الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعتقد أن الدستور الأمريكي يمنحه سلطات مطلقة تجعله "يفعل كل ما يحلو له" وبالتحديد المادة الثانية، فماذا تقول تلك المادة؟ وهل فعلاً يمتلك الرئيس سلطات مطلقة أم أن ذلك هو تفسير ترامب لتلك المادة؟
في معرض خطابٍ له أمام مؤتمر لطلاب المدارس والجامعات في واشنطن، أمس الثلاثاء 23 يوليو/تموز، قال ترامب: "لدينا المادة الثانية (من الدستور) التي تعطيني الحق كرئيس أن أفعل أي شيء أريده"، مضيفاً: "لكنني لا أتحدث عن ذلك"، بحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست.
لكن الحقيقة هي أن ترامب "تحدث عن ذلك"، أي تلك المادة مراراً، ما جعل البعض يتساءل بالفعل عما إذا كان الرجل مقتنعاً بأنه يمتلك سلطات مطلقة، فيما أعادت كبريات الصحف والقنوات نشر وبث نصّ المادة الثانية من الدستور الأمريكي.
ماذا تقول المادة الثانية؟
المادة الثانية من الدستور (يمكن الاطلاع عليها بالتفصيل بالضغط على هذا الرابط) تمنح الرئيس "سلطات تنفيذية" وليست سلطات مطلقة، فالرئيس هو أعلى منصب في السلطة التنفيذية وله الحق في اختيار الوزراء وكبار المسؤولين في الحكومة أو الإدارة لمساعدته في إدارة شؤون البلاد.
ما الذي لا يمكن أن يفعله الرئيس منفرداً؟
السلطة التنفيذية التي يرأسها رئيس البلاد لا تحكم بشكل مطلق أو حسب الأهواء، بل في إطار القواعد الدستورية وأحكام القانون وهذا منعكس بشكل واضح في القسم الذي يؤديه الرئيس عند توليه المنصب وهذا نصه: "أقسم أن أتولى مهام منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بإخلاص، وأن أبذل ما في وسعي لحماية والحفاظ على والدفاع عن دستور الولايات المتحدة الأمريكية".
الرئيس يمكنه أن يرشح من يراه مناسباً لتولي منصب وزاري، لكن لابد من موافقة الكونغرس على ذلك الترشيح قبل أن يكون نافذاً، أي أن سلطة الرئيس حتى في اختيار أعضاء وزارته ليست مطلقة.
وترامب يدرك ذلك جيداً، فعلى سبيل المثال، بعد استقالة وزير دفاعه الأول جيم ماتيس أواخر العام الماضي، ظل وكيل وزارة الدفاع باتريك شاناهان قائماً بأعمال الوزير انتظاراً للحصول على موافقة مجلس الشيوخ، وهو ما لم يتم بعد أن استقال شاناهان قبل التصويت على منحه الثقة بسبب ظهور تقارير إعلامية تخص مسائل خاصة في ماضيه.
والأمر نفسه ينطبق على كل ما يتعلق بتسيير أمور الدولة من موازنة وسياسات، وبالطبع قرار شن الحرب، حيث لابد من حصول الرئيس على موافقة الكونغرس، وهذا الأمر تحديداً هو السبب في تكرار إشارة ترامب للمادة الثانية، حيث إن مجلس النواب في الكونغرس تسيطر عليه أغلبية ديمقراطية معارضة لترامب، ما يتسبب في كثير من الأحيان في عدم تنفيذ ما يريده ترامب بالطريقة التي يريدها.
استهانة بالدستور
ما قاله ترامب أثار عاصفة من الانتقادات بين السياسيين الديمقراطيين وخبراء القانون الدستوري، ووصف ويليام سي. بانكس، أستاذ القانون في جامعة سيراكوز، ملاحظات ترامب بأنها "استهانة بالأساسيات التي يتعلمها كل طفل بشأن الحقوق المدنية"، مضيفاً أن ترامب أقسم كرئيس أن يدافع عن الدستور ما يعني أنه لا يمكن أن يفعل إلا ما يسمح له الدستور أن يفعله.
وأضاف بانكس لواشنطن بوست: "من المؤكد أنها (المادة الثانية) ليست منحة بسلطات مطلقة، فهو ليس ملكاً بل رئيساً للسلطة التنفيذية وهو مقيد بإنفاذ حكم القانون".
ودلل بانكس على كلامه بالقضايا المرفوعة في المحاكم الفيدرالية ضد قرارات اتخذها ترامب نفسه وبسبب بعض تلك القضايا تأخر إنشاء الجدار العازل على الحدود مع المكسيك عدة مرات، إضافة للتحديات التي واجهتها قرارات ترامب الخاصة بإصلاح قوانين الهجرة.
ليست المرة الأولى
ليست هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها ترامب عن اعتقاده بأن المادة الثانية من الدستور تعطيه الحق في فعل ما يحلو له، فقد عبر عن ذلك وبنفس الألفاظ في يونيو/حزيران الماضي في معرض حديثه عن تقرير المحقق الخاص روبرت مولر (في اتهام ترامب بالتواطؤ مع روسيا وعرقلة العدالة)، رداً على التقارير بأنه كان يريد فصل مولر أثناء قيامه بمهام عمله.
ترامب قال في حوار مع قناة إيه بي سي نيوز الأمريكية: "المادة الثانية تسمح لي بأن أفعل ما أشاء. المادة الثانية تسمح لي بأن أفصله من عمله".
وتعليقاً على ما قاله ترامب بشأن فصل مولر، قال جوناثان ترولي، أستاذ القانون في جامعة جورج واشنطن، للصحيفة، إن ترامب ربما كان يردد رأي مستشاريه القانونيين في مسألة فصل مولر. "أعتقد أنه كان يردد موقف فريقه القانوني وهو بالمناسبة رأي خاطئ".
تناقض صارخ مع الدستور
وبشكل عام، وصف ترولي تعليقات ترامب بأنها "تثير القشعريرة" وتتناقض بشكل جوهري مع اللغة الدستورية -وتحديداً أيضاً المواد الأولى والثالثة- التي تفرض سلسلة من الشروط والقيود على سلطات الرئيس التنفيذية.
في مطلع يوليو/تموز الجاري تحدث ترامب أيضاً عن سلطاته المطلقة بموجب المادة الثانية في مواجهة أسئلة الصحفيين حول نتائج تقرير مولر بشأن التواطؤ وعرقلة العدالة.
"لا أحد يأتي على ذكر المادة الثانية. إنها تعطيني كل تلك الحقوق على مستوى لم يتمتع به أي شخص من قبل. إننا حتى لا نتحدث عن المادة الثانية".