غابات الأمازون ليست رئة الأرض التي تمدنا بأكثر من 20% من احتياجنا من الأوكسجين فحسب، بل هي أيضاً الحاضن لما يقارب 3 ملايين نوع من النباتات والحيوانات، وتحمل ضمن أضلعها نهر الأمازون ثاني أكبر أنهار العالم، لذا لكم أن تتخيلوا الآثار الكارثية التي قد تنتج عن حرائق غابات الأمازون.
حرائق غابات الأمازون
منذ بداية أغسطس/آب 2019، تعرضت غابات الأمازون لحوالي 9000 حريق هائج انتشر عبر مساحات شاسعة من الغابات في بوليفيا وباراغواي وبيرو.
ووفقاً للمعهد الوطني البرازيلي لأبحاث الفضاء (INPE) بلغت شدة هذه الحرائق إلى درجة أنه كان من السهل التقاط صور لها من الفضاء الخارجي.
فما هو تأثير تلك الحرائق على الكائنات الحية الموجودة في الأمازون وعلى مناخ الكرة الأرضية بشكل عام؟
الحرائق مهمة لدعم التنوع الحيوي، لكن ليس في الأمازون
لطالما كان لحرائق الغابات دور بيئي مهم في الطبيعة، فمن خلالها تتم إزالة الأخشاب الميتة وأوراق الأشجار المتحللة، وبالتالي توفير مساحة ومواد مغذية للأشجار والنباتات الجديدة.
أيضاً، في بعض الغابات قد تدعم الحرائق التنوع الحيوي، ففي غابات الولايات المتحدة مثلاً يعيش نقار الخشب الأسود فقط في الأشجار المحترقة ويأكل الخنافس التي تغزو الخشب المحروق.
وفي أستراليا تموت أشجار الأوكالبتوس إن لم تتعرض الغابة لحرائق بين الحين والآخر.
لكن وضع الأمازون مختلف تماماً، فالغابات المطيرة عموماً متنوعة حيوياً وغنية بأنواع مختلفة من الكائنات لأنها لا تحترق، وإن نشبت فيها حرائق ستكون صغيرة سرعان ما تطفئها الأمطار.
والعلماء متفقون على أن نظام الحياة في الأمازون غير مهيأ بتاتاً لاستقبال النيران.
ما هو مصير الكائنات الحية في الأمازون؟
يقول مازيكا سوليفان، الأستاذ المساعد في كلية البيئة والموارد الطبيعية بجامعة ولاية أوهايو، إن حيوانات الأمازون ستتأثر بشكل بعيد المدى بهذه الحرائق إلى جانب تأثرها المباشر.
فإلى جانب العديد من الحيوانات التي هلكت بفعل النيران أو استنشاق الدخان أو ببساطة لفقدانهم المأوى والطعام، هناك بعض الأنواع المهددة بالانقراض، إذ يقتصر وجودها على الأمازون فقط.
فعلى سبيل المثال، قرد Milton's titi لا يوجد منه إلا أعداد محدودة في جزء من البرازيل جنوب الأمازون وهو الجزء المعرض للنيران حالياً.
حتى الكائنات المائية لم تسلم من هذه الحرائق، فالنيران تشتعل أيضاً في المسطحات المائية الصغيرة معرضة البرمائيات الموجودة هناك للهلاك.
كما أن هذه الحرائق تؤثر سلباً على نوعية المياه مما يجعلها غير صالحة لاستقبال الكائنات الحية على المدى الطويل.
هذا عدا أن سحب الدخان التي تحجب نور الشمس عن الغابة ستشكل خللاً في النظم البيئية لها.
يقول سوليفان إن المستفيد الوحيد من هذه الحرائق هم الحيوانات المفترسة فالمناطق الجرداء والمكشوفة تجعل عملية الصيد أسهل بالنسبة لهم، لكن هذا بدوره سيخل بالنظام البيئي للغابة أيضاً.
حتى الطب سيتأثر أيضاً
إلى جانب قضاء هذه الحرائق على النظم الإيكولوجية المعقدة الموجودة في غابات الأمازون، وتدمير أنواع بأكملها، فهي ستؤثر على الطب أيضاً.
فحوالي 25 ٪ من الأدوية التي نستخدمها في الطب الحديث مستمدة من النباتات في الأمازون.
ومع ذلك، فقد تم بالفعل دراسة أقل من 5 ٪ من النباتات في الأمازون من قبل العلماء، وهذا يعني أنه مع حرق الأمازون، سيتم القضاء على إمكانات طبية هائلة غير مكتشفة لحد الآن.
تأثير حرائق الأمازون على المناخ
تقوم الأشجار بشكل عام بأداء دور حيوي لإنعاش المناخ، فهي تمنحنا غاز الأكسجين الذي نتنفسه، وتمتص ملايين الأطنان من انبعاثات الكربون الضارة كل عام.
وبالتالي فمن البديهي أن حرق الغابات سيحرمنا من هذا الأكسجين وسيزيد من نسبة الكربون في الغلاف الجوي، لكن ماذا يعني هذا؟
يعني ذلك أن الكثير من الكربون سينتشر في الغلاف الجوي، مع العلم أن غازات الكربون هي من الغازات الدفيئة التي تساهم في زيادة الاحتباس الحراري الذي وصل إلى حد خطير فعلاً حتى قبل احتراق غابات شاسعة المساحة مثل الأمازون.
هذا بالإضافة إلى أن الحرائق ستلوث أميالاً من الهواء المحيط بها، مؤدية إلى مشاكل صحية خطيرة سيتعرض لها السكان المحليون للمنطقة، لا سيما أن الحرائق تولد غاز أول أكسيد الكربون الذي يصنف على أنه غاز سام.
التربة والمياه
من النتائج السلبية أيضاً لتلك الحرائق هو استخدام المياه في إطفائها، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المياه هي مورد ثمين يجب الحرص على عدم إهداره.
فعندما نتحدث عن غابات الأمازون مثلاً، فنحن نتحدث عن أرض تبلغ مساحتها 5.5 مليون كيلو متر مربع، انتشرت فيها حرائق هائلة تم إحصاء 9000 منها، فكم من المياه تحتاج تلك الحرائق لإخمادها؟
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نأخذ بالحسبان مشكلة تآكل التربة الناجم عن الكميات الهائلة من المياه اللازمة لإخماد الحرائق، حيث يؤثر ذلك بشكل كبير على الأراضي التي سبق وتضررت بالفعل بسبب الحرائق.
فاحتراق التربة ثم تآكلها بفعل المياه سيضعف من خصوبتها بشكل مأساوي.
على من يقع اللوم؟
عند حدوث مثل هذه الحرائق غالباً ما يلقى باللوم على الطبيعة وتتهم بأنها تأكل نفسها، لكن الواقع يقول عكس ذلك.
حيث أن 10 حتى 15 ٪ فقط من حرائق الغابات حول العالم بدأت لأسباب طبيعية، مما يجعل البشر مسؤولين عن 85-90 ٪ من الحرائق الأخرى
وهناك اتهامات موجهة لحكومة البرازيل لعدم سنها قوانين صارمة للحفاظ على ثروة بيئية ضخمة مثل غابات الأمازون.
فلطالما تعرضت الأمازون إلى تجاوزات منها قطع الأخشاب في مساحات واسعة من الغابة، إما للاستفادة منها بشكل خاص أو لاستخدام الأراضي في زراعة فول الصويا أو تربية المواشي التي تدر الكثير من المال على أصحابها.
وهنالك أصوات في البرازيل تقول إن الحرائق كانت مفتعلة لتمشيط الأراضي وجعلها صالحة للاستخدام كأراض زراعية أو مراعي.