هل تساءلت يوماً عن سبب اضطرارك إلى محاربة النعاس بعد الغداء خاصةً؟ هل تشعر بأنك لا تستطيع التركيز أو الحركة، وتشعر بالثقل الشديد بحلول وقت الظهيرة وبعد تناول وجبة الغداء؟ لا تقلق؛ هذا الأمر طبيعي في إيقاع جسمك.
ويمثل هذا الأمر ظاهرة عالمية معروفة باسم "تراجع ما بعد الغداء"، وسيُمكنك التعرف هنا على أسباب وفوائد قيلولة ما بعد الغداء.
لماذا نرغب في الحصول على غفوة الظهيرة؟
يرجع هذا الأمر بشكل طبيعي إلى إيقاع جسمك اليومي بعد تناول وجبة وقت الظهيرة، فهناك نظام يسمى نظام التوازن بين النوم والاستيقاظ.
هذا النظام يخبر جسمك بأنه قد حان وقت النوم، خاصةً بعد الاستيقاظ فترة طويلة، وتحديداً عند الظهيرة.
فبحلول الساعة الثانية بعد الظهر، عادةً ما تكون مستيقظاً مدة 8 ساعات على الأقل، وبعد وجبة غداء ثقيلة تشعر بالحاجة إلى غفوة.
من ناحية أخرى، فإن بعض أنواع الأطعمة وتوقيت الوجبات يمكن أن يجعلا الناس يشعرون بالتعب بشكل خاص بعد الوجبة الغذائية، ويسمى هذا انخفاض مستويات الطاقة بعد الأكل/نعاس ما بعد الأكل.
لدى الباحثين نظريات مختلفة حول سبب التعب بعد تناول الطعام، لكنهم يتفقون عموماً على أنه استجابة طبيعية وليس به ما يدعو للقلق.
لماذا يشعر الناس بالتعب بعد تناول الطعام؟
يتوقف شعور الشخص بالتعب بشكل خاص، اعتماداً على ماذا ومتى وكيف أكل، فالوجبات التي تحتوي على كل من الكربوهيدرات والبروتين يمكن أن تجعل الشخص يشعر بالتعب والنعاس أكثر من الأطعمة الأخرى.
يعتقد بعض الباحثين أن الشخص يشعر بالتعب بعد تناول الطعام، لأن جسمه ينتج مزيداً من السيروتونين.
والسيروتونين هو مادة كيميائية تؤدي دوراً في تنظيم دورات المزاج والنوم.
يساعد الجسم على إنتاج السيروتونين حمض أميني يسمى التربتوفان، ينتج عن عديد من الأطعمة الغنية بالبروتين، والكربوهيدرات تساعد الجسم على امتصاص التريبتوفان.
يَنتج التريبتوفان من الأطعمة الغنية بالبروتين، وتشمل: سمك السلمون، والدواجن، والبيض، والسبانخ، والحليب، ومنتجات الصويا، والجبن.
وتشمل الأطعمة التي تحتوي على مستويات عالية من الكربوهيدرات: المعكرونة، والأرز، والخبز الأبيض، والكعك، ومكعبات الذرة، والحليب، والسكر والحلوى.
وغالباً ما يتناول الناس مزيجاً من البروتين والكربوهيدرات قبل النوم، مثل الحبوب مع الحليب، كذلك قد يكون الشخص أكثر ميلاً إلى الشعور بالنعاس بعد وجبة كبيرة، الأكل يؤدي إلى ارتفاع نسبة السكر في الدم، وقد يتبع ذلك انخفاض بالطاقة.
يمكن أن تؤثر ساعة جسم الشخص الطبيعية، أو إيقاع الساعة البيولوجية، في شعور ما بعد الأكل.
وعلى الرغم من اختلاف الأمر من شخص لآخر، فإنه في النهاية شعور طبيعي.
وأفادت المؤسسة الوطنية للنوم بأن الأشخاص يختبرون انخفاضاً طبيعياً في الطاقة من الساعة الـ2 صباحاً ومرة أخرى في الساعة الـ2 بعد الظهر.
وهذا قد يفسر تقليد القيلولة بعد وجبة منتصف النهار، ومع ذلك إذا حصلت على نوم جيد ليلاً، فستقلُّ الرغبة في غفوة وقت الغداء.
هل يشعر الجميع بهذه الرغبة؟
يقول ديفيد دينجز، أستاذ وعالِم النوم في كلية الطب بجامعة بنسلفانيا، إن هذا الأمر قد يكون طبيعياً، لكنه لا ينطبق على الجميع.
ويقول إن عدداً قليلاً من الناس لا يشعرون بهذا التراجع على الإطلاق، في حين أن 15 إلى 20% يُعانون الشعور بالنعاس خلال الظهيرة.
يتوجه هؤلاء للنوم في سياراتهم المتوقفة، أو على مكاتبهم، لأنهم لا يستطيعون الصمود أمام الرغبة في إغلاق أعينهم.
وقال دينجز إن هؤلاء الناس غالباً ما يخجلون من سلوكهم، لأن الآخرين قد يرونه من قبيل الكسل، ولكن الواقع أثبت أن الاستسلام لأخذ غفوة صغيرة قد يُحسن من نوعية عملهم.
هل يؤثر النعاس بعد الغذاء في إنتاجية العمل؟
نعم يؤثر بالفعل، فقد وجدت دراسة للسائقين أن مزيداً من حوادث السيارات تحدث خلال فترة ما بعد الظهيرة، مقارنة بما قبل الظهيرة أو السابعة مساء.
وتبين أنه من المحتمل حدوث مزيد من الأخطاء في المكاتب وبأرضيات المصانع وفي بيئات العمل الأخرى خلال هذا الوقت.
يقول فريد تورك، أستاذ علم الأحياء ومدير مركز النوم والبيولوجيا بجامعة نورث وسترن في إيفانستون: "إذا كان من الطبيعي أن تستريح بعد الظهر، فلماذا لا تتسامح مزيد من الشركات مع القيلولة؟ فهناك بالفعل عدد قليل من الشركات التي تقدم غرف قيلولة كميزة، وقد اعترفت بعض الشركات التي تُعدُّ فيها السلامة ذات أهمية قصوى، بحكمة السماح بأخذ فترة للقيلولة".
لكن لا يُتوقع أن تصبح هذه الممارسة واسعة الانتشار، ففي النهاية، قد يكون أكثر فاعلية من حيث التكلفة حصول العمال على قيلولتهم بطرقهم الفردية.
كل ما تحتاجه هو غفوة قصيرة المدة
قد يحتاج بعض الأشخاص قيلولة أطول، أحياناً ما تستغرق بضع ساعات، ليشعروا بالانتعاش، ويقول فيليس زي، أستاذ علم الأعصاب ومدير مركز اضطرابات النوم في نورث وسترن، إن الغفوة الأطول من المرجح أن تؤدي إلى ما يُعرف باسم "الجمود في أثناء النوم".
وهذه الحالة تجعل الناس يشعرون بالتعب بعد الاستيقاظ، ويحتاجون مزيداً من الوقت للعودة إلى حالة النشاط والتأهب التام للعمل.
ويُضيف زي أنه من الناحية الواقعية، فإن الغفوة المناسبة والفعّالة يجب أن تكون مدتها 20 دقيقة، فهذه الغفوة هي التي يمكن أن يكون لها تأثير متجدد.
ولتحقيق فاعلية القيلولة يجب أن يكون رأسك قادراً على الاستلقاء على شيء، مثل المكتب أو ظهر الكرسي.
إذا لم تستطع أخذ قيلولة، فكيف تخفف من تأثير ما بعد الغداء؟
يحاول كثيرون التغلب على هذا الأمر بتناول القهوة، وهو ما يساعد على تفسير سبب كون الكافيين هو أكثر العقاقير المستخدمة في العالم، لكن الاستجابات للكافيين تختلف، ويمكن أن يتسبب في أرق البعض ليلاً.
طريقة أخرى هي ممارسة الرياضة أو التنقل في أرجاء الغرفة، أو إذا كنت بحاجة إلى التحدث مع زميل بمكتب آخر، فقد يكون هذا هو الوقت المثالي.
لكن قبل كل شيء، من المهم الحصول على ليلة نوم جيدة، والاستيقاظ في موعدك المُحدد.
الاستيقاظ مبكراً عن المعتاد، حتى قبل نصف ساعة تقريباً من الموعد الاعتيادي، يُضخم الشعور بالنعاس في فترة ما بعد الظهر.
استراتيجيات أخرى
– تقليل كمية الأكل بدلاً من تناول وجبات كبيرة، أو اعتماد وجبات خفيفة كل بضع ساعات، للحفاظ على مستويات الطاقة. يمكن أن تكون الفاكهة أو حفنة من المكسرات كافية لعلاج انخفاض الطاقة.
– جرِّب العلاج بالضوء الساطع، فقد وجد مؤلفو دراسة أُجريت عام 2015، أن تعريض الناس للضوء الساطع بعد الغداء يقلل من التعب.