مكتبة سوريا السرية.. 1400 كتاب جمعها شباب سوريون وسط جحيم الحرب، ومصيرها اليوم مجهول

وسط القصف المتبادل بين النظام السوري وقوات المعارضة في ضاحية داريا الدمشقية، حاولت مجموعة صغيرة من الطلبة الشباب، جلب ملمح من ملامح الحياة الطبيعية وسط فوضى الحرب، عبر إنشاء مكتبةٍ سرية تحت مبنى تمتلئ حوائطه بفجوات بفعل الرصاص.

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/07/24 الساعة 10:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/24 الساعة 10:01 بتوقيت غرينتش

وسط القصف المتبادل بين النظام السوري وقوات المعارضة في ضاحية داريا الدمشقية، حاولت مجموعة صغيرة من الطلبة الشباب، جلب ملمح من ملامح الحياة الطبيعية وسط فوضى الحرب، عبر إنشاء مكتبةٍ سرية تحت مبنى تمتلئ حوائطه بفجوات بفعل الرصاص.

ووفقاً لموقع VOA الأمريكي، فقد بُنيت المكتبة لخلق ملجأ آمن للسكان كي يتجمعوا ويقرأوا.

على مدار أشهر، وثَّق مايك طومسون، صحفي مقيم في بريطانيا، جهود الطلاب في كتابه الذي يحمل اسم "Syria's Secret Library: Reading and Redemption in a Town Under Siege"، "مكتبة سوريا السرية: القراءة والخلاص في مدينة تحت الحصار" .

قال طومسون لموقع VOA الأمريكي عن عملية إنشاء المكتبة: "كانت غالبية المدينة تخضع لرصاص القناصة من جنود النظام السوري الموجودين في المباني المرتفعة المجاورة للخطوط الأمامية" .

وتابع طومسون: "جمعوا هذه الكتب تحت رصاص القناصة وأحياناً تحت قصف المدفعية. وأحضروا سلالم معهم للتسلق عبر النوافذ. كانت ممارسات خطيرة يضطرون لفعلها غالباً أثناء الليل" .

كانت ضاحية داريا، التي تقع على بعد 8 كيلومترات من الجنوب الغربي للعاصمة دمشق، واحدةً من أوائل المناطق التي شهدت احتجاجات ضد النظام السوري في 2011، وسرعان ما أصبحت معقلاً للمعارضة ومركزاً مهماً للقتال. 

عانت المدينة من حصارٍ وحشي وقصف متواصل من قبل قوات النظام السوري والميليشيات المتحالفة معها، المدعومين من روسيا، خلال الفترة من 2012 وحتى 2016.

جمع الكتب

خلال فترة الحصار، كانت الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء، والمياه، والإمدادات الطبية، محظورة دخولها إلى المدينة. بدأ حينها مجموعة من الطلاب المتطوعين في تشكيل فريقٍ لإنشاء مكتبةٍ تحت الأرض.

وعلى مدار أشهر، خزن هؤلاء الطلاب أكثر من 1400 كتاب متاحة للجمهور، من بينها كتبٌ أُنقذت من مكتبة داريا العامة التي تدمرت بفعل قصفٍ بالمدفعية في 2013. 

وقال طومسون: "أصبحت المكتبة تؤدي جميع الأغراض، إذ باتت مكاناً للتجمع، وغرفةً لشرب الشاي، ومركزاً تعليمياً، ومركزاً اجتماعياً، ونادي كتب، حيث يستطيع الجميع مناقشة الكتب التي يقرأونها" .

وتحتوي المكتبة على مجموعة واسعة من الأدب المحلي والعالمي الذي يغطي مجالات التاريخ، والعلوم، والدين، والثقافة، فضلاً عن وجود مجموعة كاملة للموسوعات.

وتشمل المكتبة مسرحيات شهيرة لشكسبير وكتباً لشعراء سوريين مثل أدونيس، ومرام المصري، والأعمال المترجمة لأجاثا كريستي، وتفسير ماركسي للإسلام للكاتب محمد عمارة.

"تحتاج الأرواح إلى غذاء"

عندما سأل طومسون لماذا قررت مجموعة من الشباب السوري الذي يعيش تحت القصف اليومي المخاطرة بحياتهم بحثاً عن الكتب، قال عبدالباسط، متطوع رئيسي في المجموعة، إن القراءة تمثل خلاصاً روحياً للعديد من الأشخاص.

وقال طومسون: "سألت عبدالباسط، أنت تعيش على كوبٍ من الشوربة يومياً، لما لا تبحث عن الطعام بدلاً من الكتب؟ فأجاب عبدالباسط: الروح تحتاج إلى الغذاء تماماً مثل الجسد" . 

وأضاف: "كان لديهم أملٌ وسط كل ما يحدث، ولا يزال لديهم أمل لأن قوات المعارضة في داريا ستضطر، في نهاية المطاف، إلى الاستسلام وسيضطر معظم هؤلاء الأشخاص إلى العودة إلى إدلب" .

انتهى الحصار في داريا في أغسطس/آب 2016 بعد أن توصلت قوات المعارضة إلى اتفاقٍ مع النظام السوري يسمح لهم بالخروج من المدينة مع عائلاتهم. وتفيد تقارير بأن الاتفاق يسمح لحوالي 700 مقاتل و4 آلاف من المدنيين بمغادرة الضاحية قبل أن تدخلها قوات النظام.

تُركت خلفهم

كان عبدالباسط وفريق المتطوعين الذي يعمل معه من بين الأشخاص الذين اضطروا إلى الفرار من داريا إلى شمالي سوريا، تاركين المكتبة وراءهم. ونظراً لعدم تمكنهم من أخذ الكتب معهم، حاول أعضاء الفريق إغلاق المكتبة عبر سد مدخلها بقطع من الخرسانة المحطمة.

رغم جهودهم، تمكنت قوات النظام السوري من العثور على المكتبة المؤقتة. ولا يزال مصير آلاف الكتب هناك غير معلومٍ، وفقاً لعبد الباسط، الذي لم يتمكن من العودة إلى مدينته بسبب إحكام النظام قبضته عليها.

وقال طومسون في كتابه: "أشتاق إلى كل شيء يتعلق بهذا المكان. لم يكن فقط مستودعاً للكتب. لقد كان عالماً آخر، عالماً نتشارك فيه. بينما كان الدمار والألم يعمان في الخارج، كان هناك خلق وأمل في الداخل… لقد شعرت بالإلهام داخل هذه الحوائط" .

 مع دخول سوريا العام التاسع من الصراع المسلح، قُتل وجُرح مئات الآلاف من الأشخاص وشرد ملايين غيرهم، ونزح أكثر من نصف السوريين من بلداتهم، يعيش 40% منهم في شمالي سوريا و3.6 مليون منهم لاجئون في تركيا، وفقاً لتقرير نشرته منظم الصحة العالمية في أبريل/نيسان الماضي.

تحميل المزيد