إيران تتخذ الآن خطوات سريعة نحو تقليل الوقت المطلوب للحصول على سلاح نووي، ورغم أن تحركات طهران تبدو حتى الآن محسوبة وهدفها المعروف للجميع هو إجبار الأوروبيين على اتخاذ موقف أكثر حسماً تجاه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يظل السؤال ما الذي يمكن لترامب أن يفعله كي يوقف إيران من الحصول على سلاح نووي؟
هذا السؤال تحديداً كان مطروحاً وربما بنفس المعطيات عام 2012، وهذا ما دفع الغرب وروسيا والصين للدخول في مفاوضات جادة ومضنية مع الإيرانيين حتى تم توقيع الاتفاق النووي عام 2015، وهو ما يعرف بخطة العمل الشاملة المشتركة والتي وقعت عليها الولايات المتحدة تحت إدارة باراك أوباما وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين وإيران.
ماذا كانت معطيات إيران النووية وقتها؟
كانت إيران تخزن أكثر من 10000 كيلو غرام من اليورانيوم المخصب، إضافة لأعداد أجهزة الطرد المركزي العاملة وأكثر من 130 طناً من الماء الثقيل، وكانت التقديرات وقتها أن إيران يفصلها شهران أو ثلاثة أشهر فقط عن الوصول لما يعرف في الأوساط النووية "بنقطة الإفلات" أو النقطة التي تصبح عندها مسألة الحصول على سلاح نووي أمراً واقعاً في أية لحظة.
توقيع الاتفاق النووي ألزم إيران بتقليل مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى ما دون 300 كغم فقط وإغلاق أكثر من 50% من أجهزة الطرد المركزي لديها وعدم تخصيب اليورانيوم بنسبة تزيد عن 3.67%، والتزم الإيرانيون بالفعل وهذا ما يعني أن وصولهم لنقطة الإفلات أصبح عاماً وليس شهرين أو ثلاثة.
لماذا انتظرت إيران عاماً بعد انسحاب ترامب؟
في الرابع من مايو/أيار العام الماضي انسحب ترامب من الاتفاق النووي بشكل منفرد وأعاد فرض العقوبات الأمريكية على إيران، لكن الاتفاق نفسه لا يزال قائماً لأن باقي الموقعين عليه أعلنوا التزامهم به وسعيهم لإيجاد بدائل اقتصادية وتجارية لتعويض إيران عن الخسائر من جراء عقوبات ترامب.
وبالفعل ظلت إيران ملتزمة ببنود الاتفاق النووي لمدة عام كامل حتى أعلنت إدارة ترامب إلغاء الاستثناءات من العقوبات على تصدير النفط الإيراني وعندها بدأت إيران في الرد بطريقة تبدو حتى الآن محسوبة وهدفها الضغط على الأوروبيين للوقوف بشكل حاسم في وجه ترامب، وليس التصعيد دون حساب.
قبل أن تلجأ إيران للعب بالورقة النووية نفسها، قامت بأعمال استهدفت سفناً تجارية وناقلات نفط دون أن يتمكن أي طرف من ربط إيران رسمياً بها، كما صعد الحوثيون في اليمن (أحد وكلاء إيران) من استهدافهم لأهداف سعودية مدنية ونفطية وأخيراً أسقطت إيران طائرة استطلاع أمريكية ولم يأت الرد العسكري من الجانب الأمريكي وكلها أمور تؤكد دقة الحسابات الإيرانية حتى الآن.
ثم بدأت طهران في اللعب بالورقة النووية وأيضاً طبقاً لبنود الاتفاق مما يؤكد أن الهدف هو الرد على عقوبات ترامب الخانقة وليس السعي الفعلي لامتلاك سلاح نووي، فتخطت أولاً الحد المتفق من اليورانيوم المخصب وهو 300 كغم، ثم رفعت نسبة التخصيب نفسها إلى ما فوق 3.67% والتقارير تشير الآن إلى وصولها إلى 5% (النسبة المطلوبة لصنع سلاح نووي لا تقل عن 80% — ما يعني أن هناك مسافة كبيرة) وتقول إيران أنها ستصل لـ 20% وهذه النسبة في نطاق توليد الكهرباء.
الفكرة الآن أنه في ظل غياب حلول سلمية قد يقبل بها ترامب وطهران، بإمكان إيران تسريع خطوات برنامجها النووي لتقصير وقت الوصول لنقطة الإفلات بصورة من الصعب جداً مراقبتها أو توقعها، إضافة لوجود معطيات أخرى من الصعب جداً توقعها مثل رد الفعل الإسرائيلي (تل أبيب تهدد علانية بأنها ستوجه ضربات جوية لمنشآت إيران النووية إذا ما فشلت عقوبات واشنطن وجهود الأوروبيين في إعادة طهران لطاولة المفاوضات وأقدمت إيران مثلاً على زيادة أجهزة الطرد المركزي أو رفعت نسبة تخصيب اليورانيوم لدرجة معينة.
مخاوف أوروبا
الأوروبيون يخشون من حدوث صراع مسلح في تلك المنطقة لأسباب كثيرة أهمها الخوف من موجات أخرى من اللاجئين من الشرق الأوسط وكذلك التبعات الاقتصادية الكارثية المتوقعة، لذلك يحاول وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا إنقاذ الاتفاق النووي بأي طريقة ممكنة، وهم ما زالوا يحملون إدارة ترامب المسئولية عن تأزم الموقف، فهل ينجحون في إقناعه بالقبول بحلول وسط مثل المقترح الفرنسي "التجميد مقابل التجميد"، أي تجميد العقوبات مقابل تجميد إيران لخطواتها النووية وبالتالي الجلوس على طاولة المفاوضات؟
الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعلنت أن إيران قامت بتركيب 33 جهاز طرد مركزي في منشأة ناطانز النووية وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد أعلن في أبريل/نيسان الماضي أن بلاده ستقوم بتركيب 20 جهاز طرد مركزي جديداً في نفس المنشأة.
الولايات المتحدة ترى أن طهران قد خالفت بنود الاتفاق بالفعل لكن ليس هذا رأي إيران ولا الموقعين الآخرين على الاتفاقية، حيث أن الخطوات التي تقوم بها إيران حتى الآن تقع في "المنطقة الرمادية التي تغطيها بنود الاتفاقية تحت مواد آلية فض المنازعات".
ما هي أوراق ترامب لمنع طهران من امتلاك سلاح نووي؟
إجابة هذا السؤال تحديداً هي الكارثة الحقيقية في الأزمة الحالية، فكل المؤشرات تؤكد أن ترامب وإدارته لا يملكون رؤية واضحة ولا استراتيجية بخلاف ممارسة الضغوط من خلال العقوبات الاقتصادية.
السفير البريطاني السابق لدى واشنطن داروش، الذي استقال بعد تسريب مذكرات سرية كان قد أرسلها لحكومته حول أداء ترامب وإدارته مثلت حرجاً بالغاً، كان قد كتب في أحد تقييماته أن ترامب "انسحب من الاتفاق النووي دون أن تكون لديه خطة عمل للتعامل مع عواقب تلك الخطوة".
" ليست لديهم أي استراتيجية تخص الخطوة التالية، واتصالاتي مع وزارة الخارجية هذا الصباح أوضحت أنه لا توجد لديهم خطط حتى للتواصل مع الشركاء والحلفاء سواء في أوروبا أو في المنطقة،" كتب داروش في مذكرة له قبل استقالته بأيام.
إدارة ترامب ليس أمامها الآن سوى محاولة العمل من خلال الأوروبيين والروس لتوصيل رسائل تهديد لطهران مفادها أن واشنطن سترد عسكرياً لو لم يتوقف الإيرانيون عن اتخاذ خطوات تقربهم من السلاح النووي، لكن مثل هذا الإجراء لن يكون فعالاً إلا إذا هددت باقي الأطراف بتوقيع عقوبات إذا لم تتراجع طهران وهو أمر مستبعد حيث يرى الجميع أن ترامب وإدارته السبب في تأزم الموقف، بحسب تقرير لموقع ذا هيل القريب من الكونغرس.
المفارقة هنا هي أنه عام 2012 تحرك الاتحاد الأوروبي لمقاطعة النفط الإيراني كي يظهروا للإسرائيليين أنهم (أوروبا) يمارسون ضغوطاً حقيقية على طهران ولكي يقنعوا تل أبيب بعدم مهاجمة إيران عسكرياً.
أي أن الخوف من اندلاع حرب في المنطقة هو ما دفع الأوروبيين للتحرك وقتها ما أدى في النهائية لتوقيع الاتفاق النووي عام 2015، والموقف الآن يكاد يكون متطابقاً، فهل يعني ذلك قرب العودة لطاولة المفاوضات، أم أن المتغيرات الدولية الآن أكثر تعقيدًا؟
الغريب في الأمر هو الإجماع على كون سيناريو الحرب بين أمريكا وإيران سيكون جحيماً حقيقياً على الأرض ولا أحد يريده، لكن حتى الآن لا يبدو أن هناك مخرجاً قد يقبل به طرفا النزاع.
موقع فوكس الأمريكي كان قد رصد الحقائق الموجودة على الأرض والأوراق التي يمتلكها كل طرف، واستطلع آراء محللين وخبراء، وذلك في تقرير مفصل جاء عنوانه: "معركة وحشية وبشعة.. الحرب ستكون جحيماً على الأرض" .