كوريا الشمالية واحدة من أفقر الدول على وجه الأرض، وشعبها لا يجد قوت يومه، ويحيا في ظلِّ قبضة حديدية، تحت سيطرة واحد من أكثر الأنظمة الديكتاتورية على وجه الأرض، والمجتمع الدولي بأسره وقَّع عقوبات صارمة على بيونغ يانغ بسبب برنامجها للتسليح النووي، لكن الرئيس كيم يونغ أون يستخدم أسطولاً من سيارات الليموزين الفارهة والمدرعة، فكيف تصل إليه رغم العقوبات؟!
سيارات كأنها جناح فندقي متحرك
تخضع كوريا الشمالية لعقوبات أممية صارمة، تحظر تصدير أي بضائع أو منتجات توصف بأنها "كماليات ورفاهية أو ذات طبيعة استخدام مزدوجة"، والمؤكد أن سيارات مرسيدس المدرعة والفاخرة تعتبر "سلعاً كمالية ورفاهية"، خصوصاً موديل مايباخ إس-600.
هذا الموديل مزوّد بمقاعد جلدية تقوم بتدليك الجسم بشكل تلقائي، ومدرَّعة لحماية راكبيها من الذخائر المصنوعة من الصلب، وكذلك لصدِّ هجوم بالقنابل والقذائف الصاروخية، إضافة لكافة وسائل الاتصالات والترفيه، والموديل الذي شوهد كيم راكباً إياه تحديداً يبدأ سعر السيارة الواحدة منه من مليون دولار.
كيم لفت الأنظار من خلال استخدام سيارات ليموزين تحمل علامة شركة "دايملر" الألمانية، التي تمتلك علامة "مرسيدس بنز"، في العديد من تنقلاته، أثناء حضوره القمم رفيعة المستوى، بما في ذلك اجتماعه في أبريل/نيسان الماضي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكذلك في قمتَيْه السابقتين مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
فماذا قالت الشركة المصنعة؟
"دايملر" التي تنتج سيارات الليموزين المدرَّعة، قالت إنها لم تبِع أياً من سياراتها لزعيم كوريا الشمالية، وليست لديها أدنى فكرة عن المكان الذي حصل عليها منه.
ووفق ما نشر موقع سي إن إن، اليوم الأربعاء 17 يوليو/تموز 2019، فإن الشركة لا تعرف أيضاً كيف حصل كيم جونغ أون على السيارة، كما أنها لا تملك تعاملات تجارية مع بلاده.
الشركة أرسلت بياناً لسي إن إن، نفت فيه أن تكون على علم بكيفية وصول سياراتها الفارهة إلى الزعيم الكوري: "ليست لدى شركتنا أية تعاملات تجارية مع كوريا الشمالية منذ أكثر من 15 عاماً، ونلتزم تماماً بعقوبات الاتحاد الأوروبي والعقوبات الأمريكية والأممية. ولمنع وصول منتجاتنا إلى كوريا الشمالية أو أي من سفاراتها حول العالم، نطبِّق عملية مراقبة صارمة على كل عمليات البيع والتصدير، بحسب ما تفرضه سلطات إنفاذ القانون".
لكن الشركة أضافت أن مبيعات السيارات من جانبِ طرفٍ ثالثٍ، خصوصاً لو كانت مستعملة، لا تخضع لرقابتها، "ونقوم بفحص صور السيارات التي ينشرها الإعلام، لكن دون أرقام التعريف الخاصة بكل سيارة من الصعب أن نعثر على دليل يمكن من خلاله تتبع مسار السيارة".
شركات روسية تتولى التسليم
التقرير الذي أعدَّه مركز دراسات الدفاع المتطورة ومقره واشنطن، تتبَّع مسار آخر سيارتين تم تسليمهما لكيم، من بداية رحلة السفينة من ميناء روتردام في هولندا، مروراً بموانئ في الصين واليابان وكوريا الجنوبية وروسيا، حيث غابت السفينة عن الأنظار في الفترة من 1 حتى 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وخلال تلك الفترة تم نقل السيارتين في طائرة شحن إلى بيونغ يانغ.
نفس التقرير رصد استيراد بيونغ يانغ 803 سيارات فارهة في الفترة من 2015 إلى 2017 فقط، معظمها تم توصيله من خلال شركات روسية.
تخفيض الحصص الغذائية
الزعيم ينجح في الالتفاف على العقوبات، وتصله سياراته الفارهة بأساليب سرية مبتكرة تتغلب على أجهزة إنفاذ القانون في العالم، في الوقت الذي يعاني فيه أكثر من 10 ملايين من مواطنيه، أي الربع تقريباً، من نقصٍ حادٍّ في الغذاء، بعد أسوأ حصاد للمحاصيل في عشر سنوات، بحسب تقييم لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو) وبرنامج الأغذية العالمي.
كوريا الشمالية قامت بتخفيض حصص الطعام التي يمنحها الزعيم لمواطنيه إلى أدنى مستوى هذا العام، وربما يحدث تخفيض آخر على تلك الحصص، في ظلِّ العقوبات وغياب المساعدات الدولية التي تُستخدم كورقة ضغط على بيونغ يانغ بسبب برنامجها للتسليح النووي.
كان خبراء في المنظمتين التابعتين للأمم المتحدة قد توجَّهوا إلى كوريا الشمالية، في أبريل/نيسان ونوفمبر/تشرين الثاني 2018، لإجراء تقييم للأمن الغذائي، وتبيَّن للفريق الأممي أنَّ نظام توزيع الأغذية الحكومي، الذي يعتمد عليه جزء كبير من السكان، اضطرّ لخفض الحصص الغذائية إلى 300 غرام للشخص الواحد يومياً، منذ يناير/كانون الثاني، بعدما كان 380 غراماً خلال الفترة نفسها في العام 2018.
وتتناول العديد من العائلات القليل من البروتينات، وتعيش على نظام غذائي من الأرز وملفوف الكيمتشي معظم أيام السنة.
أي أنَّ الزعيم الذي يستخدم موارد البلاد ليحظى بسيارات مدرعة وفارهة بملايين الدولارات تصل إليه عبر رحلات سرية وعمليات تمويه طويلة ومعقدة، يواجه شعبه خطر المجاعة بسبب العقوبات التي لا يتأثر هو وحاشيته بها على أي مستوى.