يتفاءل المسلمون بماء زمزم ويتباركون به، بل يعتبرونه فألاً حسناً لما له من بعد ديني وروحاني، خصوصاً في موسم الحج.
يبعد بئر زمزم عن الكعبة المشرفة حوالي 20 متراً ويتجاوز عمقه 30 متراً.
ولماء زمزم بركة عظيمة، ففي الثانية الواحدة يضخ ما يقارب أحد عشر إلى تسعة عشر لتراً.
ما هو تاريخ بئر ماء زمزم؟
تقول الرواية الدينية إن هذه المياه انبثقت في واد خال من جميع مظاهر الحياة، حين كانت السيدة هاجر (زوجة نبي الله إبراهيم) وابنها الرضيع وحيدين في الصحراء ونفذ الماء الذي معهما بعد أن تركها زوجها بأمر من عند الله.
وتضيف الرواية أن السيدة هاجر كانت تحوط على المياه وتقول: "زمى زمى"؛ ومن هنا أطلق على المياه لقب "مياه زمزم"، وأصبح هذا الماء سقياً لحجاج بيت الله وللناس أجمعين.
كيف لم تنفذ طوال تلك السنوات؟
بالنسبة للتفسير العلمي للظاهرة، يقول الدكتور عباس شراقى أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بمعهد البحوث الإفريقية إن "عدم النضوب في علم الجيولوجيا يعني أنها مياه متجددة، والمياه الجوفية تنقسم لنوعين، النوع الأول هو المياه المتجددة والتي ينتمي لها بئر زمزم والنوع الثاني هو المياه غير المتجددة".
وأضاف شراقي: "لدينا في مصر بالصحراء الغربية خزان الحجر الرملي النوبي المتواجد بالواحات، لكنه يعد مياهاً غير متجددة، أي أنها سقطت منذ آلاف السنوات ولم تتجدد".
وتابع شراقي حديثه: "كما قلت مياه زمزم من النوع المتجدد، ومصدر المياه هو الأمطار التى تسقط فى منطقة مكة المكرمة. ومكة عبارة عن منطقة جبلية، وبها أودية منها وادي إبراهيم الذي يتواجد به بئر زمزم، والذي يصب في منطقة منخفضة".
ويضيف: "ظهرت به المياه على هيئة عين، وذلك عندما وصل منسوب المياه الجوفية إلى سطح الأرض عند قدم سيدنا إسماعيل، وباقي التفاصيل الأخرى بحسب الرواية الدينية".
وعن الشق العلمي، يقول أستاذ الجيولوجيا: "في منطقة زمزم يوجد 14 متراً عبارة عن ترسبات نهرية ناتجة عن سقوط مياه الأمطار على الجبال، ومن ثم يسقط الفتات على المناطق المنخفضة ويتحول لرواسب".
تسبب حدوث تلك العملية على مدار ملايين السنوات لتشكيل طبقة عمقها 14 متراً في نطاق زمزم، وفي أسفلها صخور نارية مصمتة لكن بما أنها صلبة فهي متشققة.
ويستكمل شراقي توضيحه بأن المياه كانت تتخلل هذه الطبقة وتنزل أسفل الصخور ثم تتجمع على هيئة عين مياه".
وقال إن البئر أصبح على عمق حوالي 35 متراً، أي 14 متراً من الرواسب ثم 21 متراً داخل الصخور".
ويضيف شراقي: "لأن الصخور قوية وصلبة، فإن التشققات على حسب وسعها تمتلىء بالمياه، ومع سقوط الأمطار وتخزينها باستمرار يحدث تجديد المياه بالخزان".
فوائد ماء زمزم
من الحقائق الغذائية لمياه زمزم هي أنها تزيد الطاقة في خلايا جسم الإنسان ولذلك فهي تروي الحجاج المنهكين.
بالفعل، اختبر الباحث الألماني الدكتور "كنوت فايفر" -رئيس أكبر مركز علاجي في ميونيخ- مياه زمزم، وأكد أنها تضاعف مستويات الحيوية والنشاط في خلايا الجسم.
وقال إنها مياه نقية للغاية، وذلك لما تحتويه من البيكربونات (٣٦٦ مغم/لتر)، والتي تزيد عن نسبتها في مياه جبال الألب الفرنسية (بيكربونات-٣٥٧مغم/لتر).
بدوره أكد مستشار مكتب الزمازمة الموحد والباحث المختص في مياه زمزم المهندس يحيى كوشك أن حفظ مياه زمزم في أوانٍ لا تتفاعل مع المياه وعدم تعريضها للشمس يحفظ مكوناتها لمدة طويلة قد تصل لسنوات.
كما أكد أن كرستالة زمزم تختلف عن بقية مياه العالم، مشيراً إلى أن عمليات التعقيم لا تؤثر على خصائصه وتركيبته الأصلية.
ولفت كوشك إلى أن عالماً يابانياً أثبت هذا الأمر من خلال وضع نقطة من مياه زمزم في وعاء به 100 نقطة من المياه العادية فوجد أن الماء العادي اكتسب مكونات زمزم.
غنية بالكالسيوم والماغنسيوم
أجريت العديد من التحاليل الكيميائية لمعرفة تركيب ماء زمزم، ووجد أنها تحتوي على تركيزات عالية من الكالسيوم والماغنسيوم والمعادن الأخرى، ما يعني أنها مياه غنية بالأملاح المعدنية.
وبينما تحتوي المياه الأخرى ما بين 130 -160ملغ/ لتر من الأملاح المعدنية، يبلغ مجموع الأملاح المعدنية في ماء زمزم يبلغ 2000 ملغ / لتر؛ ولهذا السبب فهي تنعش الحجاج وتزيد من قدرتهم على التحمل.
كما تحتوي على مركبات الفلور التي تعمل على إبادة الجراثيم، أي لا تحتاج إلى إضافة مادة الكلور للتعقيم، كونها معقمة في الأصل.
لها خواص علاجية
في السياق نفسه، كشفت دراسة يابانية أشرف عليها باحثون من جامعة طوكيو وبعض الجامعات الأخرى، ونشرت فى عام 2013 بالمجلة العلمية " International Journal of Food Properties" أن التجارب التي أجريت على الإنسان والنباتات والحيوان أثبتت أن ماء زمزم له فوائد صحية في محاربة الكثير من الأمراض الضارة والحد من نمو الخلايا السرطانية.
إذ تحتوي مياه زمزم على عاملي نخر الورم "TNF" والإنترلوكين "IL1" المرتبطين بمحاربة الأورام.
وأضاف الباحثون أن مياه زمزم تساهم أيضاً فى الوقاية من تسوس الأسنان، نظراً لأنها تحتوي على قدر كبير من الفلورايد.
وأكدت الدراسة أيضاً أنها تساهم في تعزيز الخصوبة لدى السيدات، وتحفز إفراز هرمون البرولاكتين (وهو الهرمون الذي يحفز الرضاعة)، وتعزز بطانة الرحم.
وفي عام 2012، كشفت دراسة طبية حديثة أشرف عليها باحثون من معهد علوم الأرض بجامعة هايدلبرج الألمانية، والتي تعد من أفضل 50 جامعة على مستوى العالم، أن ماء زمزم يختلف تماماً عن أنواع المياه المختلفة وله خواص فريدة.
وتوصل الباحثون إلى هذه النتائج بعد تجميع 30 عينة من ماء زمزم، بواقع 10 عينات من بعض الحجيج الألمان في عام 2007، و10 عينات من بعض المحال في فرانكفورت وبرلين في عام 2011، و10 عينات أخرى من مدينة مكة، وتم فحص جميع العينات لمدة أسبوعين.
وكشفت الدراسة أن جودة وطبيعة مياه زمزم لم تتغير لمدة عامين كاملين، والغريب أن النتائج كانت متطابقة بين جميع العينات.
وفسر الباحثون أن الفوائد العلاجية لمياه زمزم، ترجع إلى خواصها القلوية، حيث يبلغ درجة الأس الهيدروجينى لها "pH" 8، بينما تتراوح في المياه الأخرى بين 6.5 و 7.5. هذا فضلاً عن احتوائها على تركيزات قليلة من عنصر الليثيوم والزرنيخ.