كان مطعم New Fawz Hotel مكاناً يكتظ بالزوار في هذه البلدة الصغيرة بسريلانكا، يجتذب الراغبين في تناول العشاء بلافتته الحمراء الضخمة، بفعل مصابيح النيون وأطباق الأرز والدجاج الساخنة المتوفرة ليلاً ونهاراً، لكن توقَّف الزبائن عن الظهور بعد هجمات أحد الفصح الإرهابية.
وازدادت الأحوال سوءاً، إذ جاءت في مايو/أيار مجموعة من راكبي الدراجات، كانت وجوههم مخفية بالخوذاتِ وكانوا مسلحين بعصي، وحطَّموا نوافذ المطعم، ثم اقتَحموه ودمَّروا كلِّ ما كان بداخله، فيما تجمَّع حشد كبير من الناس. وهرب صاحب المطعم محمد إنداس من الباب الخلفي، خوفاً على حياته، بحسب صحيفة The Washington Post الأمريكية.
وقال إنداس (52 عاماً)، أثناء وقوفه خارج مطعمه المحطَّم بشكل كامل: "لقد وُلدنا هنا، هذا هو مسقط رأسي، نتساءل الآن عمَّا إذا كان لنا مستقبل في سريلانكا".
ينتمي إنداس إلى الأقلية المسلمة في سريلانكا، ذات الأغلبية البوذية. وعقب الهجمات المفجعة في أبريل/نيسان الماضي، التي نفَّذها متطرفون إسلاميون محليون، حضَّر المجتمع نفسه لاستقبال موجة من الانتقام.
الآن، بدأت تلك الأعمال الانتقامية
تواجه المشروعات التجارية المملوكة للمسلمين حملة مقاطعة غير رسمية. وتفجَّرت أعمال شغب مناهضة للمسلمين في مقاطعتين في مايو/أيار، مُلحقة أضراراً بمئات المشروعات التجارية والمنازل والمساجد، وأدت إلى وفاة شخص واحد.
وفي يونيو/حزيران، استقال 9 وزراء مسلمين بسبب خوفهم من تصاعد وشيك للعنف في حال لم يستقبلوا.
ويُعرب الخبراء عن قلقهم من تفشِّي التوترات من جديد في سريلانكا، البلد الديمقراطي متعدد الأعراق والأديان، الذي خرج لتوّه من حرب أهلية انتهت في عام 2009، لكن هذه المرة ظهر الانقسام على أساس ديني، بدلاً من الصراع العرقي المتجذِّر بين أكبر مجوعتين عرقيتين في البلد؛ السنهالية والتاميل.
وحتى قبل هجمات عيد الفصح، كان المسلمون الذين يمثلون 10% من عدد السكان تقريباً، هدفاً لخطاب تمييزي وأعمال عنف عشوائية، خاصة مع ظهور المجموعات القومية البوذية المتعصّبة عقب انتهاء الحرب الأهلية.
المناخ الحالي يشير إلى أن البلاد تمرُّ بمنعطف محفوف بالمخاطر
دعا أحد أكبر رهبان سريلانكا البوذيين، واراكاجودا سري جناناراتانا ثيرو، إلى مقاطعة المشروعات التجارية المملوكة للمسلمين، وبدا أنه يتغاضى عن أعمال العنف قائلاً: "لا تزوروا متاجرهم أو تأكلوا طعامهم"، وأضاف مؤيداً للادعاء المتعصب بأن المسلمين يحاولون أن يصيبوا الناس بالعقم، قائلاً: "يتحتَّم على البوذيين أن يحموا أنفسهم".
وردَّ مانجالا ساماراويرا، وزير مالية سريلانكا قائلاً إن مثل هذه التصريحات هي بمثابة انحراف عن الإيمان، وكتب على تويتر: "ينبغي على البوذيين الحقيقيين الاتحاد معاً ضد "طلبنة" فلسفتنا العظيمة القائمة على السلام والحب لكل الكائنات".
وقد تفشّت نظريات المؤامرة بعد هجمات أبريل/نيسان الماضي، التي خلَّفت أكثر من 260 قتيلاً؛ إذ اتَّهمت صحيفة قومية مؤخراً طبيب نساء مسلم بتعقيم آلاف النساء السنهاليات ضد رغبتهن، دون تقديم أي دليل على ذلك، واحتلَّت تلك الاتهامات الواهية التغطية الإعلامية لأسابيع.
يقول بعض المراقبين إن الخطاب المعادي للمسلمين يحمل هدفاً سياسياً، وهو استقطاب جمهور الناخبين قبل الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى لاحقاً هذا العام.
ويقول رؤوف حكيم، رئيس المؤتمر الإسلامي السريلانكي، وهو حزب سياسي يشارك في التحالف الحاكم الحالي: "تريد أحزاب المعارضة إبقاء هذا الصراع مستعراً".
وكان حكيم أحد التسعة وزراء المسلمين الذين استقالوا في يونيو/حزيران. (استعاد اثنان منهم منصبيهما منذ ذلك الحين). وقال إن المجموعة قرَّرت التنحي استجابةً إلى "افتراض وجود صلات بينهم وبين منظمات إرهابية"، الذي كان يهدف إلى "شيطنة المجتمع الإسلامي بأسره".
الشرطة تلتزم الصمت وتتفرج
وفي 13 مايو/آذار، بدأت مجموعات من الرجال في التجول على دراجاتهم النارية في البلدات الواقعة شمال العاصمة، كولومبو.
وقال شهود عيان إن الشرطة كانت تتوانى في منعهم من استهداف بيوت ومتاجر المسلمين، إما بسبب الخوف أو التواطؤ، أو نقص ما لديها من قوات. ولم يرد المتحدث الرسمي باسم قوات الشرطة الوطنية على طلب للتعقيب.
وفي بلدة مينوانغودا التي تقع في مقاطعة يسكنها 177 ألف شخص من بينهم 3% فقط مسلمون شمال شرق كولومبو، جاء مثيرو الشغب مستعدين.
فبعد أن هاجموا مطعم New Fawz Hotel، قطعوا خمسة أميال إضافية إلى حيث كانت عائلة علي جيثي قد أتمت للتو بناء أكبر مصنع معكرونة من نوعه في سريلانكا.
وبعد أن حطم الحشد المكون مما يقارب 200 شخص الأبواب المصنوعة من الألومنيوم، شقوا طريقهم إلى الداخل، حيث أضرموا النيران بإطارات السيارات، بحسب جيثي.
لم تتخذ قوات الشرطة أو هيئة الإطفاء أي إجراءٍ يُذكر؛ لكن بعد ساعتين من اندلاع الحريق، حضرت قوات الجيش. وظلت النيران مشتعلة حتى الساعة الواحدة من ظهر اليوم التالي. لقد تحطمت ماكينة المعكرونة المستوردة من إيطاليا التي استغرق تجميعها 9 أشهر. ويُقدر جيثي الخسائر بما يقارب 4 ملايين دولار.
وقال جيثي (23 عاماً): "تتعرض للهجوم بسبب دينك فقط، لم أمرّ بمثل هذا من قبل".
في قسم الشرطة في مينوجودا، قال كبير المفتشين إنه ألقي القبض على 70 شخصاً أثناء أعمال الشغب، وأطلق سراح معظمهم بكفالة. وأضاف أنه لم يمكنه فهم سبب اختيارهم هذه البلدة بالتحديد، أو الجزم بأن هذا العنف جاء عن تخطيط أم لا. بشكل إجمالي، أضرت هذه الأحداث بأكثر من 76 متجراً ومنزلاً، إلى جانب مسجد واحد.
وقد وصف سكان البلدات الواقعة أقصى الشمال أحداثاً مماثلة حدثت في الليلة نفسها، وذلك عندما وصل بعض راكبي الدراجات عازمين على إحداث دمار.
ففي مقاطعة مسلمة بمدينة بوتالام، طلب محمد سالي فوسول أمير، وهو نجار يبلغ من العمر 49 عاماً، من زوجته وأولاده الأربعة أن يطفئوا الأنوار وأن يوصدوا الأبواب فيما اتجه هو إلى الخارج ليرى ما يحدث.
وبينما كانوا مجتمعين في المنزل، سمعوا مجموعة من مثيري الشغب يهاجمون منزلاً مجاوراً لهم، ثم قاموا بتحطيم بوابتهم الخاصة وحاولوا إضرام النيران في سيارتهم.
سمعت العائلة بعد ذلك الحشد وهو يلوذ بالفرار، تقول فاطمة زوجة أمير إنها خرجت من المنزل، لترى زوجها ملقى على الأرض، وينزف من جرح عميق في رقبته، ومات لاحقاً متأثراً بجراحه.
وتابعت: "لم تساعدني الشرطة حتى على اصطحاب زوجي إلى المشفى، والآن قد دُمرت حياتي بالكامل".
وقال شرطي محلي إنه قد قُبض على شخصين بتهمة قتل أمير؛ لكنه اشترط الحفاظ على سرية هويتهما لأنه لم يكُن مصرحاً له بالحديث عن الحادثة بشكل علني.
بالعودةً إلى مينوانغودا، يقول إنداس إنه يأمل أن يعيد افتتاح مطعم New Fawz Hotel i هذا الشهر ويخطط لاستغلال الإصلاحات المكلفة في التحسين من بنية المكان. لكن شيئاً وحيداً مهماً سيتغير؛ إذ سيزيل اللافتة الكبيرة المثبتة على جانب المطعم والتي تقول "حلال" بأحرف حمراء مضيئة، إذ يقول: "تسبب (هذه اللافتة) المشكلات، فلن يأتِ السنهاليون (بوجودها إلى المكان)".