يبدو أن إعلان عملاق التواصل الاجتماعي فيسبوك إطلاق عملته الجديدة ستكون له آثار خطيرة على الاقتصاد العالمي، فما هي تلك المخاطر ومن أبرز المتوقع تأثرهم وهل يمكن أن تضع نهاية للبنوك المركزية التقليدية؟
الإجابة في تقرير نشره موقع كوارتز الأمريكي، بعنوان "بدأت عملة ليبرا من فيسبوك تبدو مثل السرطان".
وتستطيع العملة الرقمية، التي أعلنت عنها الشبكة الاجتماعية العملاقة يوم 18 يونيو/حزيران، أن تُعيد تشكيل تسلسل السيادة الهرمي العالمي. إذ حذّرت كلير فينكلشتاين، باحثة الأمن القومي في كلية القانون بجامعة بنسلفانيا، أنَّ عملة ليبرا ربما "تَحُدُّ من قوة الدول القومية".
وتُخاطر الدول الأصغر تحديداً بفقدان السيطرة على اقتصادها، في ظل الاعتماد على عملة فيسبوك. ومن المتوقع إصدار عملة ليبرا في عام 2020.
نهاية البنوك المركزية في الدول النامية؟
وربما تُقوِّض عملة ليبرا سلطة البنوك المركزية في الدول النامية، وفقاً لتقييم كريس هيوز، أحد مؤسسي فيسبوك الذي تحوّل إلى واحدٍ من منتقدي الموقع، وربما يُعاد توزيع تلك السلطات "لصالح الشركات متعددة الجنسيات والبنوك المركزية للاقتصادات الكبرى".
وذلك لأنَّ عملة فيسبوك الرقمية ستُدعم باحتياطي من العملات المستقرة، مثل الدولار الأمريكي واليورو والين، وبذلك يُزوِّد فيسبوك مواطني الدول النامية ببديلٍ لعملاتهم المحلية، عن طريق توفير إصدارات رقمية من العملات القوية داخل تلك الدول، وفصّل هيوز المخاطر المحتملة لهذه الخطة في مقالٍ نشرته صحيفة فايننشال تايمز، قال فيه:
"رعاة العملة الجديدة (ليبرا) مُحقُّون في أنَّ العملة السائلة والمستقرة ستجذب الكثيرين في الأسواق الناشئة. وهي عملةٌ شديدة الجاذبية في الواقع، لدرجة أنَّ توقُّف ما يكفي من الأشخاص عن التداول بعملاتهم المحلية سيُهدِّد قدرة حكومات الأسواق الناشئة على التحكُّم في مواردها المالية، والوسائل المحلية لتبادل العملات، وقدرتها على فرض الضوابط اللازمة على رأس المال في بعض الحالات."
تخيَّل أن تُصبح ليبرا هي العملة الأكثر شعبيةً داخل نيجيريا، أو تركيا، أو سوريا. فسيُصبح من الصعب آنذاك تصوُّر الآثار المباشرة والفورية لذلك على اقتصاداتهم المحلية (مثل المعاملات عبر الهواتف المحمولة مثلاً)، ولكن لا يمكن إنكار الآثار بعيدة المدى على حكوماتهم.
وربما تُجبر هذه الدول على الامتثال لقرارات النظام الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي، بدلاً من الاعتماد على السياسات النقدية للبنوك المركزية في تلك البلدان. وقد تفقد الحكومات في الدول النامية قدرتها الضريبية، وربما شرعيتها أيضاً. وصحيحٌ أنَّني أرسم هنا وجهة نظرٍ قاتمة للأمور، ولكن يجب أن نتساءل إن كان من الصواب أن تُعيد المؤسسات الغربية استعمار الشرق بطريقٍ غير مباشر.
مخاطر على الدول الكبرى
وربما تتعرض الكثير من الدول المتقدمة للخسائر نفسها أيضاً. إذ لم توافق واحدةٌ من الدول، التي ربما يتم تضمين عملاتها في سلة ليبرا، على مخططات فيسبوك، أو تُقرِّر الاعتماد عليها على حد علمنا. وربما تفشل تلك الدول في الهروب من ذلك الوضع، في حال زادت عملة ليبرا مخاطر استقرارهم الاقتصادي، أو تعرُّضهم للتقلُّبات أمام العملات الأجنبية. وحين نتحدث عن المال، نجد أنَّه من المرجح أن تعتمد فيسبوك على شركاء مصرفيين من سويسرا للاحتفاظ بالاحتياطي النقدي لعملة ليبرا. وتأسَّست مؤسسة ليبرا فعلياً بصفتها منظمةً غير ربحية في جنيف، وهي مجموعةٌ تضم أكثر من 28 مؤسسة تهدف لإدارة الاحتياطي.
وليست البنوك المركزية الخاسر الوحيد هنا. فماذا سيحدث للاقتصاد العالمي إبان الإعلان عن أرباح فيسبوك، وسط عالمٍ تُهيمن عليه عملة ليبرا؟ وماذا سيحدث حين تتراجع أسهم فيسبوك أو Caليبرا، خدمة المحافظ الرقمية التابعة لها؟ إذ تكبَّد الاقتصاد الأمريكي 11 مليار دولار نتيجة خمسة أسابيع من التعطُّل الحكومي، فكم ستُكلِّف اضطرابات عملة ليبرا إذاً؟ صحيحٌ أنَّ هذه التساؤلات هي تكهُّناتٌ تسبق الأحداث، ولكنها تُمثِّل مخاوف منطقية تماماً رغم غرابتها.
وينبغي على قادة ليبرا والمسؤولين الحكوميين من جميع أنحاء العالم التفكير في الاحتمالات السيئة، بدلاً من التطلُّع إلى الأمور الجيدة فقط. فربما يبدو تزويد الأفراد بالقدرة على الوصول المالي من جميع أنحاء العالم بمثابة تطوّرٍ إيجابي للبشرية، ويُمكننا أن نثني على مخططات فيسبوك لإضفاء الطابع الديمقراطي على الخدمات المصرفية، ولكن يجب أن يكون الأمر مدروساً بعناية.
عملة مستقرة؟
وكشفت العملات الرقمية، المعتمدة على تقنية البلوكتشين، عن نقاط ضعف متكررة رغم مزاعم فيسبوك التي تقول إنَّ عملة ليبرا ستكون آمنةً للغاية. إذ انقسمت منصة Ethereum إلى شبكتين متنافستين بعد عملية سرقةٍ هائلة. وعانت Zcash، العملة الخاصة، من خطأ طباعةٍ برمجي لا نهائي. وهناك أيضاً عددٌ لا يحصى من المشكلات المتعلقة بعمليات دخول سوق تداول العملات المُشفرة والخروج منه، مثل منصات التداول، ومقدمي خدمات المحافظ، وإدارة كلمات المرور. ناهيك عن اعتبار عملة ليبرا هدفاً مباشراً وواضحاً للتهديدات الإلكترونية، مما سيُؤدي إلى خطر وقوع كارثةٍ عالمية.
نجاح ليبرا فشل مُجتمعي؟
وتقول سارة جيمي لويس، مديرة منظمة Open Privacy الكندية غير الربحية: "أسوأ سيناريو مُمكن هو أن يزداد تهميش الفئات الأكثر تهميشاً وسط المجتمع، ويُحرموا بذلك من أي نظامٍ مالي. فيعجزوا عن دفع الإيجار لأن تحديث حالتهم على فيسبوك أدَّى إلى تحديد أنَّهم من العاملين في مجال الخدمات الجنسية مثلاً، أو لا يستطيعون الحصول على الرعاية الصحية لأنَّ فيسبوك حدَّد هويتهم على أنَّهم من المحتالين. ستسير الأمور على طبيعتها بالنسبة لفيسبوك، مع إضافة القدرة على تدمير الأرواح بحُجة الحرية، والرضى، واللامركزية".
ولا شك أنَّ ليبرا تستطيع تقديم الكثير من الأمور الجيدة للعالم، على غرار فيسبوك. ولكن يجب على القادة مراجعة وتدقيق كل العواقب غير المرئية، لأنَّ الاقتصاد العالمي على المحك.