بدأت استراتيجية الضغط من الداخل تتزايد ضد الحكومة العراقية، مع إعلان أربعة نواب استقالتهم من البرلمان، تضامناً مع المحتجين في أنحاء البلاد، الذي يطالبون بـ "إسقاط النظام".
وأعلن أربعة نواب عراقيين تقديم استقالاتهم من البرلمان رفضاً لأداء الطبقة السياسية التي يتهمونها بـ "الفشل" في الاستجابة لمطالب الحركة الاحتجاجية، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
واستقال النائبان الشيوعيان الوحيدان اللذان حصلا على مقعديهما ضمن ائتلاف "سائرون"، وهما رائد فهمي، وهيفاء الأمين، إضافة إلى طه الدفاعي ومزاحم التميمي، من قائمة "النصر" التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.
وجاءت هذه الخطوة غداة بدء نواب رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر اعتصاماً مفتوحاً داخل البرلمان، "إلى حين إقرار جميع الإصلاحات التي يُطالب بها الشعب العراقي".
وقد فاز تحالف "سائرون" (تحالف الشيعة والشيوعيين بالعراق) بالانتخابات التشريعية التي جرت في مايو/أيار 2018، بنيله 54 مقعداً في البرلمان، ما جعل الصدر في موقع مؤثر في الائتلاف الحكومي الذي يطالب الشارع بإسقاطه اليوم.
وتقدّم رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي قبل أيام بمقترحات عدة لتنفيذ إصلاحات، لم تكن مقنعة للمتظاهرين.
احتجاجات متواصلة
وبينما تحاول الطبقة السياسية في البلاد تهدئة الشارع، فإن المتظاهرين يواصلون احتجاجاتهم في مناطق عراقية عدة.
وشهدت العاصمة العراقية ومدن جنوبية عدة موجة ثانية من الاحتجاجات منذ مساء يوم الخميس الماضي، رغم مواجهة المتظاهرين بوابل القنابل المسيلة للدموع، وحظر التجول، والعنف الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، بعضهم سقط بالرصاص الحي جنوباً، والبعض الآخر احتراقاً خلال إضرام النار في مقار أحزاب سياسية.
وانضم طلاب إلى التظاهرات في بغداد، وأشار ناشطون إلى أن نحو خمس مدارس قررت إغلاق أبوابها والمشاركة في الاحتجاجات بشكل جماعي.
وفي ساحة التحرير التي تعتبر رمزية ومركزاً أساسياً لانطلاق التظاهرات في العاصمة، شوهدت فتيات صغيرات يرتدين الزي المدرسي ويحملن حقائب الظهر يتجولن في الشوارع التي تطلق فيها عبوات الغاز المسيل للدموع.
"لا نريد أحداً منهم"
وتجمع مئات المحتجين في الساحة في تحد جديد بعد ليلة طويلة من التظاهرات التي يقوم بها مطالبون بـ "إسقاط النظام"، استخدمت القوات الأمنية لتفريقها الغاز المسيل للدموع.
وقال أحد المتظاهرين للوكالة الفرنسية وهو يلفّ رأسه بالعلم العراقي: "خرجنا لإقالة الحكومة شلع قلع (كلها من جذورها). لا نريد أحداً منهم".
وخلال نهار أمس الأحد، تجددت التظاهرات جنوباً في النجف والحلة وكربلاء والديوانية، من دون وقوع أي حوادث، فيما تم إعلان حظر للتجول في مدينة البصرة، مع إشارة قوات الشرطة إلى أنها شنت حملة اعتقالات لمن وصفتهم بـ "مخربين" انسلوا بين المتظاهرين.
وتعتبر هذه الاحتجاجات غير مسبوقة في التاريخ العراقي الحديث، وبدأت عفوية بسبب الاستياء من الطبقة السياسية برمتها، وصولاً حتى إلى رجال الدين.
وشهدت التظاهرات المطلبية أيضاَ سابقة في العنف بالتعاطي معها، إذ سقط 157 قتيلاً في الموجة الأولى منها، بين الأول والسادس من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، و74 قتيلاً حتى الآن في الجولة الثانية التي بدأت مساء الخميس الفائت.
مساعٍ لإيقاف الاحتجاجات
وتحاول الحكومة العراقية بشتى الوسائل وضع حد للتظاهرات المطالبة برحيلها، وأمس الأحد قالت وكالة رويترز نقلاً عن مصدرين أمنيين في العراق، قولهما إن رئيس الوزراء عبدالمهدي أمر القوات الخاصة لـ "مكافحة الإرهاب" بالانتشار في شوارع العاصمة بغداد، واستخدام أي وسيلة لإنهاء الاحتجاجات ضد الحكومة، بعد مظاهرات تجدد فيها سقوط ضحايا من المتظاهرين.
وقالت الشرطة المحلية ومصادر أمنية للوكالة إن جهاز مكافحة الإرهاب العراقي انتشر في مدينة الناصرية بجنوب البلاد، حيث اشتبك متظاهرون مع قوات الأمن يوم السبت الفائت، ففرَّق المظاهرات بضرب واعتقال العشرات.د
ويسود استياء واسع في البلاد من تعامل الحكومة العنيف مع الاحتجاجات، في حين يعتقد مراقبون أن موجة الاحتجاجات الجديدة ستشكل ضغوطاً متزايدة على حكومة عبدالمهدي، وقد تؤدي في النهاية إلى الإطاحة بها.
ويعتبر العراق من بين أكثر دول العالم معاناة من الفساد على مدى السنوات الماضية، حسب مؤشر منظمة الشفافية الدولية، إذ قوض الفساد المالي والإداري مؤسسات الدولة التي لا يزال سكانها يشكون من نقص الخدمات العامة من قبيل خدمات الكهرباء والصحة والتعليم وغيرها، رغم أن البلد يتلقى عشرات مليارات الدولارات سنوياً من بيع النفط.