هل زار الإعلامي والناشط السعودي محمد سعود إسرائيل بشكل تطوعي أم بناء على توجيه من الدولة السعودية، "عربي بوست" وصلت إليه معلومات حول من يقف وراء زيارة الناشط السعودي لإسرائيل المثيرة للجدل والمشروع الكبير الذي ينظم سراً بهدف تغيير الموقف الشعبي العربي من التطبيع.
في هذا التقرير نرصد من هو محمد سعود، ولحساب من يعمل، وما الدوافع التي كانت وراء زيارته الأخيرة لإسرائيل وللمسجد الأقصى.
وبحسب المعلن، فإنّ الناشط السعودي وصل ضمن وفد يضم ستة إعلاميين من دول عربية بدعوة من وزارة الخارجية الإسرائيلية، وتضمن برنامج الوفد زيارة متحف تخليد ذكرى المحرقة (الهولوكوست)، والكنيست الإسرائيلي، وأماكن مقدسة في القدس المحتلة، كما عقد اجتماعات مع أعضاء بالكنيست وعدد من الدبلوماسيين.
ولكن زيارة محمد سعود اكتسبت أهمية خاصة بعد أن زار المسجد الأقصى، بعد أن واجه غضب المصلين الفلسطينيين، الذين طالبوه بالخروج، باعتبار أن زيارته تمثل بداية لموجة تطبيع خليجي.
من هو محمد سعود العاشق لإسرائيل؟
محمد سعود، البالغ من العمر 29 عاماً، وهو طالب في كلية الحقوق بقسم القانون في جامعة الملك عبدالعزيز، يقول إنه يتمنى وجود علاقات دبلوماسية بين بلده السعودية وإسرائيل، حيث اكتشف حبه لإسرائيل خلال دراسته في جامعة ولاية ميسوري بأمريكا.
وقال في سياق ذلك: "لقد تعلمت أيضاً أنّ إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تسمح للناس بالعيش بِحُرية، وأنّ عديداً من الأشياء التي اعتقدت أنني أعرفها عن القضية الفلسطينية لم تكن صحيحة".
ولا يكفُّ سعود عبر حسابه على تويتر المليء بالعبرية، عن إعلان حبه واعتزازه الدائم بإسرائيل، فيردد مثلاً: "ليحفظ الله إسرائيل"، "كم أحب هذا البلد!"، وفي مقابلة إذاعية قال: "نحب إسرائيل، نحن نحب اليهود، فمهما كانت الفروقات السياسية لن تفرقنا، ونتمنى أن نصنع السلام معاً، ونبني جسراً من السلام قريباً".
موقف السعودية من الزيارة.. هل أسقطت عنه الجنسية؟
تضاربت المعلومات بشأن موقف السعودية الرسمي من الزيارة، التي شهدت تعرُّضه للسباب.
ولم تعلق المملكة العربية السعودية رسمياً على تقارير زيارة الإعلامي السعودي محمد سعود إلى إسرائيل.
وأفاد الإعلامي الإسرائيلي شمعون أران بأن العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، أمر بسحب الجنسية من السعودي محمد سعود الذي زار إسرائيل مؤخراً، لكنه نفى الخبر لاحقاً.
ونشر في البداية المحلل السياسي بهيئة البث الإسرائيلي، على حسابه عبر "تويتر"، خبراً عاجلاً، مفاده أن "الملك سلمان أصدر توجيهات إلى وزارة الداخلية بسحب الجنسية من الإعلامي السعودي محمد سعود؛ على خلفية زيارته لإسرائيل، مخالفاً القيم والأخلاق، وخروجاً عن الصف العربي الخليجي، داعياً للتطبيع مع إسرائيل".
وفي وقت لاحق، نشر أران خبراً، قال إنه نقلاً عن وكالة أنباء "عمون"، نفى فيه مصدرٌ سعوديٌّ النبأ جملة وتفصيلاً، وأكد أنه عارٍ عن الصحة.
من يقف وراء زيارة الناشط السعودي لإسرائيل؟.. إنه يعمل ضمن فريق أمني
المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" استناداً إلى مصادر مطلعة، تفيد بأنّ محمد سعود يعمل ضمن فريق أمني يشرف عليه الأكاديمي أنور عشقي، وهو ضابط استخبارات ولواء متقاعد من القوات المسلحة السعودية، وكان مستشاراً للأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود.
ويعتبر "عشقي" عراب التطبيع مع إسرائيل داخل السعودية، بسبب ارتباطاته الخارجية مع منظمات صهيونية، ويعمل مع "عشقي" في الإشراف على الفريق الإعلامي تركي الدخيل.
ففي ظل التوجهات السعودية الجديدة بقيادة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تعمل الرياض على إيجاد شخصيات ومجموعات، هدفها التمهيد للتطبيع مع إسرائيل، على أن تحتفظ الدولة السعودية بمسافة من هذه الجهود.
ويتقاضى هؤلاء رواتب شهرية ويعملون موظفين بمركز اعتدال وفي "المركز الوطني للأمن السيبراني"، وبمراكز الدراسات المختلفة الرسمية، حسبما قالت المصادر.
وليس محمد سعود هو الشخصية الوحيدة، فهناك أكثر من 150 متخصصاً يعملون جنباً إلى جنب بعضهم مع بعض في الترويج والتبشير بالعلاقات مع إسرائيل، من خلال التركيز على العزف على وتر أن التطبيع مع إسرائيل ضرورة لمواجهة المشروع الإيراني في المنطقة.
ويأتي هذا الفريق ضمن مجموعات تضم كوادر ومجموعات أمنية خاصة تتبع الديوان الملكي والتي تمّ استحداثها بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، لشن حملات إلكترونية مؤيدة لوجهات نظر الدولة السعودية.
مهمة الفريق الترويج للعلاقات والتطبيع مع إسرائيل
الناشط السعودي محمد سعود يقضي كبقية أعضاء الفريق، يومياً، ما لا يقل عن 5 ساعات ضمن مشروع يدعم التواصل مع عرب، خاصةً الفلسطينيين، يتم انتقاؤهم بعناية، لإقناعهم بأهمية العلاقات مع إسرائيل وضرورة الترويج لذلك.
وهذه المجموعات دورها هو الدعوة إلى التطبيع الصريح بناء العلاقات مع إسرائيل، بل حتى التفاخر بذلك، فهو من المجموعات والشخصيات المكلفة التصريح والدعوة العلنية إلى التطبيع مع إسرائيل.
كما تعمل تلك الكوادر على إجراء الدراسات والتقارير والتقييمات بناء على هذا التوجه، والاستفادة من هذه التقارير في تقييم المواقف وردود الفعل المختلفة تجاه القرارات والنخب والشخصيات المحسوبة على المنظومة السياسية السعودية.
إضافة إلى ذلك، فإنّ تلك الكوادر والمجموعات تعمل ضمن اعتبارات معينة، لجسِّ النبض ودراسة ردود الفعل، وتقييم الآراء وردود الفعل التي تصدر عن الشارعين السعودي والعربي تجاه سياسات السعودية وتوجهاتها الجديدة، خاصة فيما يتعلق بعلاقاتها مع إسرائيل، ويشرف عليها كل من تركي الدخيل وأنور عشقي اللذين يعملان على توجيهها فيما يتعلق بالشأن الإعلامي والظهور الفكري والأيديولوجي، فهما عرّابا التطبيع مع إسرائيل وعنهما تصدر وتُكتب الأفكار العامة في هذا الاتجاه.
وقد ذكر مصدر مطلع لـ "عربي بوست"، أنّ الناشط السعودي محمد سعود، الذي يتقن العبرية بنسبة عالية، يتمتع بعلاقات واسعة مع شخصيات ورموز إسرائيلية، ويعمل ضمن فريق خاص يقوم بالتسويق للتطبيع مع إسرائيل، حيث يستعمل فريقه مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها "تويتر"، لإقناع الآخرين بأهمية العلاقات مع إسرائيل، والترويج للسلام معها.
وكانت صحيفة هآرتس الإسرائيلية قد ذكرت أن قيام الفلسطينيين الغاضبين بطرد سعود من الأقصى يمثل هدية دعائية للمتصيّدين في المملكة المعادين للفلسطينيين، والذين تم تكليفهم مهمة دفع التطبيع مع إسرائيل بأي ثمن، حسب الصحيفة.
ثلاثة فرق لكل منها مهمة خاصة.. أحدهم ضد التطبيع
ويقوم الفريق بعدة مهام رئيسية من خلال ثلاثة فرق رئيسية.
- فريق يعمل على الترويج تدريجياً لتحفيز العلاقات السعودية-الإسرائيلية.
- فريق ثانٍ يعمل من خلال التصريح والتبشير العلني بالعلاقات مع إسرائيل على غرار محمد بن سعود.
- فريق ثالث يعمل على التظاهر ضد هذه العلاقات، لكنّ الغرض من ذلك أمني بالدرجة الأولى، يهدف إلى قياس ردود الفعل في الشارعين السعودي والعربي تجاه التطبيع مع إسرائيل، وكشف المعترضين والمؤيدين ومدى قبول الشعوب والمجتمعات بقرارات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
كما يهدف الفريق الثالث إلى معرفة اتجاهات وردود فعل النخب العربية السياسية والمثقفة؛ تمهيداً في المستقبل للتعاون معهم والسعي إلى استقطابهم وتقريبهم وإقصاء المعترضين منهم، ويعتبر مركز اعتدال والهيئة الوطنية للأمن السيبراني بالعاصمة السعودية الرياض إحدى أهم الأذرع المهمة للمخابرات السعودية، والتي توجد فيها هذه المجموعات المروجة للعلاقات والتطبيع مع إسرائيل، وتتصل بدورها بمندوبين أمنيين يقومون بتقييم ونقل سير العمل داخل هذه المجموعات.
إماراتيون سهَّلوا لقاءات شخصيات سعودية مع إسرائيليين
ويحظى تركي الدخيل وأنور عشقي، اللذان يشرفان على الفريق والمجموعات التابعة لهما، بدعم وتعاون من شخصيات غير سعودية، ومنها إماراتية وإسرائيلية.
وعُقدت في هذا الشأن عدة لقاءات في الإمارات بين أنور عشقي وتركي الدخيل وشخصيات إسرائيلية وإماراتية، يأتي على رأسهم وزير الدولة للشؤون الخارجية د. أنور قرقاش، ورجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور.
وتهدف هذه الاجتماعات إلى تعزيز دور هذه المجموعات التي تتخذ من مواقع التواصل الاجتماعي مرتكزاً لها في عملها، إضافة إلى تكوين مجموعات أخرى جديدة تصبّ في هذا الاتجاه، فهي تأتي ضمن سياسة ممنهجة وبدعم من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لكسر الجليد الذي يقف حجرة عثرة في تدعيم العلاقات العربية-الإسرائيلية، ومن ضمنها السعودية والخليج.
ومن خلال شبكة العلاقات الواسعة التي يمتلكها كل من الحبتور وقرقاش اللذين لا يكفان باستمرار عن التصريح العلني بضرورة السلام والتعاون والتطبيع مع إسرائيل اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وعلمياً، معتبرين أنّ إيران هي "العدو الأكبر" لدول الخليج.
فهما يعملان على تسهيل لقاءات "عشقي" والدخيل مع شخصيات إسرائيلية، من ضمنها شخصيات سياسية وأمنية، والذين بدورهم عقدوا عدة لقاءات في أبوظبي، لإطلاعهم على ملف العلاقات مع إسرائيل والجهود التي يبذلها الأمنيون السعوديون عبر الفريق المتخصص لتدعيم التطبيع والتعاون مع الإسرائيليين.
ويعدّ دور "عشقي" محورياً؛ نظراً إلى أنه يعدّ منذ فترة طويلة، عرّاب العلاقات السعودية-الإسرائيلية، فقد التقى في وقت سابق، عبر سلسلة لقاءات، مسؤولين إسرائيليين لبحث الملف الإيراني، وبدأت هذه اللقاءات في بداية 2014، ولا تزال مستمرة حتى هذه اللحظة. كما أنّ هناك اجتماعات أخرى كانت تجرى في مقر مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي بالعاصمة الأمريكية واشنطن.
خطة جديدة بعد فشل مهمة سعود
وتؤكد المصادر الخاصة لـ "عربي بوست"، أنّ المخابرات السعودية لن تكتفي بزيارة محمد سعود لإسرائيل، بل ستتبعها زيارات أخرى تجريها شخصيات ووجوه جديدة، عبر موافقة من الديوان الملكي السعودي وبدعم مباشر من ولي العهد محمد بن سلمان، حيث سيتم صرف مبالغ كبيرة لمن سيزور إسرائيل.
وقالت المصادر إنّ هناك عدة شخصيات طُرحت أسماؤها، ومنهم رجال دين فنانون وكُتاب وإعلاميون مشهورون، وسيتم إرسالهم لزيارة إسرائيل؛ تمهيداً للتطبيع الكامل معها، وسيعمل الديوان والمخابرات بالسعودية على تحديد تلك الشخصيات في الفترة القادمة.
وذكرت هذه المصادر أن السعودية سترسل مزيداً من الشخصيات السعودية، لكن لن تأخذ الشكل الذي أخذته زيارة محمد سعود بعد أن فشلت في تحقيق أهدافها، لكنّها ستأخذ طابع الزيارات الشعبية والودية للمسؤولين الإسرائيليين، وكذلك ستعمل على تعزيز الجانب الثقافي وحضور الحفلات الغنائية والفنية في إسرائيل.
النظام السياسي في السعودية يسعى من وراء هذه الزيارات إلى تأكيد أنّ الشعب السعودي هو من يسعى إلى التطبيع، وهو من يريد العلاقات والتطبيع، والحكومة السعودية يجب أن تصغي للشعب، وهذا يعني الهروب من تهمة التطبيع، وإظهار أن هذه رغبة الشعب.
وتظهر هذه السياسة واضحة في استخدام ولي العهد السعودي شخصياتٍ لا تشغل مناصب رسمية، في التمهيد للتطبيع، رغم أن الجميع يعلم أنه لا يوجد أي شخص في السعودية يستطيع أن يقوم بمثل هذه الخطوات من دون توجيه من الرجل الأقوى الذي يحكم البلاد.