عقد الكونغرس الأمريكي جلسة استماع، لمناقشة قانون "إتش آر 40″، ليست المرة الأولى التي يسعى فيها بعض المشرعين من أصل إفريقي لتعويض أحفاد الأمريكيين السود عن أكثر من قرنين ونصف القرن من العبودية التي عاش فيها أجدادهم، لكن التوقيت هذه المرة مختلف، حيث ارتفعت وتيرة التوترات العرقية منذ أن جاء الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قبل عامين ونصف العام، فما قصة العبودية في الولايات المتحدة الأمريكية؟
يدعو مشروع القانون إلى تشكيل لجنة برلمانية لدراسة العبودية والتمييز الذي تعرض له أبناء العبيد بموجب قوانين "جيم كرو" التي فرضت التفريق بين السود والبيض في الجنوب الأمريكي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بحسب وكالة فرانس برس.
وتم تقديم مشروع القانون هذا في مناسبات عديدة منذ عام 1989، دون أن يحظى بفرصة لطرحه للتصويت.
لماذا الآن؟
تحل العام الحالي الذكرى الـ400 لوصول أول دفعة من العبيد الأفارقة إلى الأراضي الأمريكية، وقد عقدت اللجنة القضائية في مجلس النواب جلسة استماع حول يوم "جونتينث"، أو اليوم الذي حُررت فيه آخر مجموعة عبيد في تكساس عام 1865.
وقالت شايلا جاكسون لي، النائبة عن إحدى دوائر تكساس والتي تقدمت بمشروع القانون: "إن (إتش آر 40) هو ردُّ الولايات الذي طال انتظاره".
وأضافت أن المجتمع الأمريكي من أصل إفريقي والذي يشكل 13.4 بالمئة من السكان، لديه الحق في بعض الثروة التي ساعد أسلافهم في تحقيقها.
وقال ستيف كوهين وهو ديمقراطي من رعاة مشروع القانون، إن اللجنة "ستقدم توصيات بشأن الطرق المناسبة لتثقيف الرأي العام الأمريكي حول النتائج التي توصلت إليها، وطرق المعالجة المناسبة في ضوء هذه النتائج".
متى بدأت العبودية؟
بدأت قصة العبودية في الولايات المتحدة بـ20 إفريقيّاً أمسك بهم تجار عبيد هولنديون من سفينة عبيد إسبانية، ونقلوهم إلى مستعمرة جيمس تاون الإنجليزية في فيرجينيا، وكان ذلك عام 1619. كانت تجارة العبيد عبر الأطلنطي، وكان تجار العبيد من الأوروبيين يقومون بنقلهم في سفن مصممة خصوصاً لذلك، وأتت الغالبية العظمى من هؤلاء العبيد من غرب ووسط إفريقيا.
كان يتم نقل العبيد في السفن إلى المستعمرات الإنجليزية بالولايات المتحدة الأمريكية، للخدمة في بيوت السادة من البيض والقيام بأعمال الزراعة وشق الطرق، في ظروف غير آدمية ودون أجر، وكانوا يعيشون في أكواخ ولا يخضع أولادهم للتعليم.
كما كانوا يعملون في مصانع الملابس ومنتجات المحاصيل الزراعية بالمستوطنات الإنجليزية والفرنسية، فيما كان وقتها يُعرف بالعالم الجديد، ومع تصارع الدول الأوروبية وقتها على بناء الإمبراطوريات كان التنافس بينها على بناء سفن نقل العبيد والتجارة فيهم أحد مظاهر التفوق.
وكان أصحاب السفن يعتبرون العبيد شحنة بضائع يتم نقلها إلى القارة الأمريكية بأسرع وأرخص الطرق، ليتم بيعهم هناك للعمل في مزارع القهوة والتبغ وجوز الهند والسكر ومناجم الذهب والفضة وحقول الأرز وصناعة البناء وقَطع الأشجار لبناء السفن. وكان العبيد القادمون إلى الولايات المتحدة للعمل يطلق عليهم "عمال مدى الحياة" أو "عبيد مدربون".
متى بدأت خطوات التخلص من العبودية؟
عند إعلان الاستقلال في الولايات المتحدة الأمريكية عن السيادة البريطانية عام 1776، كانت العبودية قانونية بجميع الولايات، واستمرت في معظم نصف الولايات خصوصاً في الجنوب حتى عام 1856، حينما تم منع العبودية تماماً من خلال التعديل 13 للدستور.
وشهدت الفترة من 1775 وحتى 1783 خلال الثورة الأمريكية للحصول على الاستقلال التام من جميع القوى الاستعمارية، تم تقنين حالة العبودية على أساس اللون وعند إقرار الدستور عام 1789 شارك عدد صغير من العبيد المحررين في التصويت (الذكور الذين يمتلكون بيوتاً أو أعمالاً فقط).
عقب انتهاء حرب الاستقلال، ظهرت في الولايات الشمالية حركة قوية لإلغاء العبودية بشكل نهائي، وتم إقرار قوانين الإلغاء، وبدأت الولايات الشمالية الاعتماد على العمالة الحرة. وفي عام 1805 تم بالفعل إلغاء العبودية، ولكن ظل بعض العبيد بالشمال غير محررين.
اختراع المغازل لعنة عبيد الجنوب
مع اختراع المغزل والانتشار السريع لمزارع القطن في الولايات الجنوبية المحررة من فرنسا والمكسيك، زاد الطلب على العمالة؛ وهو ما أدى إلى تمسُّك سادة الجنوب بالعبودية ورفض التصديق على قوانين إلغائها أسوة بالشمال.
أدى هذا إلى قيام الحرب الأهلية الأمريكية بين الشمال والجنوب والتي استمرت أربع سنوات بين 1861 و1865، بسبب الخلاف حول استعباد الأفارقة. واندلعت الحرب بعد فترة قصيرة من انتخاب أبراهام لينكولن رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية. وانتهت الحرب بانتصار الولايات الشمالية؛ وهو ما أدى إلى انتهاء العبودية من الناحية القانونية.
من العبودية إلى التمييز العنصري
انتهت العبودية في الولايات المتحدة، لكن معاناة المواطنين الأفارقة استمرت بشكل آخر، وتمثلت في العنصرية البغيضة، وهي المرحلة التي شهدت صراعات وتضحيات هائلة، كي يحصلوا على حقوق متساوية مع المواطنين البيض، فكيف هو الحال الآن؟
وفقاً لموقع "فدرال سيفتي نت" الذي يرصد برامج الفقر والرفاهية في الولايات المتحدة، فإن 21.2 بالمئة من الأمريكيين من أصل إفريقي عانوا الفقر عام 2017، مقارنة بنسبة 8.7 بالمئة من السكان البيض.
أي أن التأثير المتراكم لقرون العبودية والتفرقة العنصرية لا يزال حاضراً على الرغم من وصول مواطن أمريكي من أصل إفريقي وهو باراك أوباما، إلى البيت الأبيض فترتين رئاسيتين من 2008 وحتى 2016.
الكاتب الأمريكي من أصل إفريقي كولمان هيوز، يرى أن السود لا يحتاجون "اعتذاراً آخر".
ويقول: "نحتاج أحياء أكثر أماناً ومدارس أفضل، نحتاج نظاما قضائياً جنائياً أقل عقوبات. نحتاج رعاية صحية بأسعار يمكن تحمُّلها، ولا يمكن تحقيق أي من هذه الأشياء من خلال تعويضات عن العبودية".