الآن وقد أصبح بوريس جونسون عرَّاب بريكسيت رئيساً للوزراء، من المرجح ألا تكون مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي عملية "طلاق بالتراضي"، فما هي أبرز نقاط الخلاف بين الجانبين وتأثير "الطلاق العاصف" المتوقع على مواطني الجانبين والعلاقات بينهما على المدى القصير والبعيد؟
قصة بريكسيت باختصار
بريكسيت مصطلح مختصر لمغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي نادى به القوميون في المملكة المتحدة، وعلى رأسهم بوريس جونسون اليميني الذي أصبح رئيساً للوزراء، أمس الأربعاء 24 يوليو/تموز، وقاد جونسون حملة "التصويت للخروج" ونجح فيها.
أُجري الاستفتاء في أنحاء المملكة المتحدة التي تضم (بريطانيا وويلز واسكتلندا وأيرلندا الشمالية) الخميس 23 يونيو/حزيران 2016، وفاز أصحاب حملة "التصويت للخروج" بنسبة 51.9% مقابل 48.1%، أي أن أقل من النصف بقليل من بين أكثر من 30 مليون ناخب (بنسبة 71.8% ممن لهم حق التصويت)، غير موافقين على مغادرة الاتحاد الأوروبي، لكن الأغلبية قالت نعم.
مفاوضات للاتفاق على بنود المغادرة
عقب التصويت، بدأت المفاوضات بين الحكومة البريطانية بقيادة المستقيلة تيريزا ماي والاتحاد الأوروبي للتوصل لاتفاق يضع النقاط فوق الحروف ويحفظ حقوق كل طرف، ومن المهم هنا إلقاء الضوء على الاتحاد الأوروبي حتى تتضح الصورة.
تأسس الاتحاد الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية بهدف إيجاد صيغة للتعايش المشترك بين دول القارة تجنباً للحروب فيما بينها كما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وليس أفضل من وجود تعاون تجاري واجتماعي بين الدول لتفادي الحروب، وبالفعل أصبح الاتحاد الأوروبي يضم في عضويته 28 دولة تتعامل فيما بينها كأنها دولة واحدة ذات سوق واحدة، ما يعني حرية الحركة للمواطنين والبضائع.
إذاً خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي يعني أن مواطنيها سيحتاجون لتأشيرة دخول لدول الاتحاد الأوروبي والعكس بالعكس، سواء للعمل أو الدراسة، والآن يوجد أكثر من مليون من مواطني المملكة المتحدة مقيمون في دول الاتحاد الأوروبي، مقابل 3 ملايين من مواطني دول الاتحاد الأوروبي الـ27 يقيمون في المملكة المتحدة للعمل أو الدراسة.
التوصل لاتفاق يضمن حدوث "الطلاق بالتراضي من أجل مصلحة الأبناء" يعتبر إذاً مسألة حتمية، وهو ما تم بالفعل، وجرت المفاوضات بين الجانبين وتوصلا بالفعل لاتفاق أبرز بنوده هي:
شبكة أمان أيرلندية
ينص الاتفاق على اللجوء إلى شبكة أمنية تجنباً لإعادة الحدود الفعلية بين أيرلندا الشمالية التابعة للمملكة المتحدة وجمهورية أيرلندا العضو في الاتحاد، وهذه النقطة كانت إحدى العقبات الرئيسية، ذلك أن أياً من الطرفين لا يرغب في فرض حدود فعلية مجدداً خوفاً من نقض اتفاق السلام لعام 1998.
الاتفاق بشأن أيرلندا ينص على بقاء مجمل المملكة المتحدة ضمن الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي وارتباط أكبر بالقواعد الأوروبية لأيرلندا الشمالية خلال فترة انتقالية حتى انتهاء المباحثات بشأن علاقة مستقبلية تجارية بين الطرفين.
وتضمن هذه الترتيبات عدم العودة إلى النقطة الحدودية في حال فشل الطرفان في التوصل لاتفاق حول التبادل التجاري الحر بعد فترة انتقالية مدتها 21 شهراً، وفي حال لم ينتهِ إعداد اتفاق بحلول هذا التاريخ، فسيكون من الممكن تمديد الفترة الانتقالية.
وبناء على ذلك، ستطبق إيرلندا الشمالية قواعد السوق الأوروبية الموحدة فيما يتعلق بحركة جميع البضائع بما فيها الزراعية. ومع تطبيق بريطانيا للقانون الجمركي الأوروبي في إيرلندا الشمالية، سيصبح بإمكان الشركات التجارية الأيرلندية الشمالية جلب البضائع إلى السوق الموحدة دون قيود.
وتنص المسودة كذلك على محافظة اقتصاد أيرلندا الشمالية على قدرته في الوصول دون عوائق إلى باقي أنحاء بريطانيا، وبطلب من لندن، ستطبق أيرلندا الشمالية جميع قواعد السوق الموحدة في ما يتعلق بالكهرباء.
لماذا إذاً رفض برلمان المملكة المتحدة اتفاقية الخروج؟
هذه النقطة تحديداً كانت أهم أسباب رفض مجلس العموم البريطاني اتفاق الخروج، خشية أن تطول الفترة الانتقالية ولا يتم التوصل لاتفاق بشأن تنظيم العلاقات التجارية بين الطرفين، وهو ما يعني أن تظل المملكة المتحدة ملتزمة بقوانين الاتحاد الأوروبي دون أن يكون لها رأي فيها.
وعلى الرغم من أن المملكة المتحدة كان يجب أن تغادر الاتحاد الأوروبي في الـ29 من مارس/آذار الماضي، وتأجل ذلك للثاني والعشرين من مايو/أيار، إلا أن رفض الاتفاق في تصويتين لمجلس العموم، أدى لتمديد المهلة إلى 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
فشل تيريزا ماي في الحصول على موافقة البرلمان على اتفاقية الخروج أجبرها على الاستقالة وتولي جونسون رئاسة حزب المحافظين والوزارة، وهو مصمم على مغادرة الاتحاد الأوروبي حتى من دون اتفاق.
ماذا تعني المغادرة من دون اتفاق؟
ستقطع المملكة المتحدة كل علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي ومؤسساته بشكل فوري، دون فترة انتقالية ودون ضمانات لحقوق مواطنيها المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي، وتخشى الدوائر السياسية وخبراء الاقتصاد من التأثيرات السلبية على الاقتصاد على المدى القصير وتكدس الشاحنات التي تحمل ومنتجات المملكة المتحدة على الطرق وفي موانئ الاتحاد الأوروبي، مع تطبيق قواعد التفتيش وفرض الرسوم الجمركية كأنها بضائع قادمة من خارج السوق الأوروبية المشتركة.
تجار الأغذية والأدوية في المملكة المتحدة يحذرون من حدوث نقص حاد متوقع في تلك المواد، بسبب تغير قواعد مرورها من دول الاتحاد إلى المملكة المتحدة، كما يحذر بعض الوزراء المعارضين لبريكسيت وأصحاب الشركات متعددة الجنسيات في المملكة المتحدة من التأثير السلبي على الاقتصاد على المدى البعيد.
مبررات جونسون ومعسكره
على الجانب الآخر، يرى جونسون ومعسكره أن تلك التأثيرات مبالغ فيها، حيث إن المملكة المتحدة حال المغادرة دون اتفاق لن تدفع 40 إلى 45 مليار يورو للاتحاد الأوروبي بموجب اتفاق الخروج، كما أن حكومة المملكة سيكون باستطاعتها عقد اتفاقيات تجارية ثنائية مع جميع دول العالم بموجب اتفاقية التجارة الحرة العالمية بعد أن تتحرر من قيود قواعد السوق الأوروبية المشتركة.
وفيما يتعلق بحقوق المواطنين، يرى معسكر جونسون أنه مقابل مليون من مواطنيهم يقيمون في دول الاتحاد الأوروبي، يوجد 3 ملايين من مواطني الاتحاد يقيمون في المملكة المتحدة، وبالتالي يمكن التوصل لاتفاق يحفظ حقوق الجميع.
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من خلال اتفاق يعني وجود فترة انتقالية مدتها عام على الأقل، تسمح بحل الأمور العالقة تدريجياً ودون صدمات تؤثر على مصالح المواطنين والمؤسسات لدى الجانبين، بينما الخروج دون اتفاق – كما يهدد جونسون – ستكون له آثار سلبية على العلاقات بين الجانبين على المدى البعيد وهو ما سينعكس قطعاً على التوازنات السياسية والاقتصادية ليس فقط داخل القارة العجوز، ولكن حول العالم.