تقرير خطير نشره موقع ناشيونال إنترست الأمريكي يكشف سعي المملكة العربية السعودية لامتلاك أسلحة نووية وقيام إدارة الرئيس دونالد ترامب بالمساعدة في هذا الصدد، في غفلة من الكونغرس الي يعد العقبة الوحيدة أمام ترامب والرياض، فهل يتمكن الرئيس مرة أخرى من خداع الكونغرس في هذه المسألة الخطيرة؟
فيكتور غلينسكي مستشارٌ لدى مركز تعليم سياسة عدم الانتشار النووي وهنري سوكولسكي مدير مركز تعليم سياسة عدم الانتشار النووي حاولا دق ناقوس الخطر في مقال نشره موقع ناشيونال إنترست، جاء فيه أن هناك هدوءاً مُريباً في أخبار الصفقة النووية الأمريكية السعودية المقترحة التي تحدثت عنها واشنطن منذ شهور، فهل يمكن أن تكون الإدارة الأمريكية قد تراجعت عن تأييد صفقةٍ ذات منفعةٍ متبادلة مع الأمير المُفضَّل لديها؟
يبدو هذا الاحتمال جيداً جداً لدرجة أنَّه لا يُمكن أن يكون صحيحاً. وهو غير صحيح بالتأكيد مع الأسف؛ فإدارة ترامب وموظفوها المعنيون بالشؤون النووية لا يستطيعون مقاومة إغراء الأموال السعودية، وسوف يعاودون السعي لإبرام تلك الصفقة، لذا يتعين على الكونغرس أن يتخذ إجراءً استباقياً الآن إذا كان يريد إيقاف إبرام صفقةٍ تسمح للأمير السعودي محمد بن سلمان بتجهيز كل شيء يحتاجه إليه لصنع قنبلةٍ نووية، لأنَّه إذا انتظر الكونغرس لمعرفة ما الذي سيوضع على طاولته، فسيكون الأوان قد فات.
إذا وقع ترامب الاتفاق فالأمر انتهى!
فإذا قدَّم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نص اتفاق جرى التفاوض عليه بالكامل إلى الكونغرس، ستكون الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يرفض بها الكونغرس هذا الاتفاق حينئذٍ هي حشد ثلثي أصوات الأعضاء ضده في كلا المجلسين، وهو الأمر الذي يبدو شبه مستحيل في ظل تركيبة الكونغرس الحالية. وإجمالاً، فالقانون الأمريكي، وسلبية الكونغرس المستمرة منذ عقود في مواجهة الإجراءات التنفيذية يصبان في مصلحة ترامب.
إذن فلماذا لم يُبرم ترامب الصفقة بالفعل؟ ربما يرجع ذلك فقط إلى أنَّه لم يتمكن من التفاوض بشروطٍ مفيدة بما فيه الكفاية. وفي الحقيقة، لا يملك ترامب في جعبته الكثير باستثناء تهديد السعوديين بأنَّ أمنهم يعتمد على القوة الأمريكية. إذ لم تعد هناك شركاتٌ أمريكية تبيع محطات الطاقة النووية. فحتى شركة وستنغهاوس، التي غالباً ما كانت محل شك في هذا السياق، مملوكة لليابانيين منذ سنوات. وقد أسفر انعدام كفاءتها الإدارية عن انهيار واحدٍ من المشروعين الوحيدين اللذين تُشرف عليهما لبناء محطاتٍ نووية في الولايات المتحدة، واقتراب الآخر من الفشل. ثم تعرَّضت للإفلاس وأصبحت الآن مملوكة لشركةٍ كندية (وإن كانت تلك الشركة لديها علاقة مالية بعائلة ترامب). لذا فهي شريكٌ غير جذاب على الإطلاق لمشروع إنشاء محطة نووية في دولةٍ أجنبية. وأفضل ما يمكن أن تطمح إليه من الناحية الواقعية هو أن تحاول الاستفادة من أي اتفاقٍ بين السعودية وشركة أخرى أشد صلابة، ربما تكون كورية في المقام الأول.
لن يتركوا الصفقة تفلت من أيديهم
لكنَّ الرئيس وأقرب مستشاريه يبذلون جهوداً واستثماراتٍ كبيرة جداً في العلاقة الأمريكية السعودية لدرجة أنَّهم لا يستطيعون ترك هذه الصفقة النووية تُفلت من بين أيديهم. فهذه العلاقات لا تحمل أهمية شخصية لترامب فقط، الذي كانت المملكة وجهته الخارجية الأولى بعد توليه الرئاسة، لكنَّه أعلن كذلك أن ثرواتها المُفترضة ستوفِّر فرص عمل لا حصر لها في أمريكا، وأنَّها ركيزة أساسية في الجبهة الأمريكية العربية الإسرائيلية ضد إيران.
ومن ثَمَّ، فإذا أراد السعوديون الحصول التكنولوجيا النووية كجزءٍ من الثمن، فلن يصر الرئيس الأمريكي على وضع قيودٍ على طريقة استخدامهم لها. ولفعل ذلك، عليه أن يجد طريقة للالتفاف حول أعضاء الكونغرس المرهقين الذين يواصلون الإصرار على أنه ينبغي لنا ألَّا نشجع انتشار الأسلحة النووية، وأولئك الأشد إرهاقاً الذين يثيرون قضية القتل المؤسف للصحفي السعودي جمال خاشقجي. أي أنَّ أحد أجزاء الاستراتيجية هو إخفاء الإجراءات والتفاصيل عن الكونغرس.
القطار غادر المحطة
ولعل أبرز مثالٍ على ذلك هو ما يسمى بقضية الجزء 810. فلتصدير المعدات المتعلقة بالطاقة النووية، يتعين على اللجنة التنظيمية النووية الأمريكية إصدار ترخيصٍ بذلك. ولا يمكنها فعل ذلك إلَّا في سياق اتفاق مع المستوردين (أي السعوديون في تلك الحالة) بشأن التعاون في مجال الطاقة النووية المدنية، وهو ما يسمى بـ"اتفاقية المادة 123″ من قانون الطاقة الذرية الأمريكي التي تحدد الشروط المتعلقة بتصدير المعدات. ومن ثمَّ، فلتصدير التكنولوجيا، أو المعلومات بالأحرى، أو لأداء الخدمات، يحتاج المُصدِّر إلى موافقة من وزارة الطاقة الأمريكية تُمنَح بموجب الجزء 810 من لوائحها.
وبالفعل كُشِف مؤخراً عن أنَّ وزارة الطاقة الأمريكية قد منحت 7 شركات تسعى إلى إجراء أعمال مع السعودية بشأن أنشطتها النووية موافقاتٍ بموجب الجزء 810. ومع أنَّ مثل هذه الإجراءات دائماً ما كانت علنية في الماضي، أبقتها إدارة ترامب سريةً، معتمدة على الاستثناء الخاص بالمعلومات السرية في اللوائح. وكذلك أضافت وزارة الطاقة حيلةً ذكية، إذ ادَّعت أنَّ اسم المُصدِّر كذلك يعد ضمن المعلومات السرية إلى جانب محتويات تصدير التكنولوجيا، وهو ما يعد تجاوزاً للقانون.
مخالفة القانون بصورة غير مسبوقة
بيد أنَّ الأمر لم يقتصر على ذلك، إذ زعمت وزارة الطاقة أنَّ حتى الكونغرس لا يحق له الاطِّلاع على هذه المعلومات. وهنا ارتكبت وزارة الطاقة خرقاً قانونياً. فقانون الطاقة الذرية (أو بالأحرى المادة 123) تأمر السلطة التنفيذية بإبقاء الكونغرس على علمٍ "كامل وفوري" بأنشطتها. وفي وقتٍ ما منذ عقود، كانت هذه الأوامر القانونية ذات هيبة، وكان المسؤولون النوويون الذين يدلون بشهاداتهم أمام الكونغرس يشعرون بقلقٍ بالغ حيال ما إذا كانوا قد امتثلوا لها تماماً بالفعل.
ولكن في الوقت الحالي، تنازل الكونغرس عن معظم قوته، وتراجعت سلطاته الرقابية لدرجة أنَّه لم يعُد يمارس الرقابة على السلطة التنفيذية. بل وصل الأمر إلى أنَّ بعض أعضاء الكونغرس وموظفيهم فوجئوا بأنَّ القانون يُلزِم السلطة التنفيذية بإبلاغهم بالإجراءات السرية التي تتخذها في المجالات التي يغطيها قانون الطاقة الذرية.
ولا بد أنَّ ذلك كان مفاجأةً لمعسكر ترامب أيضاً، لكنها لم تقلقهم كثيراً. فلقد سيِّروا الأمور بطريقتهم المعتادة: جعل الإجراءات تستغرق وقتاً أطول من اللازم، وإفشاء القليل من المعلومات مع الإصرار على عدم إمكانية إعلانها، وهلُم جرَّا، معتمدين على أنَّ الكونغرس سيفقد اهتمامه بها. وما زال الشعب لا يعرف أسماء مستلمي الموافقات السبع بموجب الجزء 810، أو ماهية مواضيع الموافقات، وهذه معلومات يحق لنا معرفتها.
لذلك، فإذا كان الكونغرس لديه أي ذرةٍ من احترام الذات، فلن يدعم هذا الوضع. ونظراً إلى أنَّ السلطة التنفيذية لا تحترم الأعراف التقليدية للعملية السياسية، فالتشريعات التي تحدد التزاماتها هي الوحيدة التي يمكنها تصحيح التوازن. وبالفعل هناك مقترحان تشريعيان قدَّمهما النائب براد شيرمان (عضو مجلس النواب الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا) والسناتور إد ماركي (عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي عن ولاية ماساتشوستس) لاستعادة سلطة الكونغرس الشرعية المتمثلة في الإشراف على التعاون النووي المدني، وحظره إذا لم يُلبِّ معايير عدم الانتشار.
وصحيحٌ أنَّ تشريعاً كهذا سيواجه صعوبةً في الحصول على موافقة مجلس الشيوخ في ظل تركيبته الحالية، لكنَّ الجهد المبذول في سبيل ذلك مطلوبٌ لنشر التوعية بتجاوزات السلطة التنفيذية وحشد الرأي العام. وسيتعين على الكونغرس أن يبذل جهداً أكبر في فهم القضايا النووية المعقدة. فامتلاك السعودية لقنبلةٍ نووية يمكن أن يسبب فوضى في الشرق الأوسط بدرجةٍ تتجاوز أي تصوُّرٍ حالي. لذا يجب اتخاذ إجراءات أقوى في الكونغرس للحيلولة دون ذلك.