كيف ستكون الحرب بين الولايات المتحدة وإيران إذا ما وقع المحظور؟ بداية هناك إجماع على استبعاد سيناريو يشمل ضربة عسكرية محدودة توجهها واشنطن لأهداف إيرانية، وذلك هو السبب الرئيسي وراء تراجع الرئيس دونالد ترامب عن توجيه تلك الضربة رداً على إسقاط الطائرة الأمريكية، فما هي سيناريوهات تلك الحرب؟ وكيف يمكن أن تندلع؟ وما هي نتائجها المحتملة؟
موقع فوكس الأمريكي رصد الحقائق الموجودة على الأرض الآن والأوراق التي يمتلكها كل طرف، واستطلع آراء محللين وخبراء، وذلك في تقرير مفصل جاء عنوانه: "معركة وحشية وبشعة.. الحرب ستكون جحيما على الأرض" .
غارات جوية فتاكة من الجانب الأمريكي، يرد عليها وكلاء إيران غير المرصودين تقريباً بإثارة الفوضى في عدة قارات. حسابات سيئة مكلفة، ومقتل الآلاف إن لم يكن مئات الآلاف، في صراع سيجعل حرب العراق نزهة أو قزماً صغيراً، هذا هو ملخص الحرب بين الولايات المتحدة وإيران، والتي من المحتمل حال وقوعها أن تصبح واحدة من أسوأ المواجهات العسكرية في التاريخ.

هذه الحقائق كادت تغيب بعد أن أمر ترامب بتوجيه ضربة جوية محدودة ضد أهداف إيرانية منتقاة رداً على إسقاط طائرة الاستطلاع الأمريكية، لكن صوت العقل تغلب في آخر لحظة، وأمر بإيقاف القصف قبل إطلاق الصواريخ بعشر دقائق فقط.
الأهم هنا هو أن قادة البلدين لا يريدون الحرب، لكن هذا لا يلغي احتمال اندلاعها في أي لحظة، خصوصاً بعد توجيه إيران إهانات شخصية لترامب (وصفه بالمضطرب عقلياً)، ورده بالتهديد بمحو إيران من على الخريطة حال هاجمت "أي شيء أمريكي" .
كيف يمكن أن تندلع الحرب؟
قد تقصف القوات الإيرانية ناقلة نفط أمريكية في مضيق هرمز مسببة خسائر في الأرواح أو تسرباً نفطياً كارثياً، وقد يقوم القراصنة المهرة بشن هجوم إلكتروني ضخم ضد حلفاء واشنطن مثل الإمارات أو السعودية.
ربما تقوم إسرائيل باغتيال عالم نووي إيراني، مما يدفع إيران للرد عسكرياً وتجد واشنطن نفسها طرفاً في الحرب، خصوصاً لو كان الرد الإيراني عنيفاً، أو ربما يقوم وكلاء إيران باستهداف القوات والدبلوماسيين الأمريكيين في العراق.
السيناريو الأخير تحديداً محتمل جداً، بحسب الخبراء، حيث قامت إيران عام 1983 بتفجير ثكنات القوات الأمريكية في لبنان، كما قتلت ميليشياتها أكثر من 600 عسكري أمريكي أثناء حرب العراق، ورغم أن الإقدام على تلك الخطوة ربما يبدو متطرفاً، لكن قادة إيران المتشددين ربما لا يرونها كذلك.
عند هذه النقطة سيكون مستحيلاً ألا يرد ترامب عسكرياً، وسيختار رده من بين السيناريوهات التي سيقدمها له مستشاروه العسكريون، فلو دمرت إيران ناقلة نفط غالباً سيكون الرد تدمير بعض السفن الإيرانية، ولو أسقطت إيران طائرة أخرى بدون طيار ستضرب الطائرات الأمريكية بعض مواقع الدفاعات الجوية الإيرانية، ولو قتلت الميليشيات الإيرانية في العراق جنوداً أمريكيين هناك يمكن أن ترد تلك القوات باستهداف الميليشيات وقواعدها، كما يمكن أن تستهدف الطائرات الأمريكية بعض معسكرات التدريب داخل إيران.
عند هذه المرحلة في المواجهات العسكرية يحتاج كل طرف لإبلاغ الطرف الآخر بالخطوط الحمراء التي لا يجوز تجاوزها، لكن المشكلة هنا أنه لا توجد قنوات اتصال مباشرة بين واشنطن وطهران، كما أن الثقة منعدمة بين الجانبين، مما يعني أن الاحتمال الأقرب هو خروج الأمور عن السيطرة بشكل تام.

تبادل الرسائل في الغالب "أكثر أهمية من الفعل المادي على الأرض، لأن الفعل دون رسائل شارحة، سواء علنية أو عبر قنوات خلفية، يعني أن الطرف الآخر سيفسره كما يريد من وجهة نظره، وبالتالي تخرج الأمور عن السيطرة تماماً"، بحسب ما قالته ياسمين الجمال المستشارة السابقة بالبنتاغون.
ضباب الحرب وغياب التواصل
مصطلح "ضباب الحرب" يشير لصعوبة معرفة كل طرف من الطرفين المتحاربين بما يجري على أرض المعركة، وتزداد الصعوبة عندما لا يكون هناك اتصالات مباشرة، كما هو الحال بين واشنطن وطهران، وهو ما يعني أن تفسير كل منهما لما يقوم به الآخر سيكون تخميناً بلا معلومات.
السيناريو الأول في هذا السياق، بحسب إيريك بروير، أحد أفراد مجلس الأمن القومي في إدارة ترامب، يتمثل في قيام الولايات المتحدة بتوجيه ضربات جوية محدودة رداً على الاستفزازات الإيرانية، فتقوم إيران بنشر صواريخها في مناطق متفرقة من أراضيها.
في هذه الحالة سيكون هناك رأيان داخل الإدارة الأمريكية؛ الأول يرى أن نشر الصواريخ تحرك إيراني لاستهداف السفارات والمواقع الأمريكية، وبالتالي لابد من توجيه ضربة ثانية أكثر عنفاً لاستهداف مواقع الصواريخ. الرأي الثاني يرى أن إيران تخشى من استهداف الصواريخ فوزعتها في مواقع دفاعية.

"لو انتصر الرأي الأول ووجهنا ضربة ثانية لتلك المواقع، وكان التخمين خاطئاً نصبح أمام العالم في موقف المعتدي، ويعطي هذا ذريعة لإيران لتحويل الضربات المحدودة لحرب شاملة تشنها هي ووكلاؤها ضد المصالح الأمريكية حول العالم" .
السيناريو المقابل حال قيام ترامب على سبيل المثال بإرسال مزيد من القوات والطائرات بهدف ردع إيران والتراجع عن الاستفزازات، والهدف هنا هو تجنب المواجهة العسكرية، لكن إيران فسرت ذلك على أنه استعداد أمريكي لشن حرب عليها، فتقوم هي بضربات استباقية ينتج عنها سيناريو المواجهة المفتوحة الذي يخشاه الجميع ولا يريده.
كيف سيكون شكل الحرب المفتوحة؟
من الصعب جداً تصور سيناريو دقيق لشكل الحرب المفتوحة، لكن المؤكد أنها ستكون عبارة عن خطوات وخطوات مضادة، وسوف تكون فوضوية ومربكة وفتاكة لأقصى درجة وعدد الضحايا سيكون كارثياً.
سيناريوهات متعددة قد تتسبب في اندلاع الحرب، لكن حال اندلاعها سيكون من المستحيل توقع السيناريوهات، لكن النظر إلى خطط الحرب لدى كل طرف وأهدافه منها يمكن أن يرسم صورة تقريبية عن مسارها ونتائجها.
كيف ستحاول واشنطن أن تنتصر؟
المؤكد أن الاستراتيجية الأمريكية ستقوم على استخدام سلاح الجو والبحرية بصورة مكثفة ومرعبة كي تجبر إيران على الاستسلام مبكراً، "أنت لا تستفز عملاقاً بأن تلقيه بحجر، بل تسقطه أرضا دون تردد" .

الطائرات الأمريكية والأساطيل ستستهدف السفن الإيرانية والطائرات الحربية في مرابضها ومواقع الصواريخ والمنشآت النووية ومعسكرات التدريب، إضافة لشن هجمات إلكترونية تستهدف البنية العسكرية لطهران، والهدف هو تقليص قدرات القوات التقليدية خلال بضعة أيام أو أسابيع، لجعل مقاومة إيران للقوة الأمريكية أقل وأضعف قدر المستطاع.
هذه الخطة منطقية بلا شك كافتتاح فتاك للمواجهة، لكن الخبراء يرون أنها لن تحقق الهدف وهو الانتصار في الحرب. "من المستبعد أن يرضخ الإيرانيون، ومن المستحيل تخيل أن هجمات جوية مهما كانت كثافتها وعنفها ستحقق النتائج المرغوبة، لن تؤدي سوى للتصعيد وليس الاستسلام"، بحسب مايكل هانا، خبير في شؤون الشرق الأوسط بمؤسسة القرن في نيويورك.
الخيار الثاني في الاستراتيجية الأمريكية هو غزو إيران، وقد تمت دراسة هذا السيناريو باستفاضة وتم استبعاده بشكل كامل، لأسباب تتعلق بعدد القوات الأرضية المطلوبة، والتي وضعتها التقديرات عند رقم مخيف 1.6 مليون عسكري، علماً بأن غزو العراق عام 2003 شارك فيه 180 ألف عسكري أمريكي فقط، فإيران ثلاثة أضعاف العراق من حيث المساحة وعدد السكان، وموقعها الجغرافي يجعلها أشبه بالقلعة الحصينة.
لهذه الأسباب فإن ترامب أعلن أنه لا يريد إرسال قوات أمريكية إلى المنطقة، وبالتالي يبدو خيار الغزو مستبعداً تماماً لصعوبة تحقيقه واستحالة تحمل تبعاته البشرية والمادية.
كيف ستحاول إيران أن تنتصر؟
يقول نائب مدير القيادة المركزية للحرب الإلكترونية السابق الفريق فينسنت ستيوارت:

"الاستراتيجية الإيرانية تقوم على تجنب العمليات العسكرية المباشرة، قدر المستطاع، وسيحاولون فرض تكلفة عالية للحرب على المستوى التجاري العالمي عن طريق ضرب المصالح الأمريكية من خلال هجمات قرصنة إليكترونية وعمليات إرهابية هدفها توسيع نطاق الصراع من ناحية، والضغط على المجتمع الدولي كي يتدخل لكبح جماح الأفعال الأمريكية" .
بمعنى آخر فإن إيران لا يمكنها مضاهاة قوة النيران العسكرية الأمريكية، ولكن بإمكانها نشر الفوضى في الشرق الأوسط وحول العالم بغرض استغلال رأي عام أمريكي قلق من الحرب ورئيس متردد في التدخل العسكري ومجتمع دولي غاضب لإجبار واشنطن على التراجع.
هذه بالطبع تبدو استراتيجية صعبة التحقيق، وهي بالفعل كذلك، لكن الخبراء يرون أن طهران تمتلك القدرات للقيام بتلك الحملة الطموحة. "يمكن أن يقوم الإيرانيون بتصعيد الموقف بكثير من الطرق المختلفة وفي أماكن كثيرة ولديهم القدرة على إيقاع الأضرار"، بحسب هانا.
نتائج مفزعة يستحيل تجنبها
وقوع المحظور، أي مواجهة عسكرية مفتوحة بين واشنطن وطهران ستوقع، بحسب الخبراء، مليون قتيل على أقل تقدير بين عسكريين من الجانبين ومدنيين إيرانيين ومن حلفاء واشنطن في المنطقة، سواء السعودية والإمارات وإسرائيل إضافة لدبلوماسيين ومتعاقدين أمريكيين في المنطقة، وسيتم تدمير مدن بأكملها ومن ينجون من الحرب وهو بالملايين سيتحولون للاجئين وربما يتحول كثير منهم لمسلحين يقاومون المحتل الأمريكي لسنوات وسنوات.
النتيجة الثانية الحتمية هي فراغ السلطة في إيران بعد إسقاط النظام وحدوث صراع على الأغلب سيكون مسلحاً للسيطرة على البلاد مما قد يؤدي لحرب أهلية ينتج عنها ملايين اللاجئين في البلاد المجاورة وكذلك تحول بعض المناطق داخل الدولة المدمرة إلى مساحات آمنة للجماعات الإرهابية.

عند هذه النقطة وتحول إيران إلى دولة فاشلة سيكون على واشنطن إما محاولة إعادة إعمارها بتكلفة تريليونات من الدولارات وسنوات من المشكلات ومزيد من القتلى أو الانسحاب منها وترك جرحا نازفا في قلب الشرق الأوسط لا أحد يعلم تبعاته على المنطقة والعالم.
كل السيناريوهات تقريباً تشير إلى أن ما سيأتي بعد الحرب التي اتفق الجميع هنا وهناك على أنها ستكون جحيماً على الأرض، سيكون أسوأ بكثير من تلك الحرب ذاتها.
تظل بالطبع الفرصة قائمة لأن ينتصر صوت العقل في كل لحظة تصل الأمور لنقطة الانفجار كما يحدث حتى الآن، لكن الضغوط السياسية الواقعة على القادة من الطرفين كي لا يكون أي منهما عرضة لهجوم من طرف الآخر يظهره ضعيفاً أو متردداً ضغوط كبيرة لا يمكن الاستهانة بها، وربما تكون السبب في الوقوع في المحظور.