ثورة طبية لمعالجة حروق هجمات «ماء النار».. أطباء يلجأون إلى الجلد الاصطناعي لإعادة الأمل للضحايا

عندما يعالج مركز الحروق في مستشفى "جناح" بمدينة لاهور الباكستانية ضحايا الهجوم بالأحماض (ماء النار)، فإنه يتعين عليه استخدام جلد مستورد يكلف ما لا يقل عن 900 دولار لكل بوصة مربعة.

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/07/04 الساعة 21:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/04 الساعة 21:17 بتوقيت غرينتش
آلاف الأشخاص يتعرضون إلى حروق بسبب هجمات ماء النار/ رويترز

عندما يعالج مركز الحروق في مستشفى "جناح" بمدينة لاهور الباكستانية ضحايا الهجوم بالأحماض (ماء النار)، فإنه يتعين عليه استخدام جلد مستورد يكلف ما لا يقل عن 900 دولار لكل بوصة مربعة، وهي تكلفة باهظة على ضحايا هذا النوع من الهجوم، الذين عادة ما يكونون فقراء ومن الإناث وضعفاء.

لكن مركز جناح للحروق والجراحة الترميمية، حسب ما نقلته شبكة CNN الأمريكية، يعمل على تطوير شكل جديد وفعال من حيث التكلفة من الجلد الصناعي، الذي يمكن أن يُحدِث ثورةً في حياة مئات النساء الباكستانيات اللائي يقعن ضحية لهجمات الأحماض كل عام.

من 900 دولار إلى 5 دولارات 

يقول الدكتور رؤوف أحمد، الأستاذ المساعد بالمركز، إن نجاحه جاء عندما استبدل التريبزين -وهو إنزيم يُستخدم في زراعة الجلد الصناعي- بكلوريد الصوديوم، المعروف باسم الملح، وهي مادة أرخص بكثير ومتاحة على نطاق واسع. ويوضح أن هذه التقنية المبتكرة ستكلف 5 دولارات فقط لكل بوصة مربعة.

اختُبر جلد أحمد الصناعي في البداية على الحيوانات التي خضعت للمتابعة مدة ستة أشهر. بدأت أول تجربة بشرية في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، ومن المقرر أن تنتهي هذا الصيف.

تختبر وحدة الحروق الجلد الصناعي على خمسة رجال وثماني نساء، ست منهن كُنَّ ضحايا لهجوم الحمض، أما البقية فكانوا يعالَجون من حروق النار. خضع المرضى للمتابعة، للكشف عن حدوث تلوث بالبكتيريا، وكانت النتائج، وفقاً لأحمد، رائعةً، ومن دون أي آثار جانبية.

يمكن الحصول على الجلد البشري عادة بإحدى طريقتين: إما من منطقة أخرى من جسم المريض أو من جثة، وهو شيء لا يتوافر غالباً ويكون مكلفاً. ولا يمكن كذلك تخزين جلود التبرع بسهولة أو لمدة طويلة من الزمن، وإنما لمدة 10 أيام فقط، عند حرارة 4 درجات مئوية، في شاش ملحي رطب.

بفضل اكتشاف الجلد الاصطناعي في علاج الحروق

تساعد مؤسسة Depilex Smile Again Foundation في لاهور، مئات من ضحايا هجمات الحمض كل عام، وتدفع تكاليف عمليات جراحية لإعادة بناء وجوههم.

وفقاً لمدير البرنامج عبدية شاهين قدري، تحتاج كل ضحية نحو 30 أو 40 عملية جراحية وترقيع الجلد لإصلاح الضرر، وقد تكلف كل عملية ما يصل إلى 600 دولار. وهو ما يدفع إلى الترحيب بمبادرة تطوير جلد صناعي ميسور التكلفة.

وقال قدري: "الضحايا من [مناطق نائية مثل] خيبر باختونخوا أو جنوبي البنجاب، ولا يمكنهم إطلاقاً تحمّل [ثمن] هذه العملية"، مضيفاً أن معظم الضحايا هم من النساء اللائي يرفضن طلبات الزواج.

"عديد من النساء اللائي يتعرضن للهجوم بالحمض هنا يتحولن إلى إماء، ومن ثم فإن الوصول إلى الرعاية الطبية غير ممكن".

كانت جوزفين بركات وسلمى عارف ممن تلقين دعم مؤسسة Depilex Smile Again.

كانت جوزفين في الرابعة من عمرها فقط، عندما تعرضت للهجوم بالحمض بسبب خلاف بين شقيقها وإمام محلي. فقدت الطفلة عينها، وحُرقت من رقبتها لأسفل، وتحملت عديداً من عمليات ترقيع الجلد المؤلمة. تقول: "كان الأمر مؤلماً للغاية، لم أستطع تحريك رقبتي، كنت غير قادرة على الحركة تماماً. لقد استعدت حياتي بفضل مؤسسة ابتسمي من جديد".

تلقت سلمى -التي تعرضت في الثالثة من عمرها لحرق وصل لأكثر من 89% من جسدها- هي الأخرى دعماً مالياً مكثفاً من المؤسسة للجراحة الترميمية. وتشير إلى شفتيها، اللتين ثُبتتا وقتها في مكانهما بالأسلاك. وقالت إنها شعرت بالقلق إزاء الاستخدام المحتمل للجلد الصناعي. وأوضحت: "لست متأكدةً تماماً. إنه ليس من جسدي. لست متأكدةً مما إذا كان سيتماسك".

ووجود بوادر نجاح التجربة على المريض الأول

كان أول متلقٍّ للجلد الصناعي في مستشفى جناح من المرضى الرجال، إذ زُرع الجلد الصناعي على جبينه. قال أحمد إنه لم يُصب بأية عدوى أو تلوث من الجلد البديل، ولم تكن الندبة مرئيةً.

تعافى جميع المرضى خلال 8 إلى 10 أيام بعد الزرع. وحصلت الوحدة على موافقة لتطوير الجلد الصناعي للاستخدام السريري، من مركز التميز في البيولوجيا الجزيئية بلاهور.

ليس أحمد وفريقه في مستشفى جناح وحدهم من يجربون جلداً صناعياً بباكستان. ففي إسلام آباد، طوَّر العلماء الباكستانيون جسيماً متناهي الصغر يجدد ويشفي الجلد المحروق.

ونجح الفريق في إجراء تجارب سريرية ويبحث الآن عن مستثمرين. ويعتقد أفراده أن العلوم ستساعد في الحد من 265 ألف حالة وفاة، تقول منظمة الصحة العالمية إنها ناجمة عن حروق جلدية، سواء بسبب الهجوم بالحمض أو الحرائق.

هناك دول كانت سبّاقة إلى البحث في هذا المجال

يُستخدم نوع من الجلد الصناعي بالولايات المتحدة، وفي الهند ابتكر باحثون من المعهد الهندي للتكنولوجيا في حيدر آباد تقنية مماثلة.

يقول فرانسيس غوغن، الرئيس التنفيذي لمؤسسة RAFT الخيرية للأبحاث الطبية: "بدائل الجلد عرضة لمشاكل مناعية مثل الرفض. لا يوجد حالياً بديل للجلد يمكنه التغلب على هذا".

و "مع ذلك، يمكن أن يصبح الجلد الصناعي علاجاً ثورياً للجروح التي قد لا تلتئم بشكل طبيعي مثل هجمات الحمض". بالإضافة إلى أن هناك تركيزاً قوياً على رُقع جلد الجثث التي لا تتوافر إمدادات كافية منها، ويمكن أن يخفغ الجلد الصناعي من هذه الاعتمادية، حسبما أوضح.

 الدكتور رؤوف أحمد/ CNN
الدكتور رؤوف أحمد/ CNN

دعمت مؤسسته الخيرية تطوير "مصفوفة الجلد"، وهي تقنية جديدة تساعد البشرة على تجديد نفسها دون الحاجة إلى ترقيع الجلد. تمر التقنية الجديدة بجولة ثانية من التجارب السريرية.

وقال: "هناك وقت لا يرغب فيه المرضى في تجربة عملية ترقيع جلد أخرى مؤلمة. سيعالج الجلد الصناعي هذا".

يتطلب ترقيع الجلد البشري عادةً فترة نقاهة طويلة يمكن أن تكون مؤلمة. ولكن بزرع الجلد الصناعي في الجرح ليتكامل مع جلد المريض، يقل الألم ومن ثم تقل فترة الشفاء.

الناس "ينظرون إليّ كأنني مخلوق غريب!"

أصبح الحمض وسيلة وحشية غير مكلفة، للانتقام من النساء اللواتي يرفضن عروض الزواج، أو يفعلن ما يعتبر إهانة.

قال جاف شاه، المدير التنفيذي لمؤسسة Acid Survivors Trust International: "يمكن شراء 96% من حمض الكبريتيك من المتاجر، دون تقديم أي بطاقة هوية أو ترخيص، فلا يمكن تتبعه، ويمكنك شراؤه نقداً ومن ثم لا توجد أرقام".

تعيش سلمى في منطقة ريفية قرب لاهور، ونتيجة للإصابات والندوب التي تظهر عليها، قالت إنها تشعر بالنبذ. وقالت: "ينظر الأطفال والبالغون إليّ كأنني مخلوق غريب!".

إذا أصبحت تقنية أحمد علاجاً فعالاً، فقد تُحدث ثورة في حياة ضحايا هجمات الحمض. لكن جاويد أكرم، رئيس قسم الطب بجامعة لاهور، قال إن الصدمة النفسية لمثل هذه الهجمات تحتاج أيضاً معالجة.

وقال أكرم: "لقد تعاملت عقوداً من الزمن مع ضحايا هجمات الحمض وأعمال العنف المفرطة التي يرتكبها الأب أو الأقارب. عندما يأتون إلينا، فالأمر ليس مجرد حروقهم، إنما يتعين علينا علاج المريض بالكامل".

وقال مهدي حسن، من لجنة حقوق الإنسان في لاهور، إن الشرطة لا تساعد الضحايا ولا تتعامل مع المهاجمين بطريقة مجدية، وكان هناك قصور في إدارة الحكومة لهذه المسألة.

في ظل ارتفاع حوادث الهجوم بالحمض

سنَّت الحكومة الباكستانية تشريعات عام 2011 للتصدي للهجمات بالحمض، لكن كثيرين رأوا أن على الحكومة إعادة النظر في القانون، لأنه فشل في ردع المسألة.

وفقاً لمؤسسة Acid Survivors Foundation في باكستان، فإنهم يعرفون بوجود 22 ضحية خلال 2018، و37 ضحية خلال عام 2017. ومع ذلك، من الصعب الوصول إلى أرقام مؤكدة، وتختلف التقديرات على نطاق واسع.

قالت لجنة حقوق الإنسان في باكستان، إن هناك أكثر من 400 ضحية للهجوم الحمضي سنوياً، وقالت مؤسسة Smile Again في بيان: "الجريمة لا يبلَّغ عنها على نطاق واسع، ومن ثم فإن الأرقام الرسمية لا تمثل الواقع على الأرض. طلب مئات الضحايا مساعدتنا في جميع أنحاء البلاد".

طلبنا من شيرين مزاري، وزيرة حقوق الإنسان الباكستانية، التعليق على الأمر مراراً، لكنها لم ترد.

يتزايد الهجوم بالحمض أيضاً على المستوى العالمي، حيث شهدت أماكن مثل المملكة المتحدة استخدام الحمض في الهجمات على الشباب. ووفقاً لمؤسسة الصندوق الدولي للناجين من الحمض، فإن هناك أكثر من 1500 هجوم مسجل بالحمض على مستوى العالم، و80% من المستهدفين هم من النساء.

وأخبر عديد من المرضى في وحدة الحروق بمستشفى جناح، شبكة CNN، بأن مظهرهم لن يعود كما كان أبداً. ويأمل أحمد أن يقدم جلده الصناعي بديلاً للناجين ولرقع الجلد باهظة الثمن التي تسبب تجربة مؤلمة ومنهكة.

ومع ذلك، فهو قلق من أن الشركات القوية التي تستورد الجلد قد تحاول منع استخدام أسلوبه الجديد على نطاق واسع. وقال: "آمل أن تطبَّق طريقة عملي في جميع أنحاء البلاد. يمكن تخزين الجلد الذي طوَّرته لمدة تصل إلى عامين".

وأضاف: "سوف يساعد الضحايا في معظم المقاطعات الريفية بمنحهم فرصة للكفاح، حيث كان معدل الوفيات مرتفعاً في الماضي".

تحميل المزيد