تردد اسم بنما مع كل حادث تخريب أو هجوم بطوربيد استهدف ناقلات نفط وسفن تجارية في الخليج مؤخراً، كما كانت بنما حاضرة أيضاً في أسوأ كارثة بحرية في تاريخ مصر قبل 13 عاماً، فما هي قصة علم بنما الذي ترفعه السفن والناقلات والعبارات ولماذا بنما تحديداً؟
بداية وبموجب القانون الدولي، لابد أن ترفع كل سفينة علم الدولة التي تنتمي إليها، أي الدولة التي تم تسجيل أوراق السفينة بها.
وتكون للدولة التي يتم تسجيل السفينة التجارية بها الولاية القانونية عليها، أي أن الدولة تكون مسؤولة عن فحص السفينة والتأكد من سلامتها للإبحار إضافة إلى التأكد من ظروف عمل طاقم السفينة.
بنما والتسجيل المفتوح
تتميز بنما بموقع جغرافي يجعلها تتحكم في واحد من أهم الطرق البحرية التجارية في العالم حيث يربط بين المحيطين الهادي والأطلنطي وذلك من خلال القناة التي تحمل اسمها وتعد واحدة من عجائب الدنيا السبع الجديدة وطولها 77 كلم، ورغم أن بنما نفسها لا تمتلك تاريخاً يذكر في مجال التجارة البحرية أو غيرها، إلا أن منطقة القناة بها تشهد مروراً ورسواً للإصلاح أو إعادة التموين لأكثر من 14 ألف سفينة سنوياً، كثير منها يرفع علم بنما.
تمتلك بنما خط شحن بحري صغيراً إضافة لعدد من الشركات التي تقدم الخدمات البحرية التكميلية حول القناة والموانئ.
ورغم ذلك ترفع معظم السفن التجارية في العالم علم بنما وذلك لسهولة إجراءات تسجيل تلك السفن مقارنة بأي دولة أخرى في العالم، حيث تعمل بنما بقانون يعرف بالتسجيل المفتوح، وهذا القانون يسمح بالتسجيل أون لاين، وهذا يعني تمكن أصحاب السفن من استخدام طواقم بحرية وعمالة رخيصة بغض النظر عن جنسيتها، وإضافة لذلك لا يدفع أصحاب السفن ضرائب دخل لبنما.
علم بنما فوق سفن أكثر من أمريكا والصين مجتمعتين
وفي عام 2014، كانت هناك 8600 سفينة ترفع علم بنما، مقابل 3400 سفينة تجارية أمريكية و3700 سفينة صينية، أي أن بنما مسجل لديها عدد سفن أكثر من الولايات المتحدة والصين مجتمعتين.
وكانت هناك منذ البداية اعتراضات على التسجيلات المفتوحة التي أحياناً ما يشار إليها بمصطلح "علم مصلحة".
متى وكيف بدأت القصة؟
كانت نقطة البداية في التسجيل البحري المتساهل في بنما عام 1922، عندما نقلت سفينتا نقل ركاب أوراق تسجيلهما من الولايات المتحدة إلى بنما ليتمكن مالكهما من تقديم الخمور للمسافرين وكانت الولايات المتحدة وقتها تحظر تناول الخمور، وتبع ذلك المزيد من السفن الأمريكية التي سعى أصحابها لعدم الالتزام بمستويات الأجور للبحارة والعمال وظروف العمل التي يفرضها القانون الأمريكي.
وزادت معدلات تسجيل السفن في بنما في أعقاب الحرب العالمية الثانية مع سعي أصحاب السفن في الولايات المتحدة لتقليل تكاليف تشغيلها وسعي أصحاب السفن في أوروبا للتهرب من الضرائب المرتفعة التي تفرضها حكومات أوروبا.
ومع ازدياد الطلب على التسجيل المفتوح، دخلت دول العالم النامي على الخط وشكلت شركات شحن بحري خاصة بها، وأثناء الحرب الباردة لجأت الولايات المتحدة للتسجيل المفتوح في ليبيريا لبناء أسطول من السفن التجارية.
وحاليا تأتي ليبيريا خلف بنما في عدد السفن التجارية المسجلة تليهما جزر مارشال ثم هونغ كونغ وسنغافورة، وتقريباً نحو 75% من السفن التجارية حول العالم مسجلة بطريقة التسجيل المفتوح في دول أخرى غير دولة أصحاب السفن.
مسألة تسجيل السفن مربحة جداً لبنما حيث تضخ أكثر من نصف مليار دولار سنوياً في اقتصادها من الرسوم والخدمات والضرائب التي تعد لأصحاب السفن أموالاً رمزية مقارنة بحالة التسجيل في بلادهم، لكنها تمثل ثروة لبنما.
غرق عبارة السلام 98
تتمثل أوجه الانتقاد لذلك النظام في تسجيل السفن في غياب الرقابة على ظروف العمل وأجور العمال، لكن النقطة الأخطر هي عدم دقة عمليات الصيانة الدورية للسفن ومدى صلاحيتها للملاحة، مما قد يتسبب في حدوث كوارث لعل أبرزها وأكثرها ترويعاً كارثة غرق عبارة نقل ركاب مصرية قبل 13 عاماً، بحسب تقرير للبي بي سي.
في الثاني من فبراير/شباط 2006، شهد البحر الأحمر أسوأ حادث بحري في تاريخ مصر حين غرقت عبارة السلام 98 التي كان يمتلكها رجل الأعمال المصري ممدوح إسماعيل وكان على متنها أكثر من 1400 شخص فقد أكثر من ألف منهم حياتهم، وكشفت التحقيقات أن العبارة مسجلة في بنما وأنها كانت غير صالحة للإبحار بتلك الحمولة منذ أن اشتراها رجل الأعمال قبل 8 سنوات من وقوع الكارثة.
وبحسب ممثل الاتحاد الدولي لعمال النقل لويس فروتو، تغمض السلطات في بنما أعينها ولا تقوم بمسؤولياتها لضمان وجود معايير الأمان المطلوبة لمنح التراخيص للسفن التجارية، ومنذ عام 1958 يشن الاتحاد الدولي لعمال النقل حملة ضد التسجيل المفتوح للسفن التجارية ورغم أن بنما تعد أفضل نسبياً من باقي الدول فيما يخص مسألة السلامة عند التسجيل إلا أن "هناك عيوباً خطيرة في مساحات الإشراف الدوري والتحقيق في الحوادث وحقوق العمال".