تبدو فكرة مقاضاة أي دولة غربية من التحق من مواطنيها بتنظيم داعش الإرهابي، وقاتل إلى جانبه في سوريا والعراق، أمراً منطقياً ومفهوماً. إلا أن الموقف الحاصل الآن في ألمانيا يبدو غريباً من نوعه.
فقد أصبح ألماني من مدينة كاسل (ولاية هيسن) يدعى فابيان غيرهارد، والمعتقل في شمال شرق سوريا، ثاني منضم لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" يقاضي بلاده لعدم عملها على إعادته إلى أراضيها.
ووكل فابيان المحاميين علي آيدين وسيدا باساي-يلديز (التي مثلت ضحايا خلية النازيين الجدد "إن إس أو" وتعرضت لتهديدات عنصرية بالقتل مؤخراً)، ليقوما بإجبار
الحكومة الألمانية قانونياً على إعادته لألمانيا، بحسب ما نقل موقع "هيسن شاو" عن المحامين.
وكان المحاميان قد رفعا دعوى مشابهة على الحكومة، لكن عن مواطن يدعى دينيز من مدينة أوفنباخ مسجون في كردستان العراق. ويُحقق ضد المذكور هناك للاشتباه بتورطه بأنشطة إرهابية.
شاهد ابنه في سوريا بعد أن أخبرته السلطات أنه ميت
وكان فابيان قد ذهب مع شقيقه مانويل (22 عاماً) عام 2014 إلى سوريا للانضمام للتنظيم. وكان الاثنان قد نأيا بأنفسهما عن والدهما الذي اتهماه بـ"العمل ضد الإسلام والمسلمين" في شريط فيديو.
لكن الأب يواخيم غيرهارد قال لتلفزيون "هيسشه روندفونك" إنه لم يأخد الفيديو على محمل الجد، مستشهداً بتواصل ابنيه مع زوجته السابقة بعد ذلك، وقولهما إنه سيكون جيداً إن لم يأخد والدهما الفيديو على محمل الجد.
وبعد رحلة بحث طويلة منذ أعوام، أكد غيرهارد أنه تعرف على واحد من ابنيه اللذين التحقا بتنظيم داعش، فابيان (26 عاماً)، خلال زيارة له لمدينة القامشلي السورية قبل أشهر قليلة.
وادعي، بحسب موقع "فيلت"، أيضاً أن شرطة حماية الدولة في مدينة كاسل أخبرته عام 2016، إن ابنيه ماتا خلال القتال مع التنظيم حول مدينة كوباني (عين العرب).
أما محاميا الابن فابيان فيوضحان أن الأب سافر لسوريا بناء على معلومة هاتفية من المناطق التي تسيطر عليها وحدات الحماية الكردية، وأنه وإن لم يُسمح له بالتحدث مع فابيان في القامشلي، لكن سُمح له من قبل إدارة السجن برؤيته من بعيد، فتعرف عليه بوضوح.
وأشار المحاميان إلى أن الأب تعاون على نطاق واسع مع شرطة حماية الدولة الألمانية ليضمن إعادة ابنه لألمانيا.
الأكراد يوافقون على تسليمه إذا رغبت ألمانيا
وقال الأب إن مسؤولين في قوات سوريا الديمقراطية أكدوا له إنهم سيسمحون بمغادرة فابيان في حال قدمت ألمانيا طلباً بتسلمه.
إلا أن الحكومة الألمانية لا ترى مصلحة لها في ذلك لأسباب سياسية، وتفضل أن يختفي ابناه والإسلامويون المتشددون للأبد.
ويدعي الأب أن هناك معلومات عن كون ابنه الآخر مانويل على قيد الحياة أيضاً، لكنه دون أثر واضح يقود إليه.
ويعتقد أنه من حق ابنه على ألمانيا أن تعيده للبلاد ليمثل أمام محكمة ألمانية ويتلقى عقوبته، لا أن يحصل على حكم الإعدام في سوريا أو العراق.
ويعلم الأب أن طريق استعادة أحد ابنيه طويل وصعب، وأنه لن يعود هكذا ببساطة إليه، بل سيخضعان للتحقيق من قبل السلطات الأمنية وقد يُحاكمان، لكنه يعتقد أن ذلك حتى أفضل من لا شيء.
لماذا تتباطأ الحكومة الألمانية عن إعادة مواطنيها الداعشيين؟
ويشير تلفزيون فيلت إلى أن الحكومة الألمانية تمتنع عن إعادة مقاتلي داعش الألمان، بحجة عدم وجود علاقات دبلوماسية مع "الحكومة السورية"، وعدم تعرفها على قوات سوريا الديمقراطية كشريك مفاوض، لكنها في الواقع لا ترغب بذلك لأنهم يشكلون خطراً أمنياً.
وأوضح أنه وبحسب معلوماته فإن دعاوى أخرى ستتلو المذكورة قريباً، من قبل سجناء ألمان آخرين في سوريا، وأن الحكومة الألمانية لا تخطط حالياً سوى لاستعادة الأيتام، مع استمرارها في إجراء محادثات حول تشكيل محكمة دولية خاصة بداعش بعيداً عن أوروبا.
وأكدت المحكمة الإدارية في برلين تسجيل دعوى ضد الدولة الألمانية، في هذا الخصوص، دون أن تضع موعداً لبدء التداول. وسينبغي على الخارجية الألمانية التجاوب مع القضية في الأسابيع القادمة.
وبحسب تقييم أولي لخبير في القانون الدستوري في جامعة غوتنغن، تبدو فرص نجاح الدعوى ضئيلة، مستشهداً برفض المحكمة في برلين دعاوى مشابهة.
والده ومحامياه يخشيان الحكم عليه بالإعدام
ويبرر محاميا فابيان دعاويهم بالإشارة إلى أن علاقة الحماية والولاء القائمة بين جمهورية ألمانيا الاتحادية والمواطنين، وأن المبدأ الدستوري سار حتى في خارج البلاد.
وعبر محامياه عن خشيتهما -بسبب الوضع السياسي غير المستقر في شمال سوريا- من الحكم على موكلهما بالإعدام، حال تم تسليمه للنظام السوري أو للدولة الجارة العراق.
ويقدر عدد الألمان المعتقلين في العراق وسوريا بـ 85.
ويعتبر فولكر بوهمه-نيسلر الباحث القانوني في جامعة أولدنبرغ أن الوضع القانوني واضح في الدستور الألماني والقانون الدولي، وهو أنه يجب إعادة فابيان وشقيقه، بصرف النظر عن ارتكابهما جرائم أو كونهما إرهابيين.