودرس الباحثون إجمالي 284 دراسة (مع أكثر من 57 ألف مشارك) ووجدوا أن الكمالية كانت مرتبطة بأعراض الاكتئاب والقلق واضطراب الوسواس القهري واضطرابات الأكل.
ووجد الباحثون أيضاً أن الأشخاص الذين يتمتعون بدرجات أعلى من الكمالية (أي المشاركين الذين لديهم سمات كمالية أطغى) ذكروا أنهم يعانون بمستويات أعلى من الضيق النفسي في العموم.
وفي مقالة نُشِرت عام 2016، درس باحثون في طريقة ارتباط الكمالية والاكتئاب مع مرور الوقت.
واكتشف الباحثون أن الأشخاص الذين يتمتعون بمستويات أعلى من الكمالية كانوا يميلون إلى زيادة شعورهم بأعراض الاكتئاب؛ مما يشير إلى أن الكمالية قد تكون عامل خطر للإصابة بالاكتئاب.
بمعنى آخر، على الرغم من أن الأشخاص قد يرون أن سعيهم للكمال شيء يساعدهم على النجاح، يبدو أن هذا السعي قد يكون في الواقع ضاراً لصحتهم النفسية.
هل الكمالية ضارة دائماً؟
ناقش علماء النفس هذه النقطة، إذ أشار بعضهم إلى أنه قد تكون هناك كمالية تكيُّفية، أي أن يتمسك الأشخاص بمعايير عالية دون الانجراف إلى نقد الذات بسبب الأخطاء التي يرتكبونها.
ولفت بعض الباحثين إلى أن النوع الصحي من الكمالية ينطوي على السعي وراء الأهداف لأنك تريد ذلك وألا تلوم نفسك إذا فشلت في تحقيق هدف ما.
ومع ذلك، أوضح باحثون آخرون أن الكمالية ليست تكيُّفية: فوفقاً لهؤلاء الباحثين، تُعتبر الكمالية أكثر من مجرد التمسك بمعايير عالية، ولا يعتقدون أن الكمالية مفيدة.
هل تزيد الرغبة في الكمالية؟
في إحدى الدراسات، درس الباحثون كيفية تغير الكمالية مع مرور الوقت. راجع الباحثون بيانات جُمِعت سابقاً من أكثر من 41 ألف طالب جامعي من عام 1989 حتى عام 2016.
ووجد الباحثون أنه خلال هذه الفترة الزمنية أخبر الطلاب عن شعورهم بمستويات أعلى من الكمالية: إذ تمسك هؤلاء الطلاب بمعايير عالية وشعروا أن هناك توقعات عالية منهم وفرضوا معايير عالية على الآخرين أيضاً.
الأهم من ذلك، كان أكثر ما زاد هو التوقعات الاجتماعية التي كانت لدى هؤلاء الشباب البالغين تجاه البيئة المحيطة بهم.
وافترض الباحثون أن هذا قد يكون بسبب أن المجتمع تنافسي على نحوٍ متزايد: قد يتعرض الطلاب لهذه الضغوط من آبائهم ومن المجتمع؛ مما يزيد من ميولهم نحو الكمالية.
كيفية التغلب على الكمالية
بما أن الكمالية ترتبط بعواقب سلبية، فكيف يمكن لشخص لديه ميول للكمالية تغيير سلوكه؟
على الرغم من أن الناس يترددون أحياناً في التخلي عن ميولهم للكمالية، يوضح علماء النفس أن التخلي عن الكمالية لا يعني أن تكون أقل نجاحاً.
في الواقع، ولأن الأخطاء جزء مهم من التعلم والنمو؛ فإن تقبُّل النقص يمكن أن يساعدنا فعلياً على المدى الطويل.
ينطوي أحد البدائل الممكنة للكمالية في التحلي بما يُطلق عليه علماء النفس "عقلية النمو".
إذ وجد الباحثون في جامعة ستانفورد الأمريكية أن التحلي بعقلية النمو هو طريقة مهمة لمساعدتنا على التعلم من إخفاقاتنا.
وعلى عكس هؤلاء الذين يتمتعون بعقليات ثابتة (الذين يرون أن مستويات مهاراتهم ثابتة وغير قابلة للتغيير)، يعتقد الأشخاص الذين يتحلون بعقليات النمو أنهم قادرون على تحسين قدراتهم من خلال التعلم من أخطائهم.
وأشار علماء النفس إلى أن الآباء يمكنهم لعب دور مهم في مساعدة أبنائهم على التحلي بسلوك صحي أكثر تجاه الفشل: إذ يمكنهم مدح أبنائهم على بذل المجهود (حتى لو كانت نتائجهم غير مثالية) ومساعدتهم على تعلُّم المثابرة عندما يرتكبون أخطاء.
هناك بديل ممكن آخر للكمالية وهو التعاطف مع الذات. ولفهم التعاطف مع الذات، فكر كيف سيكون رد فعلك تجاه أحد أصدقائك المقربين إذا ارتكب خطأً.
سيكون رد فعلك على الأرجح هو اللطف والتفهم، مع علمك بأن صديقك نيته حسنة.
الفكرة الكامنة وراء التعاطف مع الذات هي أننا ينبغي لنا أن نعامل أنفسنا بلطف عندما نرتكب أخطاء ونذكر أنفسنا بأن الأخطاء جزء من الطبيعة البشرية وألا نسمح للمشاعر السلبية باستنزافنا.
ومثلما أوضحت أماندا في مقالها المنشور بـ BBC Future، يمكن أن يكون التعاطف مع الذات مفيداً للصحة النفسية، لكن الشخصيات المثالية لا تميل إلى معاملة نفسها بطريقة تنطوي على تعاطف. (يمكن ممارسة هذا التمرين القصير للتشجيع على التعاطف مع الذات).
وأشار علماء النفس أيضاً إلى أن العلاج السلوكي المعرفي يمكن أن يكون وسيلة لمساعدة الناس على تغيير معتقداتهم عن الكمالية.
وعلى الرغم من أن الكمالية مرتبطة بسوء الصحة النفسية، فالخبر السار هو أن الكمالية سلوك يمكنك تغييره.
من خلال محاولة النظر إلى الأخطاء على أنها فرص للتعلم واستبدال التعاطف مع الذات بنقد الذات، يمكنك التغلب على الكمالية واتباع طريقة صحية لتحديد أهدافك.