يبدو أن إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إسقاط طائرة إيرانية مسيّرة شكَّلت تهديداً لسفينة حربية أمريكية في مضيق هرمز، أوصل الأمور لنقطة اللاعودة أو "حتمية الحرب"، في ظل تواصل خطوات التصعيد المتبادلة، بحسب موقع ذي أتلانتيك الأمريكي.
عنون الموقع تقريره قائلاً: "التوتّرات مع إيران تبلغ مرحلة الحتمية.. حدوث شيء مثل هذا كان حتمياً".
دمرت قوات البحرية الأمريكية طائرة من دون طيار إيرانية فوق مضيق هرمز، بعد أن قال ترامب إنها دخلت في نطاق "مُهدِّد" وتجاهلت "نداءات متعددة للوقوف".
وقال ترامب إن الإجراء الذي اتخذته السفينة الحربية "يو إس إس بوكسر"، وهي سفينة هجوم برمائي من "واسب"، كان "دفاعياً"، واصفاً الواقعة بأنها "الأحدث بين عديد من الأعمال الاستفزازية والعدائية ضد السفن العاملة في المياه الدولية".
استفزازات وتصعيد
جاءت المواجهة في خِضمّ استفزازات الحكومة الإيرانية المتصاعدة، التي تنتقد من خلالها حملة "الضغط القصوى" التي تفرضها إدارة ترامب، ومع ذلك، كان ترامب متردداً في استخدام القوة، ففي واقعة حديثة، تراجع ترامب عن شن هجوم بعد أن أسقطت إيران طائرة أمريكية من دون طيار، قائلاً حينها إن الرد الأمريكي لم يكن متناسباً.
ويتيح الإجراء الذي اتُّخذ أمس الخميس 18 يوليو/تموز 2019 لإدارة ترامب أن تبدو صارمة، لكن بالنظر إلى التوترات، فإنها تخاطر أيضاً بتصعيد في منطقة مضطربة بالفعل.
وقرنت إدارة ترامب حديثها الصارم المعادي لإيران بفرض عقوبات مكثفة تهدف إلى شل الاقتصاد الإيراني واستهداف وكلائه، وكجزء من هذا الجهد، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية، يوم الخميس 18 يوليو/تموز 2019، عقوبة على شبكة من الشركات والوكلاء البارزين، الذين قالت إنهم "متورطون في شراء مواد حساسة لصالح البرنامج النووي الإيراني"، فضلاً عن اثنين من قادة الميليشيات التي تدعمها إيران في العراق.
كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على جوانب أخرى من الاقتصاد الإيراني ووصفت فيلق الحرس الثوري الإيراني بأنه منظمة إرهابية، وأكدت هذه التحركات أنه على الرغم من خطاب إدارة ترامب الصارم، يظل الأسلوب المفضل لديها في مواجهة الإيرانيين محصوراً في عالم سياسة العقوبات العادية نسبياً.
استراتيجية ترامب فاشلة
مع ذلك، قال بنيامين فريدمان، أحد المديرين السياسيين بمؤسسة أولويات الدفاع البحثية، إن الإجراء الذي اتُّخِذَ يوم الخميس قد هيّأ الظروف "لسوء تقدير يمكن أن يتحوّل بسرعة إلى حرب أوسع".
وقال فريدمان: "حملة الضغط القصوى قد أضرّت بالاقتصاد الإيراني، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها؛ إذ شجعت إيران على إعادة البدء في برنامج الأسلحة النووية خاصتها وزيادة سياساتها المتشددة".
إلى جانب إسقاط إيران للطائرة الأمريكية من دون طيار، اتهمت واشنطن الجمهورية الإسلامية بمهاجمة ناقلات النفط بخليج عمان، في الوقت نفسه، كثّفت إيران من نشاطها لتخصيب اليورانيوم إلى مستوى يخرق التزاماتها بموجب الاتفاق النووي الذي أُبرِم في عام 2015 وانسحبت منه إدارة ترامب في العام الماضي، ولم تتمكن الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق من تخفيف حدة الوضع الاقتصادي المتدهور على إيران بالقدر الكافي.
أوروبا في مأزق
ولا تزال هذه القوى الأوروبية، المتمثّلة في المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، إلى الآن في مأزق من جراء الحاجة إلى الإبقاء على هذه الاتفاقية لأطول فترة ممكنة.
ويوم الإثنين 15 يوليو/تموز، أكّد وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت، وهو أحد المرشحين ليحل محل تيريزا ماي كرئيس للوزراء، أن المملكة المتحدة تواصل دعمها للاتفاق النووي، لكنه حذر من أن الإيرانيين عليهم الإيفاء بالالتزامات بالاتفاق من جانبهم بغض النظر عن قرار انسحاب الولايات المتحدة.
ونشر هانت تغريدة قال فيها: "لا يمكن أن يكون هناك امتثال جزئي (للاتفاق)، فإما أن تكون على طريق تسليح الشرق الأوسط نووياً وإما لا تكون". لكن سيكون من الصعب -بلا شك- أن تصر القوى الأوروبية على أنه يمكن إعادة الاتفاق إلى الحياة، في ظل مواصلة الاستفزازات وتقليص إيران التزاماتها بالاتفاق النووي.
وقال بهنام بن طالب لو، زميل بارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إنه من غير المرجح أن يؤدي إسقاط الطائرة من دون طيار إلى "حرب عالمية ثالثة"، مضيفاً أن هدف إيران هو دفع "أمريكا لوقف حملة الضغط القصوى، و "العودة" إلى الاتفاق النووي.
وأضاف: "على الرغم من أن النظام في طهران سيحتاج إعادة تقويم على المدى القصير، ستستمر إيران على الأرجح في التصعيد في نطاقات أخرى، سواء بمنطقة الخليج أو في الفضاء الإلكتروني".
وفي الشهر الماضي، بحث ترامب مسألة شنّ غارات جوية على إيران بعد إسقاطها طائرة استطلاع أمريكية من دون طيار، لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة، بسبب احتمال وقوع إصابات بين المدنيين، وقال ترامب حينها إن قتل الإيرانيين لن يكون "متناسباً مع إسقاط طائرة من دون طيار".
ويُرضي رد الفعل الأمريكي، أمس الخميس، بإسقاط الطائرة الإيرانية نهج ترامب الحَذِر في التحركات العسكرية، فعلى النقيض من نهج مُستشاريه الأكثر ميلاً إلى المواجهة، عارض الرئيس بشدّةٍ أي عمل قد يمتدّ إلى صراع أوسع. وتجدر هنا الإشارة إلى أن تدخّله الرئيسي في سوريا قد وقع بعد أن استخدم نظام بشار الأسد الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، ومن ضمنهم الأطفال.
وفي التوتّرات القائمة مع إيران، فضّل ترامب أن تؤدّي العقوبات مهمّة التفاوض بينما يشير إلى أنه مُنفتح للحوار، ومع ذلك، أصبح من الصعب تجاهل الاستفزازات الإيرانية المستمرّة. وخلال هذا الأسبوع، استولت إيران على ناقلة نفط ترفع علم بنما، تتخذ من الإمارات العربية المتحدة مقراً لها، واتّهمت طاقمها بتهريب النفط. وفي الأسبوع الماضي، قالت وزارة الدفاع البريطانية إن إيران حاولت منع مرور ناقلة بريطانية في مضيق هرمز، وذلك بعد أن استولت القوات البريطانية على ناقلة إيرانية، قالوا إنها كانت متجهة إلى سوريا، وهو ما يمثّل انتهاكاً للعقوبات الأوروبية ضد نظام الأسد.
الحرب التي لا يريدها أحد أقرب من أي وقت مضى
حتى لو كان كلا الجانبين يصر على أنه لا يريد الحرب، تعني التوترات الحالية، إلى جانب غضب إيران من حرمانها من مكتسبات الاتفاق النووي، أن استفزازاً واحداً يُساء تقديره قد يتسبب في اندلاع حرب أكبر.
وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، يوم الخميس 18 يوليو/تموز، في مقرّ الأمم المتّحدة قبل إعلان الأخبار المتعلّقة بإسقاط الطائرة الإيرانية: "نحن نعيش في بيئة خطيرة للغاية، وقد دفعت الولايات المتّحدة نفسها وبقيّة العالم إلى حافة الهاوية".