قيام ضابط شرطة إسرائيلي بقتل مراهق من أصل إثيوبي واندلاع أعمال شغب واسعة أوقعت عشرات الإصابات في صفوف الشرطة والمحتجين واعتقالات بالجملة، فجَّرت جميعها قضية العنصرية داخل دولة يتباهى قادتها بأنها "واحة الديمقراطية والاستقرار" المحاطة بأعداء يريدون تدميرها.. فما هي التركيبة السكانية للمجتمع الإسرائيلي؟ وهل فعلاً توجد طبقية عنصرية داخل إسرائيل تقصر المناصب العليا على فئة من مواطنيها دون أخرى؟
أحداث شغب واحتجاجات
أدى مقتل سولومون تاكا، البالغ من العمر 18 عاماً، برصاص شرطي في مدينة حيفا الأحد 30 يونيو/حزيران 2019، ثم إطلاق سراح الشرطي بعد احتجازه يومين، إلى اندلاع احتجاجات وأعمال شغب في المدن الإسرائيلية ووقوع اشتباكات بين المحتجين إسرائيليين من أصول إثيوبية أو الفلاشا والشرطة، بحسب الـ "بي بي سي".
الحادث ليس الأول من نوعه، حيث غالباً ما تشهد المدن الإسرائيلية احتجاجات من طرف المواطنين ذوي الأصول الإثيوبية ضد التمييز، وتتخلل الاحتجاجات مظاهرات حاشدة يتبعها إغلاق للطرقات وإضرام النار في المتاجر، فضلاً عن شن هجمات على الشرطة والتهديد بالانتحار في حال عدم تلبية طلباتهم، بحسب موقع "روسيا اليوم"، الخميس 4 يوليو/تموز 2019.
من هم الفلاشا؟
الفلاشا هم اليهود الإثيوبيون الذين هاجروا إلى إسرائيل على موجتين رئيسيتين بالثمانينات وفي التسعينيات من القرن الماضي، بعد اعتراف إسرائيل بالجالية اليهودية بإثيوبيا عام 1975. الموجة الأولى كانت عام 1984 وأطلقت عليها إسرائيل "عملية موسى"، والثانية عام 1991 وسميت "عملية سليمان"، حيث تم تهجير أعداد كبيرة منهم إلى إسرائيل جواً. وفي مايو/أيار 1991، على سبيل المثال، تم نقل أكثر من 14 ألفاً منهم في ظرف 36 ساعة فقط، بطائرات مدنية وحربية، بحسب "سي إن إن".
اليوم يبلغ عدد الفلاشا أكثر من 140 ألفاً يمثلون نحو 1.5% من عدد سكان إسرائيل البالغ نحو 9 ملايين نسمة، بحسب مكتب الإحصاء والسكان هناك.
من هم الأشكيناز؟
منذ الإعلان عن قيام دولة إسرائيل في مايو/أيار 1948، توافد المهاجرون اليهود إليها من مناطق مختلفة من العالم في فترات متفرقة، وهناك 4 تقسيمات رئيسية للمواطنين اليهود داخل الدولة.
الأشكيناز هم اليهود المهاجرون من أوروبا وروسيا، وتولَّى الأشكيناز مقاليد الأمور في إسرائيل منذ إعلان تأسيسها، حيث سيطروا على كل مناحي الحياة اليومية من السياسة إلى الإعلام ومن الاقتصاد إلى الثقافة، وأدى ذلك إلى احتجاجات متعددة من جانب الفئات الأقل حظاً مثل السفارديم (اليهود من أصول عربية وإفريقية وآسيوية)، ومؤخراً يهود الفلاشا القادمين من إثيوبيا.
من هم السفارديم؟
التهميش الذي طال السفارديم والفلاشا تمثل في وجودهم بمجتمعات في مناطق جغرافية محددة ومساحات اقتصادية واجتماعية وسياسية أقل كثيراً من الأشكيناز، بحسب دراسة تحليلية للمجتمع الإسرائيلي.
السفارديم وصف يطلق على اليهود الشرقيين، وإن كان غير دقيق، لأنه لا يضم فقط اليهود من الدول العربية، لكنه يضم أيضاً اليهود الذين ينحدرون من بقية الدول باستثناء أوروبا وروسيا (الأشكيناز) وإثيوبيا (الفلاشا).
بلغ عدد سكان إسرائيل نحو 9 ملايين نسمة بحسب آخر تعداد، العام الماضي، 76% منهم من اليهود الذين ينقسمون إلى أربع مجموعات طبقية رئيسية: الأشكيناز، والسفارديم (الذين ينحدرون من آيبيريا أو الأندلس بالأساس (إسبانيا والبرتغال) لكنهم عاشوا في دول متفرقة، واليهود الشرقيين (من الدول العربية خصوصاً المغرب العربي)، والفلاشا.
معاناة الفلاشا
يتعرض المواطنون الإسرائيليون من إثيوبيا (الفلاشا) لظروف معيشية وتعليمية وسياسية متدنية مقارنة ببقية الجنسيات التي يتشكل منها المجتمع الإسرائيلي، وذلك بحسب المشروع القومي الإثيوبي، وهي جماعة حقوقية تهدف إلى دمج الإثيوبيين في المجتمع الإسرائيلي، حيث يعانون معدل فقر مرتفعاً ومعدلات بطالة مرتفعة ومتوسطات دخل متدنية.
وهذا ما يفسر تكرار حوادث الاحتجاجات والشغب، وإن كانت الأسباب أعمق من الأمور الاقتصادية، حيث إن بنوك الدم الإسرائيلية حتى منتصف التسعينيات كانت تلقي بأكياس الدم التي يتبرع بها الإثيوبيون في القمامة؛ خوفاً من تلوثها بالإيدز، بحسب تقرير الـ "سي إن إن".
في عام 2015، مواطن إسرائيلي يرتدي زي الجيش اسمه داماس باكادا، تعرض للضرب والإهانة من جانب الشرطة على بُعد بناية واحدة من مسكنه، وانتشر الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، مسبباً موجة من الاحتجاجات مشابهة لما يحدث الآن، ومؤكداً أن التمييز العنصري داخل المجتمع الإسرائيلي يمثل بالفعل قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة.
فجوة اقتصادية واجتماعية
منذ الخمسينيات بدأ المهاجرون من آسيا وإفريقيا حياتهم بإسرائيل في ظروف أقل كثيراً من نظرائهم الأشكيناز؛ وهو ما أدى إلى خلق فجوة واضحة تحولت مع مرور إلى طبقية واضحة عانتها الأجيال الثانية التي وُلدت على أرض إسرائيل، وانعكس ذلك في مستويات التعليم ونوعيات الأعمال التي تقوم بها كل طبقة ومستويات الدخل والمعيشة، وذلك بحسب دراسات المنظمة اليهودية.
واستمرت الفجوة في الدخل والوظائف والتعليم ومستوى المعيشة، تتسع من جيل إلى آخر، فعلى سبيل المثال كانت الفجوة بمتوسط الدخل تتمثل في حصول المواطن الرجل من غير الأشكيناز على 73% من متوسط دخل الرجل الأشكينازي، لكن الفجوة اتسعت مع الجيل الثاني إلى 58% فقط.
الفجوة نفسها ظلت تتسع حتى تدنَّت إلى حصول الرجل الإسرائيلي من أصول شرقية إلى 12% إلى 20% فقط كمتوسط دخل مقارنة بنظيره من الأشكيناز، وتتدنى تلك النسب أكثر بين يهود الفلاشا.
قنبلة زمنية
الطبقية العنصرية داخل المجتمع الإسرائيلي تمثل قنبلة يمكن أن تنفجر في أي وقت، خصوصاً مع تركيز قادة إسرائيل الذين ينتمي معظمهم إلى الأشكيناز، على رسم صورة للدولة تغاير الواقع الفعلي. ومع سيطرة الأشكيناز معظم الوقت على الإعلام يتم التعتيم في أغلب الأحيان على مظاهر تلك الطبقية، رغم انفجارها مع كل حادث عنصري مثل مقتل المراهق الإثيوبي.
فوفقاً لبيانات مكتب الإحصاء المركزي لإسرائيل لعام 2017، يحصل 55.4% فقط من تلاميذ المدارس ذوي الأصول الإثيوبية على شهادة الاستحقاق. وفي غالب الأحيان، يرجع سبب الشعور المعادي للمجتمع إلى سوء المستوى التعليمي بالنسبة لليهود ذوي الأصول الإثيوبية، والذي أدى بدوره إلى نسبة البطالة بينهم، وتتبنى الجالية الأرثوذكسية المتطرفة في إسرائيل التمييز العنصري ضد العائدين من إثيوبيا على أساس ديني، حيث إن بعضهم مسيحيون وليسوا يهوداً.
وقال مبعوث الوكالة اليهودية في إثيوبيا لـ "روسيا اليوم"، إن اليهود المتدينين قاموا بتضخيم هذه الحقيقة: "يأتون إلى إسرائيل وهنا يعودون إلى المسيحية، حتى إنهم بنوا الكنائس لأنفسهم، أسأل نفسي: هل هذا غباء أم تشويه متعمد؟ ربما كلاهما، ففي القدس، توجد بالفعل كنيسة إثيوبية، لكنها بُنيت قبل قرن من الزمان. يوجد في البلدة القديمة بالقدس مكتب تمثيلي للكنيسة الإثيوبية التي تعمل هناك منذ 1500 عام".
وقالت المنظمة الإسرائيلية (فيدال)، التي تنادي بالاندماج الكامل لليهود الإثيوبيين في المجتمع الإسرائيلي، إن العائدين من إثيوبيا يشكلون أنفسهم تمييزاً، وتشكل في المقام الأول مظاهر للعنصرية: "من غير المعقول في عام 2019، يشعر رجل إثيوبي وُلد في إسرائيل بعدم الأمان في الشارع، ولكن هذا هو بالضبط ما يحدث اليوم في المناطق والمجتمعات التي يتمركز فيها العائدون الإثيوبيون".
وحمل المتظاهرون، الذين خرجوا في احتجاجاتٍ ليلة الأربعاء، لافتات تحمل شعارات: "هذه عقوبة دون محاكمة"، "لا يوجد فرق بين الدم والدم"، "يسقط تعسف الشرطة"، "لا يوجد أسود ولا أبيض، إننا جميعاً بشر".
المناصب العليا حكر على فصيل
وتكاد تكون المناصب السياسية العليا في إسرائيل حكراً على الأشكيناز، أما السفارديم (الذين ليسوا من أصول عربية أو إفريقية أو آسيوية) فيمكن أن يوجد بينهم من يترقى ضمن الرتب العسكرية في الجيش إلى رتبة اللواء، أو أن يكون منهم عضو في الكنيست أو عضو بارز بحزب سياسي صغير.
أول رئيس لإسرائيل حاييم وايزمان، وأيضاً ثاني رئيس، وأول شخص يتولى المنصب بالانتخاب إسحاق بن زيفي، وديفيد بن جوريون أول رئيس للوزراء، وموشي شاريت رئيس الوزراء الأسبق، وليفي أشكول الذي خلف بن غوريون كلهم من الأشكيناز، في حين أن بنيامين نتنياهو، الذي يرى البعض أنه ينتمي إلى السفارديم، يقول هو عن نفسه إن جذوره ترجع إلى ليتوانيا.
حزب العمل بشكل عام، يعتبر حزب الأشكيناز، والليكود يمثل أكثر السفارديم، رغم أن الوصف مطاطي وغير دقيق، ونتنياهو نموذج في هذا الشأن.
المهاجرون من الطبقات الثلاث (الدول العربية والإفريقية والآسيوية) والفلاشا بالطبع لا يبدو لهم حظ في الوصول إلى المناصب العليا بالدولة.