تحدث تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية، عن سحب الإمارات قوات لها من اليمن، وما يمثله ذلك من ضربة للجهود السعودية الرامية إلى الفوز بالحرب، مشيرةً أن الرياض تدخلت لإيقاف سحب القوات.
وأشار التقرير الذي نُشر الخميس 11 يوليو/تموز 2019 إلى أنه على مدار أربعة أعوام، كانت الإمارات هي المحور العسكري الرئيسي في الحرب التي تقودها السعودية باليمن، حيث سخّرت الأسلحة والمال والآلاف من أفراد القوّات البرية للحملة التي تهدف إلى طرد الحوثيين في اليمن.
الانسحاب يزعج السعودية
وتزعّمت القوات الإماراتية تقريباً إحراز كل تقدّم كبير حققه التحالف، ورأت الصحيفة أن الإمارات بسحب قواتها قررت أنّها ليس باستطاعتها فعل أكثر من ذلك.
وقال مايكل ستيفنز من معهد "رويال يونايتد" للخدمات، وهو مؤسسة بحثية في لندن، إن الانسحاب "سيكشف أمام السعوديين حقيقة أن هذه الحرب فاشلة، وهذا يخبرنا أن اثنين من القادة الرئيسيين على جانب التحالف؛ وهما السعودية والإمارات ليس لديهما الفكرة نفسها عن شكل النجاح".
وقال دبلوماسيون إن السعوديين شعروا بخيبة أمل عميقة إزاء القرار الإماراتي، ونقلت الصحيفة الأمريكية عن دبلوماسي غربي مطلع على الأمر، قوله إن كبار المسؤولين في البلاط الملكي تدخّلوا شخصياً مع الزعماء الإماراتيين لمحاولة إثنائهم عن الانسحاب.
ويرى العديد من المطّلعين على الأمر أن الإماراتيين تجنبوا الكشف عن قرارهم علناً جزئياً لتقليل إحباط السعوديين.
ولم ترد الرياض بشكل رسمي، لكن مسؤولاً بالسفارة السعودية في واشنطن نفى أن يكون قادة المملكة "غير سعداء"، وقال للصحيفة شريطة عدم الكشف عن هويته، إن "قادة الدولتين مازالوا على اتفاق استراتيجي في أهدافهم بشأن اليمن".
وأضاف المسؤول أن "التغييرات التكتيكية أو العملياتية أثناء الحملات هي أمر طبيعي ويجري تنفيذها بالتنسيق مع التحالف"، مضيفاً أن أي فراغ يخلفه الانسحاب الإماراتي سوف تملأه القوات اليمنية التي جرى تدريبها على الاعتماد على نفسها.
مخاوف من الانسحاب الإماراتي
ويشدد المسؤولون الإماراتيون على أنهم لن يغادروا اليمن بالكامل، وأن مهمة مكافحة الإرهاب التي تركز على ملاحقة متشددي القاعدة، الذين هم مصدر قلق أمريكي أساسي في اليمن، لم تُمسّ.
ويتوقع أن يُحافظ الإماراتيون على وجود منخفض في عدن، المدينة الرئيسية في الجنوب، وسيواصلون دعم التحالف الذي يضم حوالي 16 ميليشيا يمنية، يقدر عددهم بحوالي 20 ألف رجل، ويتولّون معظم المهام القتالية على ساحل البحر الأحمر، في منطقة الحديدة.
لكن قيادة القوات اليمنية المنقسمة توكِل المهمّة إلى السعودية، وقال مسؤول يمني رفيع المستوى أمس الخميس، إن الضباط السعوديين تولوا المسؤولية في القاعدتين الإماراتيتين العسكريتين الرئيسيتين على البحر الأحمر، في المخا والخوخة.
ولدى السعوديين خبرة قليلة على تلك الجبهة، حيث قالت The New York Times إن التغييرات المفاجئة أثارت المخاوف من أنه بدون الإماراتيين المسلحين بأسلحة ثقيلة ليحافظوا على السلام، قد يبدأ اليمنيون في الخلاف في ما بينهم.
ونقلت الصحيفة عن مايكل نايتس، وهو زميل بارز في "معهد واشنطن"، قوله إن "الشيء الوحيد الذي يمنع الحوثيين من السيطرة على اليمن هو القوات المسلحة الإماراتية، والآن يجري إزالة الغراء الذي كان يُبقي اليمن متماسكاً".
حرب مرتفعة التكاليف
ويسحب الإماراتيون قواتهم على نطاق واسع وبسرعة هائلة لا تقضي بإحراز المزيد من التقدّم على أرض المعركة، وقالت الصحيفة الأمريكية إن اعتراف الإمارات بأنه لم يعد من الممكن كسب الحرب الطاحنة التي قتلت الآلاف وحوّلت اليمن لكارثة إنسانية، جاء متأخراً.
وقال المسؤولون الإماراتيون منذ عدة أسابيع إنهم بدأوا تدريجياً وجزئياً سحب القوات التي قُدّر عددها قبل سنوات قليلة بنحو 5 آلاف جندي.
إلا أن الدبلوماسيين الغربيين والعرب الذين أُطلعوا في إيجاز على أمر الانسحاب، يقولون إن هناك تقليصاً كبيراً للقوات قد حدث بالفعل، وإن الإماراتيين مدفوعون في الغالب برغبتهم في الخروج من حرب أصبحت تكلفتها مرتفعة للغاية، حتى لو كان ذلك يرادف إغضاب حلفائهم السعوديين.
وفي الشهر الماضي، قلّص الإماراتيون انتشارهم حول ميناء الحديدة -المطل على البحر الأحمر الذي كان ساحة القتال الرئيسية للحرب خلال العام الماضي- بنسبة 80 %، ليبلغ عدد الجنود هناك ما لا يزيد عن 150 رجلاً، وفقاً لأربعة أشخاص أُطلعوا على تفاصيل الانسحاب، كما سحبوا طائراتهم الهليكوبتر الهجومية والأسلحة الثقيلة، مما يَحول فعلياً دون إحراز تقدم عسكري في المدينة.
وقال مسؤول إماراتي بارز، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن الهدف من الانسحاب هو دعم وقف إطلاق النار الهش الذي توسطت فيه الأمم المتحدة في الحديدة، والذي دخل حيز التنفيذ في ديسمبر/كانون الأوّل.
وأضاف المسؤول: "التزامنا تجاه اليمن لا يزال قائماً"، مضيفاً أن القوات الإماراتية دربت 90 ألف جندي يمني على ملء الفراغ بعد رحيلها.
وفي العام 2015 تدخلت السعودية والإمارات في اليمن لإنهاء محاولة الحوثيين المدعومين إيرانياً من الاستيلاء على السلطة، واستعادة حكومة اليمن الهشة المعترف بها دولياً. وقالوا إن الحرب وهي مبادرة دعى إليها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بدعم من الولايات المتحدة، ستنتهي في غضون أشهر.
ومع ذلك، بعد مضيّ أربع سنوات، فشلت الحرب في طرد الحوثيين وزجّت باليمن في ما وصفته الأمم المتحدة بأسوأ أزمة إنسانية في العالم.
قال مايك هيندمارش، اللواء الأسترالي المتقاعد الذي يقود الحرس الرئاسي الإماراتي، لزائرين غربيين مؤخراً، إن اليمن صار ساحة معركة خاسرة كان فيها الحوثيون بمثابة "جبهة التحرير الوطني الفيتنامية في اليمن".
انتقادات للتحالف
ويمكن لهذا الانسحاب أن يدفع الحوثيين للاستفادة من الفراغ الذي يخلفه الإماراتيون، عبر شنّ محاولات جديدة للاستيلاء على الأرض التي خسروها أمام القوّة القتالية التي قادتها الإمارات خلال العام الماضي، وقد اشتد القتال بالفعل في عدة بلدات استراتيجية في السهول الواقعة جنوب الحديدة، مما يهدد خطوط إمداد القوات المتمركزة حول المدينة، بقيادة السعودية.
ويتعرّض السعوديون والإماراتيون لانتقادات دولية متزايدة بسبب عواقب حملتهم الجوية، التي أودت بحياة حوالي 8 آلاف مدني، وفقاً لمشروع بيانات الأحداث والنزاعات المسلحة، كما يلقى عليهم باللوم في السياسات المتعلقة بالحرب الاقتصادية التي أدت إلى تقييد إمدادات الغذاء في الكثير من المناطق الشمالية التي يسيطر عليها الحوثيون.
أما الحوثيون فقد وُجِهت إليهم اتهامات بالمساهمة في المشكلة عن طريق تغيير مسار المساعدات الدولية أو التلاعب بشأنها.
ومع تصاعد الضغوط، تباعدت المصالح السعودية والإماراتية في اليمن، حيث حقق الإماراتيون إلى حد كبير هدفهم المتمثّل في حماية طرق الشحن في خليج عدن وأماكن أخرى في اليمن، بينما انخرط السعوديون في حماية حدودهم الطويلة مع اليمن.
ومنذ بدء القتال عام 2015، أرهق الحوثيون السعودية بالصواريخ والطائرات بدون طيار وغيرها من التوغلات في الأراضي السعودية على نحو مستمر، مما زاد من المخاطر التي تهدد الرياض.
وأطلق الحوثيون مؤخراً صواريخ على المطارات السعودية رداً على الحصار السعودي للمطار في العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون. وفي يونيو/حزيران، أصاب صاروخ صالة الوصول بمطار أبها بالمملكة مسفراً عن إصابة 26 شخصاً.
والعام الماضي، قاد الإماراتيون تقدماً عسكرياً كاسحاً على ساحل البحر الأحمر وصولاً إلى ضواحي ميناء الحديدة، الذي يعد المحطة الرئيسية لاستيراد الأغذية إلى اليمن، لكن الحملة قد توقفت بسبب المقاومة الحوثية والمخاوف الدولية من أن الحديدة قد تنعزل كليّاً، مما يهدد الإمدادات الغذائية اللازمة لملايين اليمنيين الذين تهددهم المجاعة.
دعم أقل للتحالف
وصار الدعم الأمريكي للتحالف الذي تقوده السعودية، بما في ذلك الدعم الاستخباراتي واللوجستي بالإضافة إلى بيع الطائرات والقنابل، أكثر إثارة للجدل في الولايات المتحدة بالتزامن مع زيادة الخسائر المدنية في الحرب. وفي الولايات المتحدة، تصاعدت صيحات معارضة للحرب بعدما قتل عملاء سعوديون الصحفي السعودي المنشق جمال خاشقجي في الخريف الماضي.
وأصدر الكونغرس قراراً من الحزبين الجمهوري والديمقراطي يقضي بإنهاء المشاركة الأمريكية لما يحدث في اليمن، لكن الرئيس ترامب، الذي كان مؤيداً قوياً لولي العهد السعودي، اعترض عليه.
وعلى الرغم من دور وزارة الدفاع الأمريكية في الحرب، حذر قادة البنتاغون لسنوات من أن النصر العسكري غير ممكن، وحثوا التحالف الذي تقوده السعودية على التفاوض على تسوية سياسية.
ومن بين المسؤولين الأمريكيين الذين شجعوا الإماراتيين على الانسحاب من الحديدة وزير الدفاع السابق جيم ماتيس، وزير الخارجية السابق جون كيري، والسيناتور الجمهوري بولاية كارولينا الجنوبية، ليندسي غراهام.
وقال أحد المسؤولين الأمريكيين شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة تقييمات الحكومة الداخلية، إن الإماراتيين "سئموا ببساطة من الطريق المسدود والآفاق المظلمة للانتصار في ساحة المعركة".
أما السعوديون، فربما ما زالوا يؤمنون بالنصر العسكري؛ إذ يقول بيتر ساليسبري من مجموعة الأزمات الدولية: "هناك أصوات في الرياض تعتقد أن الحوثيين يمكن أن يتكبدوا ألماً يكفي لكي يفعلوا ما تريده السعودية، ولكن هذا يبدو وكأنه تفكير مفعم بالتمنّي، وهو ليس بديلاً جيداً لاستراتيجية".
الخلاف مع إيران
ورأى تقرير الصحيفة الأمريكية أن هناك علامات على أن التوترات الأخيرة مع إيران تغيّر من الحسابات السعودية؛ فإن احتمال نشوب صراع مع إيران في الوقت الذي تتصدى فيه الرياض لصواريخ الحوثيين التي تعبر الحدود الجنوبية للسعودية قد أقنع السعوديين بالتوصل إلى سلام مع الحوثيين، وفقاً لمسؤول غربي التقى بالسعوديين.
وقال المسؤول السعودي إن أهداف المملكة كانت دائماً تتمثل في الخروج بـ"حل سياسي للصراع، وهو الحل الذي يوفر سلاماً واستقراراً مستدامين"، مضيفاً أن الهدف العسكري هو "الضغط على ميليشيا الحوثيين للعودة إلى طاولة المفاوضات".
لكن الحكومة اليمنية، التي تتخذ من مدينة عدن الجنوبية حالياً مقراً لها، قد تكون أقل اهتماماً بالتوصل إلى تسوية سلمية. وفي صراع مرتبط ارتباطاً وثيقاً بإرث الأمير محمد، فإن أي تسوية سياسية تتطلب إيجاد وسيلة لحفظ ماء وجه كلا الجانبين، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ويقول بيتر ساليسبري إن "أفضل طريقة لإنهاء الحرب هي أن يقبل الطرفان المشاركة، ولكن تكلفة إنهاء الحرب قد تكون مرتفعة للغاية بالنسبة للسعوديين، من حيث حفظ ماء الوجه ويمكن أن تُعرقلها الحكومة اليمنية".