دائماً ما يخطر في بالي عندما أكون عالقاً في زحمة السير وأنا أشتمّ رائحة وقود السيارات: لماذا لم ينتقل العالم إلى استخدام السيارات الكهربائية رغم مرور عدّة عقود على اختراعها.
أليست السيارات الكهربائية صديقة للبيئة؟ أليس استخدامها سيخلّصنا من مشاكل الاحتباس الحراري التي تفتك بالعالم أو على الأقل سيخفض من نسبة تأثيرها؟
دعونا نتحدث في هذا المقال عن السيارات الكهربائية منذ بداية اختراعها والتحديثات التي جرت عليها، إضافة إلى تأثيرها على البيئة.
اختراع السيارات الكهربائية
تعود فكرة السيارات الكهربائية إلى ما يزيد على 100 عام عندما قدمت أول سيارة كهربائية ناجحة في عام 1890 وذلك بفضل الكيميائي ويليام موريسون.
وكانت سيارته تتسع لستة ركاب وسرعتها القصوى 14 ميلاً في الساعة أكثر قليلاً من مثيلاتها من العربات المكهربة، ولكن ساهمت في إثارة الاهتمام في السيارات الكهربائية.
بعد هذا الإنجاز وعلى مدى السنوات القليلة المقبلة، بدأت صناعة السيارات الكهربائية من شركات السيارات المختلفة وظهرت في جميع أنحاء مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، حتى تكوّن أسطول لسيارات الأجرة الكهربائية بأكثر من 60 سيارة.
وبحلول عام 1900، كانت السيارات الكهربائية في أوجها، حيث كانت تمثل نحو ثلث جميع المركبات على الطريق. وقد استمر المصنعون في إظهار مبيعات قوية خلال العشر السنوات المقبلة.
توقف الاهتمام بتطوير السيارة الكهربائية
وبينما سار تطور سيارة الاحتراق الداخلي التي تعمل بالبنزين أو الديزل على قدم وساق خلال القرن الماضي تخلّف تطور السيارة الكهربائية.
وقد غيّر ذلك اختراع الترانزيستور خلال الأربعينيات من القرن العشرين، حيث بدأت إحدى الشركات عام 1947 في إنتاج سيارة تعمل بالطاقة الكهربائية، وباستخدام الترانزيستور استطاعت إنتاج سيارة سميت هيني كيلوات Henney Kilowatt.
ورغم نجاح عمل تلك السيارة الكهربائية، فقد اتضح أن سعرها مرتفع مقارنة بسعر السيارات التقليدية، الأمر الذي أدى إلى إنهاء إنتاجها عام 1961 لعدم الإقبال عليها.
في السبعينيات عاد الاهتمام لتطويرها مجدداً
بعد غياب عن السوق وحدوث أزمة النفط العالمية 1973، بدأ الاهتمام ثانياً بالسيارة الكهربائية ليس فقط من أجل خفض الاعتماد على البترول المستورد من دول الشرق الأوسط، بل أيضاً لضرورة المحافظة على البيئة.
وأصدرت كاليفورنيا قوانين لإجبار شركات السيارات على إنتاج سيارات ملائمة للبيئة بحيث تشكل 10% من مجموع السيارات في تلك الولاية حتى عام 2003.
إلا أن السيارات الكهربائية المُنتجة كانت مرتفعة السعر، فكان ثمنها يتراوح من ضعف إلى ثلاثة أضعاف ثمن السيارات العادية.
فلم تنجح السيارة الكهربائية في جلب المشترين ما أدى لابتعاد المنتجين عن إنتاج هذه السيارات والتفتوا إلى تطوير محركات البنزين لتقليل العادم؟
هل أضرار السيارات الكهربائية أقل من العادية؟
فكرة حماية البيئة تدفع كثيراً من الناس لشراء السيارات الكهربائية، ولكن هل هذا الأمر صحيح؟
السيارات الكهربائية صديقة للبيئة لا تنبعث منها الغازات الضارة، كما أنها سهلة التشغيل ولا تصدر أصواتاً مزعجة.
وحكومات العديد من الدول تشجع مواطنيها على التحول للسيارة الكهربائية تضرب عصفورين بحجر واحد، فهي من ناحية تساعد على تحقيق أهداف الدول بتقليل الانبعاثات الغازية، كما أنها تقلل من معدلات التلوث في المدن.
لكن ورغم كل هذه المزايا فإن السيارة الكهربائية ليست الحل المثالي، فعندما يعتمد تشغيل السيارة على الكهرباء المستمدة من حرق الوقود الأحفوري، فهذا لا يضيف الكثير لمساعي حماية المناخ.
في الوقت نفسه يحتاج إنتاج السيارة الكهربائية لطاقة أكبر من السيارات التقليدية، وهو أمر يرجع لبطارية السيارة المعقدة، كما أن التخلص من هذه البطاريات بعد ذلك يمثل عبئاً على البيئة.
ورغم عدم انبعاث غازات ضارة من السيارة الكهربائية أثناء سيرها على الطريق، فإن هذه الغازات تنبعث من المفاعلات التي تقوم بتوليد الكهرباء اللازمة لتشغيل السيارة.
ويحتاج إنتاج السيارة الكهربائية لمعادن مثل النحاس والكوبالت والنيوديميوم النادر، يرجع مصدر الكثير من هذه المعادن للصين وللكونغو ويتم استخراجه بعمليات لا تخلو من خروقات حقوق الإنسان والإضرار بالبيئة.
وفيما يخص قضية العوادم الضارة الناتجة من السيارات، أظهرت دراسات أن السيارة التي تعمل ببطارية وتستمد الكهرباء من الوقود الأحفوري، هي أكثر إنتاجاً للغازات الضارة خلال فترة استخدامها، من سيارات الديزل، لكنها في الوقت نفسه أقل إصداراً للعوادم من السيارات التي تعمل بالبنزين.
أما السيارة الكهربائية التي تعمل بكهرباء مستمدة من مصادر متجددة للطاقة، فإن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصادرة عنها طيلة فترة تشغيلها، أقل 6 مرات من السيارة التي تعمل بالبنزين. وتؤكد هذه النتائج ضرورة تركيز الدول على طرق إنتاج الكهرباء، حتى تصير السيارة الكهربائية أكثر فاعلية.
في الوقت نفسه تحتوي بطارية السيارة الكهربائية معقدة التركيب، على مواد كيميائية سامة.
لذلك نجد أن استخدام السيارات الكهربائية له فوائده ولكن في الوقت ذاته له أضرار لا تقل خطورة عن السيارات العادية
كيف تعمل السيارة الكهربائية؟
تعمل هذه السيارة المسماة بصديقة البيئة باستخدام الطاقة الكهربائية، وهنالك العديد من التطبيقات لتصميمها وأحد هذه التطبيقات يتم باستبدال المحرك الأصلي للسيارة، ووضع محرك كهربائي مكانه.
وهي أسهل الطرق للتحول من البترول للكهرباء مع المحافظة على المكونات الأخرى للسيارة ويتم تزويد المحرك بالطاقة اللازمة عن طريق بطاريات تخزين التيار الكهربائي.
وتعتبر السيارة الكهربائية أنسب من سيارات محرك الاحتراق الداخلي من ناحية المحافظة على البيئة حيث لا ينتج عنها مخلفات ضارة بالبيئة.
ويكاد ينحصر التطور الحالي بالنسبة للسيارات الكهربائية على سيارات صغيرة قصيرة المدى، حيث تحتاج إلى بطاريات ثقيلة ومرتفعة الثمن، إذ تحتاج بطاريتها قدرة نحو 6000 مركم من نوع بطارية ليثيوم أيون التي تستخدم في الهاتف المحمول.
مقارنة الديزل والبطارية
حينما تحتاج السيارة العادية إلى 30 كيلوغراماً من الديزل لقطع مسافة 400 كيلومتر فإن السيارة الكهربائية تحتاج إلى بطارية وزنها 450 كيلوغراماً لقطع نفس المسافة.
ولأن مواد صناعة البطارية مرتفعة الثمن يفسر هذا الموضوع هذا المثال سبب ارتفاع ثمن السيارة الكهربائية عن ثمن مثيلاتها التي تعمل بالبنزين أو الديزل.
شحن بطارية السيارة
بالنسبة إلى شحن بطارية السيارة الكهربائية فيعتمد زمن الشحن على قدرة السيارة ونوع التيار.
فتحتاج سيارة كهربائية قدرتها 40 كيلوات ساعة نحو 11 ساعة لشحنها بالتيار المنزلي ذي الطور الواحد (16 أمبير و 7 و3 كيلوواط)، في حين أنها تشحن لمدة 4 ساعات عند توصيلها بتيار ثلاثي الأطوار (16 أمبير، 11 كيلوواط).
وتحتاج السيارة الكهربائية ذات القدرة 12 كيلوواط ساعة نحو 3 ساعات لشحنها بالمنزل (بتيار أحادي الطور)، بينما يتم شحنها بتيار ثلاثي الأطوار خلال ساعة واحدة.
تأثير السيارات على التغيير المناخي
أصبحت السيارات بجانب أجهزة التدفئة المنزلية السبب الرئيسي في الضباب الدخاني بالمدن، الذي بات أمراً مزمناً في العواصم الآسيوية الكبرى.
ووفقاً للوكالة الفرنسية للسلامة الصحية البيئية (AFSSE)، فإن الانبعاثات الناجمة عن السيارات مسؤولة عما يناهز ثلث تلوث الهواء، وستكون مسؤولة عن وفاة 6500 إلى 9500 شخص كل عام في فرنسا.
ووفقاً لدراسة للتلوث فإن 4.9% إلى 11% من الوفيات في الفئة العمرية بين 60 إلى 69 سنة هي بسبب الجسيمات المعلقة، وتعد وسائل النقل البري المصدر الثاني لهذه الجسيمات.
وبالإضافة للتأثيرات المباشرة مثل دهس الحيوانات بالسيارة، فلوسائل النقل الآلي تأثيرات غير مباشرة على البيئة بواسطة الطرق وتجزؤ المناظر الطبيعية والتلوث بما في ذلك التلوث الضوئي والملوثات الناجمة عن احتراق المركبات أو بعض حوادث الطرق.