اعتبر حمادي الجبالي، رئيس الحكومة التونسية الأسبق والمرشح للانتخابات الرئاسية، في 15 سبتمبر/أيلول المقبل، نفسه مرشحاً مستقلاً لـ "خط الثورة" من أجل "إنقاذ تونس".
وقال الجبالي (70 عاماً)، في مقابلة مع وكالة أنباء الأناضول بمقر حملته في العاصمة تونس: "أترشح لأن بلادنا في خطر، وهناك عملية إنقاذ موكولة لكل وطني".
وأضاف: "حتى لا أكون قاسياً، بلادنا الآن في وضع شبه لا دولة، فكل المعايير ضُربت، الحريات ضُربت، الاقتصاد ضُرب، ولابد من تضافر كل الجهود لإنقاذها".
وشغل الجبالي منصب رئيس الحكومة بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي (مجلس مُنتخب وضع دستوراً جديداً لتونس)، أكتوبر/تشرين الأول 2011، في أعقاب ثورة شعبية أطاحت بالرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي (1987 – 2011).
وإثر مغادرته رئاسة الحكومة، استقال الجبالي من منصب الأمين العام لحركة النهضة، بعد أن تحمل فيها مسؤوليات عديدة منذ نهاية السبعينيات، ثم انسحب من الحركة تماماً، في ديسمبر/كانون الأول 2014.
وقال الجبالي إنه "في خدمة البلد، وما زال قادراً على التقديم لبلاده من موقع المستقل".
واعتبر أن الترشح كمستقل أفضل من المترشح الحزبي، الذي عندما ينجح في الانتخابات "سيأخذ معه حزبه، ويسكنه القصر، ويراعي مصلحة الحزب والفئة واللوبيات، التي أوصلته إلى ذلك المكان".
الانقسام في تونس مفتعل
رأى الجبالي أن الانقسام في تونس بين حداثيين وغير حداثيين هو "انقسام مفتعل من النخب".
وأضاف: هي "انقسامات في النخبة، فالبعض يقول إنه حداثي ديمقراطي، ويطلق على الآخرين صفة إسلامي رجعي".
وتابع: "هذه قضايا حسمها الدستور في المادتين الأولى والثانية، حيث أكد أن بلادنا لغتها العربية ودينها الإسلام، فالهوية راسخة، وعبثاً يحاولون اقتلاع هذه الجذور من الشعب التونسي".
واستطرد: "هذا ليس صراعنا، بل صراع يضيع الوقت والجهد، وهو تقسيم إيديولوجي ليس موضوع الشعب، بل هو موضوع النخبة ولن ينتهي".
الحريات في مواجهة الاستبداد
لكن الجبالي أفاد بوجود انقسام آخر في تونس بين نمط مجتمع حر، يريد التنمية والعدالة الاجتماعية، ونمط آخر يريد العودة إلى منظومة الاستبداد.
وأوضح أن الأول هو "مشروع الحريات والتنمية والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر، وردم الهوة بين الجهات (المناطق)".
ورأى أن المشكل هو: "كيف يشعر المواطن في أي مكان من تونس أنه تونسي له نفس الحقوق والواجبات.. هذا الشعور غير موجود مع الأسف".
أما المشروع الثاني فهو "مشروع الرجوع إلى الوراء للمظالم للاستبداد للرشوة وللفساد.. وهذان مشروعان لا يقومان على الدين واللا دين ولا على الأيديولوجية"، وفق الجبالي.
وتابع: "نحن نريد الذهاب في مشروع تونس الغد، وهو مشروع الثورة".
وأطلق على هذا المشروع اسم "المشروع الوطني الطموح، حيث كل شخص يدلي بدلوه فيه، وخاصة رئيس الجمهورية، الذي يعبِّر عن ضمير الشعب".
وشدد على أن ذلك المشروع لا يستهدف الدخول في "صراعات طبقية ومناكفات زائدة".
وقال إنه "منحاز لمشروع تونس الغد، تونس الحريات والديمقراطية والانتخابات الحرة والصوت الحر، الذي يعبر عن رأيه دون خشية السجن".
وأردف: "هناك تدافع وأيضاً صراع، لكن المهم أن نتفق أن يكون هذا الصراع سلمياً، وهذا كسب كبير لتونس، ولابد أن نحافظ عليه".
وقال الجبالي إن المنظومة المدافعة عن خيار الاستبداد القديم "جيشت إمكانيات عديدة من المال من الداخل والخارج".
واستطرد: "أنا من أنصار مشروع الحريات والتقدم ولنا الإرادة، وهذا الذي يبحث عنه الشعب التونسي".
واعتبر أن "المغريات وشراء الذمم لن تدوم، فهؤلاء لا يملكون الحلول للأزمة، وسيعيدوننا إلى المربع الأول، مربع الاصطفاف مع الاستبداد والفساد".
مرشحو الثورة وتقليل الفرص
حول الترشحات المتعددة للرئاسة في صفوف المناصرين للثورة مما يضعف حظوظهم، قال الجبالي: "بادرت منذ ثلاث سنوات لجمع كل أبناء هذه المنظومة لنرشح واحداً فقط، واتصلت بكل الوجوه المرشحة من منظومة تونس الغد، لكن لم نصل إلى تفاهم.. المصالح الشخصية والزعاماتية غلبت".
وبصفة أولية، قبلت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ملفات 26 مرشحاً لخلافة الرئيس الباجي قايد السبسي (92 عاماً)، الذي توفي في 25 يوليو/تموز الماضي.
فلسطين.. القضية المركزية
بشأن برنامجه للسياسة الخارجية، قال الجبالي إنه قائم على "العمل لمصلحة تونس، والابتعاد عن المحاور والصراعات، التي دمّرت شعوبنا، ونرى ذلك في اليمن وليبيا وسوريا".
وأضاف أن "الدول التي تبحث عن النفط والغاز والمواقع الاستراتيجية عيّنت وكلاء في كل البلاد (العربية) يخدمون مصالحها".
وشدّد على أن استقلاليته لا تعني "الاستقلالية عن قضايا الحق والعدل، فهذا من صميم ثورتنا وقيمنا، وقضية فلسطين هي القضية المركزية للشعوب العربية وللثورة العربية، رغم انحياز بعض الدول للتطبيع (مع إسرائيل)".
وأضاف أن "قضية الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان هي قيم سندافع عنها دون التدخل في شؤون البلدان الأخرى".
وأوضح: "نحن مع الحياد الإيجابي المنحاز لقضايا الشعوب والحريات، لكن مع البعد عن المحاور المدمرة لشعوبنا ومنطقتنا".
وبخصوص العلاقات السورية- التونسية، قال الجبالي: "مصلحة تونس ضمن مصلحة الشعوب العربية ومصلحة الأمة.. قمنا بثورة في تونس للكرامة والحرية والتنمية ليتحرر الإنسان التونسي والإنسان العربي".
وقطعت تونس علاقاتها بالنظام السوري، عام 2012؛ لقمعه الاحتجاجات السلمية المطالبة بتغيير النظام الحاكم، ثم افتتحت في 2014 مكتباً في دمشق لإدارة شؤون رعاياها في سوريا.
وتابع أن "الثورات العربية كانت تطالب بالحرية والتنمية والكرامة والشغل والصحة والتعليم ولم يتغير شيء من هذا، فلماذا أُطالب الآن بتغيير موقفي من النظام السوري وغيره، وعدم مراعاة هذه المبادئ".
واستطرد: "رئيس الدولة لا يحكم لوحده، هناك حكومة وزراء ومستشارون، لكن تأكد أنني لن أنحاز إلى الدكتاتورية والجرائم ضد الشعوب، وفي سوريا ارتُكبت جرائم شنيعة من كل الأطراف، ولكن بالتأكيد من النظام السوري".
مقاربة شاملة لمحاربة الإرهاب
رئيس الجمهورية في تونس يترأس أيضاً مجلس الأمن القومي، وهو مطروح عليه مقاومة الإرهاب الناشط في بعض المرتفعات الغربية لتونس.
وبهذا الشأن قال الجبالي: "مقاربتنا شاملة.. ونرى كيف تركت هذه الآفة المدمرة للشعوب العراق وسوريا وليبيا".
ومضى قائلاً: "لابد من مقاربة شاملة، إذ لا يمكن معالجة الإرهاب بوسائل الإرهاب، بل لابد من البحث عن الأسباب، والأسباب عميقة، اقتصادية ثقافية فكرية، ويجب محاربتها في منطلقاتها".
وتابع أن "رئيس الجمهورية بالصلاحيات التي منحها له الدستور دوره ليس فقط أمنياً، بمعنى محاربة الإرهاب والجريمة".
وأردف: "الأمن ليس فقط مقاومة العصابات والجريمة ودعم سلك الأمن والجيش، ولكن أيضاً الأمن الصحي والأمن التعليمي، ومن هنا يمكن للرئيس أن يتدخل بالمبادرة التشريعية وبالعلاقات الخارجية التي أصبحت تخدم الاقتصاد".
وزاد بقوله: "الدبلوماسية سنوظفها لترويج المنتوج (المنتج) التونسي، وجعل التمثيليات الدبلوماسية في خدمة الاقتصاد التونسي".
وختم بأن "رئيس الجمهورية يجب أن يفكر مع الفاعلين السياسيين والحكومة وكافة الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين في كيفية تخفيض العجز".