إعلان رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم عن "حل جذري وشامل" لأزمة "البدون" قبل انتهاء الصيف يطرح عدة تساؤلات، أبرزها مَن هم "البدون"؟ وكم عددهم؟ ومتى بدأت أزمتهم؟ وكيف يمكن حلها بشكل جذري؟ ولماذا تأخر حلها حتى الآن؟ القصة كاملة نشرحها في هذا التقرير.
مَن هم "البدون"؟
"البدون" مصطلح يعني "بدون جنسية"، أي غير محددي الجنسية، وظهر مع حصول الكويت على استقلالها منذ بداية الستينيات من القرن الماضي، وتدرجت التسمية في الأوراق الثبوتية الرسمية الصادرة من الكويت في الفترة بين 1960 و1979 من "غير كويتي" ثم "بدون جنسية" وأخيراً "مقيم بصورة غير شرعية".
النسبة الأكبر ممن تنطبق عليهم التسمية تعود لأصول بدو رحّل من بادية الكويت كانوا يسكنون في شبه الجزيرة العربية منذ آلاف السنين.
كم يبلغ عددهم؟
تتباين أعداد تلك الفئة من السكان في الكويت بشدة بين الأعداد الرسمية والأعداد التي تصدر عن المنظمات الحقوقية سواء المحلية أو الدولية.
على المستوى الرسمي، بلغ عدد البدون في إحصاء 1965 أكثر من 45 ألفاً، وبحسب بيانات هيئة المعلومات المدنية الكويتية عام 1985 بلغ عددهم 220 ألفاً، وفي آخر إحصاء رسمي لهم عام 1991 انخفض العدد إلى 118 ألف نسمة، وتشير آخر بيانات رسمية كويتية إلى أن عددهم حالياً 96 ألفاً فقط.
أما على مستوى التقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية مثل هيومان رايتس ووتش، فالعدد أكبر من ذلك بكثير، ويصل في بعض التقديرات إلى أربعة أضعاف.
أبرز محطات أزمة "البدون"
مرت أزمة "البدون" في الكويت بمراحل، أبرزها الفترة من 1960 وحتى منتصف الثمانينيات، حيث كانت الحكومة الكويتية تعاملهم معاملة المواطنين في كل شيء باستثناء مباشرة الحقوق السياسية انتخاباً وترشُّحاً، فكانوا يتعلمون وينخرطون في الوظائف الحكومية والجيش والشرطة كما تم تجنيس البعض منهم في تلك الفترة بالفعل، ويمكن هنا استخدام وصف "كويتيين درجة ثانية" على "البدون" في تلك الفترة.
منذ عام 1986 تغيَّر موقف الحكومة الكويتية بشكل جذري تجاه البدون، وبدأت مرحلة التضييق عليهم، وذلك في سياسة سرية اُتخذت كمرجع في التعامل مع تلك الفئة، ورغم أن تلك السياسة تم تسريبها عام 2003 من خلال صحيفة الطليعة ونالت نقداً واسعاً في الأوساط السياسية والاجتماعية في البلاد، فإن أحداً لم يعرف السبب من ورائها ولا حتى مَن سربها ولماذا.
أحد التفسيرات وراء تغيُّر تعامل الحكومة الكويتية يرتبط بحصة الإمارة الخليجية من تصدير النفط؛ حيث كانت تلك الحصص تتحدد في إطار منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" على حسب عدد سكان كل دولة، وذلك حتى عام 1983 حين تم إلغاء ذلك النظام، وبالتالي كانت الحكومة تستفيد من إدراجهم ضمن عدد السكان لتزيد حصتها من تصدير النفط.
مجلس الأمة يتدخل
اللافت هنا هو أن مجلس الأمة الكويتي تحرك أكثر من مرة لحل أزمة البدون، لكن الحكومة الكويتية كانت دائماً غير راغبة في إعطاء الجنسية لهم ودائماً ما تعرقل تنفيذ مشاريع القوانين التي يقرها البرلمان.
مجلس الأمة أقر في 16 مايو/أيار عام 2000 تعديلاً قانونياً يتيح لنسبة كبيرة من البدون التقدم للحصول على الجنسية الكويتية الكاملة والشرط أن يكون مسجلاً في إحصاء 1965 ويثبت أنه مقيم في الكويت منذ ذلك التاريخ، ورغم أن 45 ألف نسمة تنطبق عليهم الشروط، فإن التقارير الحقوقية تظهر أن عدداً ضئيلاً جداً هم من حصلوا على الجنسية فعلاً، كما أن كثيراً ممن استفادوا من ذلك التشريع ليسوا من فئة "البدون" من الأساس.
وأعلنت الحكومة عام 2001 عن منح 626 شخصاً من البدون الجنسية الكويتية، وهو بالطبع عدد ضئيل للغاية يُظهر عدم رغبة الحكومة في حل الأزمة بالطريقة الوحيدة المنطقية وهي منح مواطنيها من الدرجة الثانية الجنسية.
محاولة تصدير البدون
مع حركة المد الدولي في ملف حقوق الإنسان في العشرية الأولى من القرن الحالي، غيَّرت الحكومة الكويتية استراتيجيتها في التعامل مع ملف البدون، فقامت الصحف الرسمية عام 2006 بالترويج لحملة بعنوان "فرصة لا تعوَّض للبدون" عبارة عن بيع جوازات سفر صادرة من دول عربية وإفريقية، اتضح أنها جوازات مزيَّفة.
قرار آخر من مجلس الأمة
في 30 مايو/أيار 2007 عاد مجلس الأمة وأصدر تشريعاً يقضي بمنح 2000 من البدون الجنسية الكويتية سنوياً، وكان التصويت بالإجماع تقريباً؛ حيث وافق 45 عضواً مقابل معارضة عضو واحد وامتناع عضوين عن التصويت، فماذا فعلت الحكومة؟ تم في نفس العام تجنيس 573 شخصاً بينهم 26 فقط من البدون، والباقون من حاملي جنسيات دول أخرى، وفي المقابل رفضت الحكومة في نفس العام استخراج شهادات ميلاد لنحو ثلاثة آلاف طفل من البدون، ما يعني حرمانهم من التطعيمات والتعليم والحصول على هوية رسمية.
مواجهة حكومية برلمانية
تصاعدت حدة الأزمة بين البرلمان والحكومة في هذا الملف وشهدت ذروتها عام 2009 وتحديداً في 10 ديسمبر/كانون الأول (اليوم العالمي لحقوق الإنسان)، حين حاصرت قوات الأمن مقر مجلس الأمة لمنع انعقاده لإقرار تشريع يخص حق البدون في الحصول على الهوية الذكية التي قررت الحكومة منحها للمواطنين أولاً ثم المقيمين دون أن يشمل القرار فئة البدون.
وأصدرت هيومان رايتس ووتش تقريراً أدان الكويت بشدة لإساءة معاملة أكثر من 100 ألف نسمة من البدون، وطالبت بمنحهم الجنسية أو الإقامة الدائمة، ووعد أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد بحل الأزمة، لكن ذلك لم يتم حتى الآن.
حادث مأساوي
منذ عام 2011 بدأت أزمة البدون في الكويت تأخذ منحى جديداً مع قيام الشباب بتنظيم احتجاجات سلمية للمطالبة بحل مشكلة الهوية الخاصة بهم، وظلت الأمور تتصاعد وتهدأ من خلال وعود متكررة من الحكومة والبرلمان بإيجاد حلول للأزمة.
وقام شاب من البدون بإشعال النار في نفسه أمام مركز شرطة منطقة النعيم في الجهراء في 21 سبتمبر/كانون الأول 2017، ورغم تمكن رجال الأمن من إنقاذه فإن الحادثة وجدت تجاوباً شعبياً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، وتكرر الأمر العام الماضي.
نعود لتصريحات مرزوق الغانم، رئيس مجلس الأمة التي أدلى بها مساء الأحد 21 يوليو/تموز 2019، للصحفیین ونقلتها وكالة الأنباء الكويتية "كونا"، والتي أكد فيها وجود تنسیق نیابي حكومي لإیجاد حلّ تشریعي جذري وشامل لقضیة "المقیمین بصورة غیر قانونیة" في البلاد خلال فترة الصیف.
وأوضح أن الحل "لا یمسّ الجنسیة والھویة الوطنیة ویُراعى فیه الجوانب الإنسانية للبدون"، مضيفاً أن هذا الحل سيبدأ بتشريع یُصادِق علیه مجلس الأمة في بدایة الدورة المقبلة أو دورة استثنائية إن احتاج الأمر لذلك.
فهل تكون هذه بداية لحل أزمة هوية "البدون" التي زادت على النصف قرن؟