أصبحوا أيتاماً بعد التهام الحرائق لأرضهم الأم.. السكان الأصليون في البرازيل يستعدون لمستقبل أشد ظلاماً

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/09/01 الساعة 12:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/01 الساعة 12:14 بتوقيت غرينتش

يتحول لون السماء في حديقة كامبوس أمازونيكوس إلى البرتقالي؛ إيذاناً بحلول الغسق. إنه الوقت الذي يغيب فيه وهج الشمس الحارقة، وعندها بإمكان رجال الإطفاء الاقتراب من ألسنة اللهب التي تشق طريقها عبر حشائش السافانا التي جفَّت من الحرارة.

وبالنسبة لهذه الفرقة الصغيرة من رجال الإطفاء، لا توجد معهم طائرات شحن ضخمة بها أطنان من المياه، ولا مروحيات لرش المياه. بعض المعاول فقط، والجَهد، ومنفاخ تربو لدفع الأوراق يستخدمونها لإخماد الحريق، إلى جانب انتقالات طويلة ووعرة ومؤلمة في سيارات جيب عتيقة ودراجات رباعية، عبر الغبار والرماد.

إنه تحدٍّ مساوٍ للمخاطر العالمية المعقدة. معظم غابات الأمازون تتكون من الأشجار العالية الظليلة، لكن جزءاً منها مثل الحديقة الوطنية كامبوس أمازونيكوس، عبارة عن سافانا، حيث تؤجج الرياح القوية النيران. تنتشر الحرائق بطاقتها كاملةً وبوتيرة ثابتة عبر مساحات الرعي الشاسعة.

تغطي فرقة مكافحة الحرائق الصغيرة المكونة من عشرات من رجال الإطفاء، ومقرها مبنى من طابقين على بُعد 3 ساعات بالسيارة من أقرب قرية، مساحة ضخمة تَحوَّل فيها الأخضر إلى رماد بمعدل مرعب في الأيام الماضية.

السكان الأصليون أيتام بعد حريق "الأرض الأم"

وبجوار رجال الإطفاء هناك جيران متعاونون لكنهم قلقون، إنهم سكان قبيلة تنهاريم الأصليون. كان التنهاريم يطلقون على هذه المنطقة اسم "الأم" منذ عقود، لكن الخوف من الجحيم الذي استعر هذا العام وانتشار إزالة الغابات في أنحاء الأمازون قد يجعلانهم قريباً أيتاماً بعيداً عن منطقتهم "الأم".

إنها الأرض التي يعيشون عليها ويُعرفون بها. لكن مارسيو تنهاريم، رئيس اتحادهم، ينظر إلى ألسنة اللهب التي يكافحها الرجال بكل طاقتهم، ويعرف أن عالَمه الرقيق يتغير. يقول مارسيو لشبكة CNN الأمريكية: "سوف يعيش الجيل القادم مستقبلاً أشد ظلاماً"، مضيفاً: "منذ أن تولى هذا الرئيس السلطة وهذه الأمور تحدث بمعدل أكبر".

إنه يقصد الرئيس جايير بولسونارو، المنتقَد عالمياً بسبب نهجه المستغل في التعامل مع الأمازون وردود فعله المتباينة في أثناء اندلاع النيران هذا العام. يقول تنهاريم إن الحرائق تزداد كل عام في منطقتهم التي تبلغ مساحتها 900 ألف كيلومتر مربع، والتي يقولون إن قبيلتهم التي يصل تعدادها إلى نحو ألف شخص، يمتلكها قانونياً. ويقولون إنها وصلت إلى 93 حريقاً في العام الماضي، بزيادةٍ مقدارها الثلث على العام السابق. إنهم لا يعرفون مقدار الحرائق التي ضربت منطقتهم هذا العام ببساطة.

لطالما أراد العالم الخارجي جزءاً من جنتهم

يلمع غطاء رأس تنهاريم التقليدي وسط هذا الجحيم البرتقالي، وهو ينظر باستسلام وبلا تعابير تجاه اللهب المتصاعد ويقول: "من المحزن أن نرى ما كنا نحافظ عليه (في هذا الوضع)".

وأضاف: "أربعة أيام من الحرائق في أرض محمية كان يمكنك أن تتنفس فيها هواءً نظيفاً. والآن نتنفس الدخان".

يسهم التنهاريم بعشرة رجال في مناوبات بفرقة مكافحة الحريق، من مجموعة مكونة من 23 شخصاً خُصصت لتلك المهمة. يوجد في وسط عالمهم تجمُّع من الأكواخ، حيث تصدح موسيقى البوب الحديثة والصاخبة على نحو غير طبيعي. هذا المكان منفصل عن رجال الأعمال الهائجين في عواصم البرازيل الذين قد يستثمرون بسعادة في الغابة. لكن طالما أراد العالم الخارجي جزءاً من جنتهم.

يقسم أرضهم طريق 230 السريع، الذي يشق غابات الأمازون، والذي بنته القوات المسلحة في عام 1972.

ويقولون إنه جلب الأمراض بعد ذلك، وتسبب في احتجاج شديد. والآن يعج الطريق بغبار الشاحنات الضخمة التي تنفّس عادمها في أثناء مرورها بالماشية، وجذوع الأشجار الملقاة. تصطف على جانبي الطريق السريع لافتات عن مدى سرعة تجريد العالم الخارجي للأمازون من ثرواته. أُزيلت الغابات من أجل المساعدة في نمو الصويا، ولإطعام الصين ولخلق مراعٍ للماشية لترعى فيها. فشهية العالم للحم البقري تزيد من معدل التدمير، بمعدل ملعب ونصف الملعب من ملاعب كرة القدم في الدقيقة الواحدة، وهذا وفقاً لما نشره المعهد القومي لأبحاث الفضاء بالبرازيل.

الحرائق بفعل فاعل

يوجد سؤال مُلحٌّ، وهو: كيف بدأت النيران. وافق معظم رجال الشرطة، والمسؤولين، والمحققين، ورجال الإطفاء الذين تحدثت معهم شبكة CNN الأمريكية طوال الأسبوع الماضي، على أن عدداً كبيراً من الحرائق بدأ على أيدي أشخاص يريدون إخلاء المنطقة لاستغلالها بعد ذلك. أشار الرئيس بولسونارو إلى أن جزءاً من الزيادة في عدد الحرائق، البالغة نسبتها 85% في أنحاء البرازيل هذا العام، يمكن أن يكون طبيعياً، لكن هناك بعض الخبراء اعترضوا على هذه الفكرة، وقالوا إن كثيراً منها كان بفعل فاعل.

لكن دانيال بوتني ألفيس، الباحث في حرائق غابات السافانا المدارية بجامعة ولاية ساو باولو، قال إنه في سهول السافانا الجافة، تحدث الحرائق الطبيعية على نحو معتاد أكثر، وأحياناً ما يكون هذا بسبب البرق.

وتابع: "معظم الحرائق في غابات السكان الأصليين تكون بفعل فاعل، وتكون هذه الحرائق هي الأكبر"، مضيفاً : "لقد شهدنا زيادة في إزالة الغابات مدة 5 أو 6 أشهر، والحرائق ما هي إلا نتيجة لهذا". وقال أيضاً إنه مع مرور هذا العام، عندما ينتهي الفصل الجاف، قد يحدث مزيد من الحرائق، عندما تُشعَل الحرائق لإخلاء المراعي لتنمو من جديد في الموسم المطير.

لكن مارسيو تنهاريم ما زال متمسكاً بالأمل، لأن من دونه، لن يتبقى سوى الرماد. وعند سؤاله عن مستقبل أبنائه في هذه المنطقة قال: "على الأغلب سوف يكون لديهم وقت، إنها ليست النهاية. ولن يصير الأمر مثلما كان من قبل".

تحميل المزيد