نشر موقع Middle East Eye البريطاني، اليوم الإثنين 5 أغسطس/آب 2019، تقريراً تحدث فيه عن "خطة استراتيجية" بدأت المملكة العربية السعودية بتطبيقها لمواجهة الحكومة التركية وإضعافها.
وقال رئيس تحرير الموقع البريطاني ديفيد هيرست، إن هذه الخطة جاءت بعدما قرر ولي العهد محمد بن سلمان بأنه كان "صبوراً للغاية" مع الرئيس رجب طيب أردوغان، في أعقاب مقتل الصحفي السعودي البارز، جمال خاشقجي، الذي تمت تصفيته في القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول.
ووردت تفاصيل الخطة في تقريرٍ، بُنِيَ على معلوماتٍ استخباراتية مفتوحة ومغلقة المصدر، أعدَّته حليفة المملكة، الإمارات العربية المتحدة.
وهذا التقرير الاستخباراتي هو واحدٌ من سلسلةٍ شهرية يكتبها "مركز الإمارات للسياسات"، وهو مركز دراسات له علاقةٌ وثيقة بالحكومة الإماراتية والأجهزة الأمنية.
وحمل التقرير عنوان "التقرير الشهري عن المملكة العربية السعودية، العدد الـ24، مايو/أيار 2019″، وهو تقريرٌ محدود التداول ومُخصَّص للقيادة الإماراتية العليا فقط.
ولم يظهر التقرير على الموقع الإلكتروني لمركز الدراسات، لكن موقع Middle East Eye البريطاني حصل على نسخةٍ منه.
وكشف التقرير عن الأوامر التي صدرت داخل الرياض خلال شهر مايو/أيار، والتي نصَّت على تنفيذ خطةٍ استراتيجية لمواجهة الحكومة التركية.
وتهدف الخطة إلى استخدام "كافة الأدوات الممكنة للضغط على حكومة إردوغان، وإضعافه، وإبقائه مُنشغلاً بالقضايا المحلية أملاً في أن تُسقِطه المعارضة. أو إشغاله بمواجهة أزمةٍ تلو الأخرى، ودفعه إلى الانزلاق لارتكاب الأخطاء التي لا شكَّ أن وسائل الإعلام ستُركِّز عليها بكل تأكيد".
وتواصل موقع Middle East Eye مع "مركز الإمارات للسياسات" من أجل الحصول على تعليق، لكنَّه لم يحصل على ردٍ في وقت نشر المقال.
تقييد النفوذ
وتسعى الرياض إلى تقييد نفوذ إردوغان وتركيا على المستوى الإقليمي، إذ ذكر التقرير أنَّ "المملكة ستبدأ في استهداف الاقتصاد التركي، والضغط من أجل إنهاء الاستثمار السعودي داخل تركيا تدريجياً، وتقليص أعداد السياح السعوديين الذين يزورون تركيا مع توفير وجهاتٍ بديلةٍ لهم، وخفض الاستيراد السعودي للمنتجات التركية، والأهم هو تقليل الدور الإقليمي التركي في الشؤون الإسلامية" .
وأفاد التقرير بأنَّ محمد بن سلمان، اتَّخذ قرار مواجهة تركيا في أعقاب اغتيال خاشقجي على يد فريقٍ من العملاء السعوديين داخل قنصلية بلادهم في إسطنبول.
وأثار مقتل الصحفي السعودي، الذي كان يكتب أعمدةً في صحيفة Washington Post وموقع Middle East Eye، موجةَ غضبٍ عالمية، كان السبب الأكبر فيها هو إصرار تركيا على أن تُوفِّر الرياض المُساءلة والشفافية فيما يتعلَّق بالقضية.
وأضاف التقرير الاستخباراتي أن: "الرئيس إردوغان … تجاوز حدوده للغاية خلال حملته لتشويه سمعة المملكة، وتحديداً شخص ولي العهد، باستخدامه أكثر الطرق توبيخاً في قضية خاشقجي"، وفق تعبيره.
ويزعم "مركز الإمارات للسياسات" في الوثيقة، أنَّ تركيا لم تُقدِّم معلومات "واضحة وصريحة" لمساعدة التحقيق السعودي في الجريمة، لكنَّها -بدلاً من ذلك- سرَّبت إلى وسائل الإعلام "المعلومات المضللة، الرامية إلى تشويه صورة المملكة، ومحاولة تدمير سمعة ولي العهد" .
مسؤولية ولي العهد بقضية الخاشقجي
وخلصت الرياض إلى أنَّ أردوغان فشل في محاولته تسييس وتدويل القضية، بحسب التقرير، وأنَّ الوقت قد حان لشنِّ معركة الانتقام.
وقد قَبِلَت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وعدد من أبرز نُوَّاب الكونغرس الأمريكي، تقييم الاستخبارات التركية حول مقتل خاشقجي.
وخلصت وكالة الاستخبارات المركزية أيضاً إلى أنَّ محمد بن سلمان أقرَّ بموافقته المؤكَّدة تقريباً على العملية، وهو التقييم المبني على استخباراتها الخاصة كذلك.
ونقلت صحيفة Washington Post عن مسؤولٍ أمريكي، مُطَّلعٍ على ما خلصت إليه وكالة الاستخبارات المركزية، قوله: "الموقف المقبول هو أنَّه من المستحيل أن تكون العملية قد حدثت دون علمه أو مشاركته" .
ومنذ ذلك الحين، نُشِرَ تقريرٌ أعدَّته أنييس كالامار، مُحققة الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان، وسردت فيه بالتفصيل حجم الصعوبات التي واجهتها السلطات التركية أثناء التحقيق في الجريمة، ومحاولتها دخول مبنى القنصلية ومنزل القنصل العام.
وخلصت أنييس بشكلٍ مُستقل إلى أنَّ ولي العهد هو من أمر بقتل خاشقجي.
تنفيذ الخطة السعودية
وظهرت أولى معالم الحملة، المُفصَّلة في الوثيقة الإماراتية، في العلن الأسبوع الماضي. إذ منعت السلطات السعودية دخول 80 شاحنةً تركية، تحمل منتجات نسيجية ومواد كيميائية، إلى أراضي المملكة عبر ميناء ضباء.
واحتُجِزَت 300 حاوية تحوي الفواكه والخضراوات التركية داخل ميناء جدة، بحسب مسؤولٍ تركي تحدَّث إلى موقع Middle East Eye، بشرط عدم الكشف عن هويته.
وانخفض عدد السياح السعوديين الذين يزورون تركيا بنسبة 15% (من 276 ألفاً إلى 234 ألفاً) في الأشهر الستة الأولى من عام 2019، بحسب البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة السياحة التركية.
وتمتلك السعودية استثمارات مباشرة داخل تركيا بقيمة اثنين مليار دولار تقريباً، بحسب بيانات وزارة الخارجية التركية لعام 2018.
وفي ذلك العام، بلغت قيمة الصادرات التركية إلى السعودية قرابة الـ2.64 مليار دولار، في حين بلغت قيمة الواردات من المملكة قرابة الـ2.32 مليار دولار.
العلاقات الدبلوماسية
وقال التقرير الإماراتي إنَّه "في مؤشِّرٍ على أنَّ القيادة السعودية قطعت علاقتها مع أردوغان وبدأت التعامل معه بوصفه عدواً"، وافق الملك سلمان "دون تردُّد" على توصيةٍ من لجنةٍ استشارية، بعدم إرسال دعوةٍ رسمية إلى أردوغان لحضور قمة "منظمة التعاون الإسلامي" المهمة في مكة.
وأُضيف اسم الرئيس التركي إلى قائمة الأسماء المُستبعدة من القمة، بجانب رئيس النظام في سوريا بشار الأسد، والرئيس الإيراني حسن روحاني، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
وفي النهاية، قرَّر الملك سلمان أن يسمح للأمير القطري بحضور قمة مكة، رغم أنَّ دعوة أردوغان ظلَّت غير مُحتملة.
وتُدرِك الحكومة التركية مُحاولات ولي العهد لقطع العلاقات، وتُحاول التصدِّي لها عن طريق البقاء على تواصلٍ مُباشر مع والده الملك سلمان.
إذ قال مسؤولٌ تركيٌّ بارز، تحدَّث دون الإفصاح عن هويته، إنَّه ليس من المفاجئ أن نجد استراتيجيةً سعودية تسعى إلى عقاب تركيا على موقفها من قضية خاشقجي.
وأوضح المسؤول في تصريحه لموقع Middle East Eye: "نحن نُدرك ما يفعلونه. الأمر شبه علني، لدرجة أنَّه يُمكنك رؤية أنشطتهم على الشبكات الاجتماعية المدعومة من السعودية، ووسائل الإعلام الحكومية السعودية"، مُوضِّحاً أنَّهم دعوا علناً إلى مقاطعة تركيا. وتابع: "انخفضت أعداد السائحين الوافدين، فيما نُواجه مُشكلاتٍ تتعلَّق بالصادرات التركية. ونحن نُراقب الوضع عن كثب" .
لكنَّ المسؤول التركي أضاف أنَّ أنقرة لا تعتقد أنَّ موقف المواطنين السعوديين تغيَّر تُجاه تركيا، رغم جهود الحكومة في الرياض. وأردف: "لا تزال إسطنبول، مثلاً، مليئةً بالسُيَّاح السعوديين. ويجب على المسؤولين السعوديين أن يُراجعوا استطلاع الآراء الذي أجرته شبكة BBC حول شعبية أردوغان في الشرق الأوسط. وحينها سيُدركون أنَّهم فشلوا" .
واتَّصل أردوغان بالملك هاتفياً، يوم الخميس الماضي، للحديث عن مُشكلة الصادرات التركية المُحتجزة في الموانئ السعودية.
وقال مسؤولٌ تركي آخر، تحدَّث أيضاً شرط عدم الإفصاح عن هويته، إنَّ محادثة أردوغان الهاتفية مع الملك السعودي كانت وديةً، وركَّزت على التطوُّرات الإقليمية، مثل القضية السورية والفلسطينية.
وأضاف المسؤول، الذي عَلِمَ بتفاصيل الاتصال، أنَّ الملك كان شفافاً وداعماً للمخاوف التركية بشأن سوريا.
وفي المحادثة نفسها، وجَّه أردوغان دعوةً إلى الملك سلمان وعائلته -بمن فيهم ولي العهد- لزيارة تركيا.