وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، نظيره الإثيوبي بأنه "أحد أهم قادة إفريقيا وأكثرهم تأثيراً"، يمكن تمريره على أنه من قبيل مجاملة ضيف لضيفه كما يمكن التوقف أمامه لقراءة ما بين السطور، فما سر اهتمام إسرائيل بتثبيت علاقتها مع أديس أبابا؟ ولماذا تسعى إثيوبيا إلى مد جسور تلك العلاقات لدرجة تجاهل معاناة مواطنيها في الدولة العبرية؟
زيارة تأخرت
واقع الأمر هو أن العلاقات بين إسرائيل وإثيوبيا قوية وتعود إلى خمسينيات القرن الماضي، ويرجع ذلك إلى وجود جالية يهودية كبيرة هم يهود الفلاشا، تم نقل الآلاف منهم إلى إسرائيل في السبعينيات، ويبلغ عدد يهود الفلاشا في إسرائيل حالياً أكثر من 140 ألفاً.
أما عن الزيارات الرسمية بين البلدين، فيكفي أن نعرف أن نتنياهو زار إثيوبيا عام 2016 في أثناء رئاسة أديس أبابا للاتحاد الإفريقي، وفي هذا الإطار يمكن القول إن زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي الحالي، آبي أحمد، لإسرائيل والتي بدأت الأحد 1 سبتمبر/أيلول 2019، ربما تكون قد تأخرت.
ماذا يريد آبي أحمد من تل أبيب؟
رغم قوة العلاقات الأمنية والسياسية بين البلدين، يعتبر حجم التبادل التجاري بينهما متواضعاً للغاية ولا يتخطى 70 مليون دولار فقط، حيث كشف تقرير صادر عن "المعهد الإسرائيلي للصادرات والتعاون الدولي"، أن حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 70 مليون دولار، فتُصدّر إسرائيل إلى إثيوبيا المواد الكيميائية والآلات الصناعية والبرمجيات، وتستورد منها المنتجات الزراعية والتبغ.
أما الاستثمارات الإسرائيلية بالسوق الإثيوبية، فتتركز في مجالي زراعة الزهور والتصنيع الزراعي، ووفقاً لهيئة الاستثمار الإثيوبية بلغ عدد المشاريع الإسرائيلية في إثيوبيا نحو 187 مشروعاً، بقيمة 1.3 مليار بِر إثيوبي (ما يوازي 58.4 مليون دولار).
في هذا الإطار تأتي زيارة آبي أحمد لتل أبيب، حيث إن رئيس الوزراء منذ وصوله إلى السلطة يحرص على إقامة علاقات قوية مع جميع الدول، فقد زار دولاً كثيرةً في المنطقة خلال الفترة الماضية كالسعودية والإمارات وقطر إلى جانب السودان ومصر، وعدد كبير من دول أوروبا وآسيا، وقد وصل إلى تل أبيب قادماً من كوريا الجنوبية.
إثيوبيا تعد ثاني أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان، وتعتبر واحدة من أفقر دول العالم، ويسعى آبي أحمد إلى بناء اقتصاد بلاده من خلال جذب استثمارات أجنبية لاستغلال مواردها الهائلة، خصوصاً في مجال الزراعة، لذلك هو يريد من إسرائيل ضخ مزيد من الاستثمارات ببلاده.
عنصرية إسرائيل تجاه الفلاشا لا تعنيه
ربما يلتقي آبي أحمد أفراداً من الجالية الإثيوبية في تل أبيب، رغم وجود مخاطر من احتمالية حدوث هتافات مضادة له؛ على خلفية التمييز العنصري الذي اشتكى منه إثيوبيون في إسرائيل خلال الفترة الماضية، مع اتهامات لحكومتهم بأنها لم تتدخل بشكلٍ كافٍ.
وقد أعلن مكتب نتنياهو عن توجيه الدعوة إلى عدد من قيادات الجالية الإثيوبية البارزين، لمقابلة آبي أحمد، بينهم والدة أفيرا مينغيستو الذي تزعم إسرائيل أن "حماس" تحتجزه منذ خمس سنوات، وسط اتهامات لإسرائيل بأنها لا تبذل الجهد لاستعادته كما فعلت مع جلعاد شاليط، الذي استبدلته بأكثر من 1400 أسير عربي.
وقد زار السفير الإثيوبي في تل أبيب عائلة سولون تيكا، الشاب الذي قتله شرطي إسرائيلي وأدى ذلك إلى تظاهرات عارمة وأعمال شغب من جانب الجالية الإثيوبية، لكن السفير أكد ن بلاده لا دخل لها بما يحدث بين "مواطني إسرائيل والدولة، فذلك شأن داخلي".
هذه المؤشرات تؤكد أن آبي أحمد لا يريد من إسرائيل سوى زيادة الاستثمارات بالمجالات الزراعية والتكنولوجية وغيرها.
ماذا تريد إسرائيل؟
تنظر الحكومة الإسرائيلية باهتمام كبير إلى زيارة آبي أحمد، بسبب المكانة الإقليمية لبلاده داخل إفريقيا، بوصفها إحدى أهم دول شرقي القارة، ونظراً إلى كونها بوابة لمنطقة القرن الإفريقي تكتسب أهمية استراتيجية، بسبب متاخمتها للبحر الأحمر والمحيط الهندي، إذ تمر عبرهما حركة التجارة الإسرائيلية إلى جنوب شرقي آسيا.
لكن الهدف الرئيسي الذي تسعى تل أبيب إلى تحقيقه من حرصها على توثيق العلاقة مع أديس أبابا، هو محاولة دفعها إلى تغيير أنماط تصويتها في المنظمات الدولية، لتتسق مع مصالح تل أبيب، بحسب تحليل لموقع العربي الجديد.
وهذا الهدف ليس خافياً ولا سراً، حيث تجاهر إسرائيل برغبتها في توظيف علاقاتها مع الدول الإفريقية في التأثير على أنماط تصويتها بالمنظمات الدولية، ودفعها إما إلى التصويت ضد مشاريع القرارات "المعادية" لها، وإما على الأقل الامتناع أو التغيب عن التصويت.
وخلال اللقاء الذي جمعه بممثلي إسرائيل في إفريقيا، والذي عُقد في فبراير/شباط 2017، أوضح نتنياهو بشكل لا لبس فيه، أن الهدف الرئيس لحكومته من محاولاتها تعزيز علاقتها بالدول الإفريقية هو التأثير على أنماط تصويتها في المحافل الدولية.
وأضاف نتنياهو حينها: "في حال نجحنا في إحداث تحوُّل على أنماط تصويت نسبة من الدول الأربع والخمسين التي تشكل القارة الإفريقية، فإننا سننجح في إحداث تحول بطابع التعاطي مع إسرائيل في المحافل الدولية".
واستناداً إلى هذا المعيار، فإن العلاقة مع إثيوبيا تكتسب أهمية كبيرة، لأنها أكثر دول شرقي إفريقيا التي تصوّت إلى جانب مشاريع القرارات المناوئة لإسرائيل، وهو ما تفسره أوساط التقدير الاستراتيجي في تل أبيب بأنه حرص من أديس أبابا على علاقتها بالعالم العربي.