ربما يمثل سؤال "كيف أصبح الكون موجوداً؟" اللغز الأكبر، وهو أصل كل شيء آخر، وتُشتَق منه أكبر أسئلة البشرية؛ كيف بدأت الحياة؟ وما هو الوعي؟ ما هي المادة المظلمة، والطاقة المظلمة، والجاذبية؟
تقول آن دوريان، الكاتبة وأرملة عالم الفلك كارل ساغان لموقع Live Science الأمريكي: "كل الألغاز الأخرى ستقودك إلى ذلك السؤال. الأمر يهمني لأنني بشر، ولا أحب الجهل بالأمور".
ومع تزايد التعقيدات المحيطة بالنظريات التي تحاول حل ذلك اللغز، تطارد العلماء فكرة احتمالية أن تكون بعض الروابط الأهم في تسلسل أفكارهم خاطئة.
بداية نشأة الكون: الانفجار العظيم
وفقاً لنموذج الانفجار الكبير أو العظيم، وُلِدَ الكون خلال فترة التضخم التي بدأت منذ حوالي 13.8 مليار سنة. إذ تمدَّد الكون بسرعة، مثل البالون، من حجم أصغر من الإلكترون إلى ما يقرب من حجمه الحالي خلال جزء صغير من الثانية.
في البداية، لم يخترق الكون إلا الطاقة فقط. وتجمعت بعض هذه الطاقة في جزئيات، والتي كوَّنت ذرات خفيفة مثل الهيدروجين والهيليوم. وتجمَّعَت تلك الذرات أولاً لتُشكِّل المجرات، ثم النجوم، حيث تكوَّنَت جميع العناصر الأخرى بداخل تلك الأفران النارية.
هذه هي الصورة العامة المتفق عليها لنشأة الكون وفقاً للعلماء. إنه نموذجٌ قوي يُفسِّر العديد من الأشياء التي يراها العلماء عند النظر إلى السماء، مثل الانسيابية الملحوظة للزمكان على نطاقاتٍ كبيرة والتوزيع المتساوي للمجرات على جانبيّ الكون المتقابلين.
لكنْ هناك شكوك
ولكن هناك أشياءٌ حول هذه القصة تجعل العلماء مُتشكِّكين. في البداية، لا يمكن اختبار أو التحقُّق من فكرة وجود فترة التضخم السريع للكون في بداية التاريخ، إذ تعتمد الفكرة فقط على وجود شكل مجهول من الطاقة في بداية الكون ولكنها اختفت منذ وقت طويل.
قال إيريك أغول، عالم الفيزياء الفلكية في جامعة واشنطن: "نظرية التضخم قوية للغاية، ولكننا ما زلنا بلا أفكار حول سبب التضخم أو إذا كانت حتى النظرية صحيحة، بالرغم من أنها تفسر الكثير".
بالنسبة لبعض العلماء، فإن نظرية التضخم تمثّل إضافة غريبة لنموذج الانفجار الكبير، وتعقيدات ضرورية لتتماشى مع الملاحظات والمعطيات، وأنها لن تكون الإضافة الأخيرة.
قال بول شتاينهاردت، أستاذ الفيزياء النظرية بجامعة برنستون: "لقد علمنا أيضاً ضرورة وجود مادة مظلمة في الكون، والآن طاقة مظلمة. لذا، فالطريقة التي يعمل بها النموذج حالياً عبارة عن جزء من الانفجار الكبير، ثم جزء من التضخم، ونخلطهما معاً للوصول إلى الخصائص والمعطيات المطلوبة، مع إضافة مقدار معين من المادة المظلمة والطاقة المظلمة. كل هذه الأمور لا تجمعها نظرية متناسقة أو متماسكة".
ويخشى شتاينهاردت من أن علماء الكونيات يتصرفون كمهندسين أكثر من كونهم علماء. إذا لم تتماش أي ملاحظة مع النموذج الحالي، يلصقون بالنموذج مكوناً آخر أو يحوّرونه ليتلاءم مع المعطى الجديد.
كل هذه المكونات الإضافية غير متصلة ولا يوجد سبب لإضافتها إلا لتتماشى مع الملاحظات. الأمر أشبه بمحاولة إصلاح سيارة قديمة بإضافة أجزاء من سيارة أحدث ولكن من طرازات مختلفة. قد تعمل تلك الأجزاء على المدى القصير، ولكن في النهاية، ستحتاج إلى سيارة جديدة.
كونٌ مُتجدِّد الشباب
خلال السنوات الأخيرة، عمل شتاينهاردت مع آنا إيجاس، أستاذة الفيزياء النظرية بجامعة هارفارد، على بديل جذري لنموذج الانفجار الكبير.
ووفقاً لفكرتهم، والتي تُعرَف بالارتداد الكوني، فإن الكون لم يولد مرة واحدة فقط، بل مرات عديدة في دوراتٍ لا نهائية من الانكماش والتمدد. لتحل بذلك نظرية "الارتداد الكبير" محل "الانفجار الكبير"، حيث تربط النظرية الجديدة بسلاسة فترات انكماش وتمدد الكون وتحل العديد من المشكلات التي تهدد مصداقية نظرية التضخم.
يزعم الثنائي أن نظريتهم للكون المتجدد، أو "الدوري"، لا تفسّر فقط التضخم، بل العديد من الألغاز الكوني الأخرى، مثل المادة المظلمة، والطاقة المظلمة، ولماذا يظهر الكون متوسعاً بشكل متزايد وسريع ومستمر.
وبالرغم من كونها نظرية مثيرة للجدل، تزيد نظرية الارتداد الكوني الاحتمالات التي تشير إلى أن الكون دائم الشباب ومتجدد ذاتياً. وربما تكون النظرية أكثر إلهاماً من فكرة كون له بداية ونهاية محددين، والتي تعني أن النجوم في السماء، حتى أقدمها، مجرد وميض عابر في مخطط أكبر للأشياء.
وقال ريتشارد ماسي، عالم الفلك في معهد كاليفورنيا للتقنية: "أتمنَّى أن تصب جهود مجتمع البحث العلمي لصالح تقريبنا من الحقائق الأساسية، وليس مجرد وسيلة لصناعة أدوات مفيدة. ولكنني أخشى بنفس القدر من اكتشاف أن كلَّ شيء أعرفه خطأ، وأتمنَّى في قرارة نفسي ألا يحدث ذلك".