لكن هناك جزء آخر من الجسم تحول بشكل كبير، يقول فايبار كريغان-ريد، مقدم سلسلة "Mundo cambiante, cuerpos cambiantes – عالم متغير، أجساد متغيرة" في برنامج The Compass على BBC: إن الوجه الذي تراه عندما تنظر إلى المرآة ليس الوجه الذي خططته لك الطبيعة".
يحتاج الأمر إلى أكثر من مجرد شيفرة جينية لتكوين الجسم، وتحتاج الشيفرة إلى بيئة للعمل فيها وعندما تتغير بيئتنا، نتغير نحن أيضاً، ووفقاً للخبراء، مرَّ عالمنا في الآونة الأخيرة بأسرع وأكبر تحول شهدناه منذ أن بدأ الإنسان العاقل في الهجرة من القارة الإفريقية ليستعمر العالم بأسره، ومع ذلك، لم يتمكن الجسم من التكيف بنفس السرعة.
يحذر كريغان-ريد: "هذا العالم قد يكون من صنع الإنسان، لكن الإنسان لم يُخلَق من أجل هذا العالم".
وإضافة للآثار التي تظهر على ظهورنا وأرجلنا، هناك مثال آخر على ما يسميه العلماء (عدم الاتساق التطوري)؛ وهو الفك، فقد أصبح الفك اليوم أقصر وأقل سمكاً من ذي قبل.
وجوه أوسع
تقول عالمة التطور نورين فون، وهي باحثة في جامعة نيويورك: "كان لدى أسلافنا من جامعي الثمار والصياد فكّان أطول، وبعد التغيير أصبحت وجوهنا بمظهر أعرض".
تشير جميع الدراسات إلى أن هذا التغيير مرتبط بتغيير حجم عضلات المضغ، والسبب الأرجح: أننا نمضغ اليوم بقوة أقل من ذي قبل وأن عضلات الفكين (كما حدث مع ظهورنا وأرجلنا) قد ضعفت، مما كان له تأثير على عظامنا.
يوضح صموئيل هو، أحد أشهر جراحي التجميل في سنغافورة: "كلما كنت تقضم أقل، تغيَّرَت العظام التي ترتكز عليها أسنانك (عظام الفك)".
أسنان ملتوية
لم تكن نتيجة هذه التغييرات جمالية فقط؛ بل أثرت على أسناننا أيضاً مع صغر حجم الفكين، فبدأت أسناننا في التجمع في أفواهنا واحدة فوق الأخرى.
فلماذا لم تتغير أسناننا مع فكينا؟ باختصار لأنها تستجيب لتعليمات أخرى، إذ تعتمد الأسنان على نظام وراثي مختلف عن العظام التي تشكّل الفم، ولا تتأثر بما يحدث للفك، فهي ببساطة تنمو بالطريقة التي صممت للنمو بها".
نتيجة لذلك، تستمر أسنانك في النمو بنفس الطريقة التي كانت عليها قبل 25 ألف سنة، عندما استخدمناها لتمزيق لحم الحيوانات، ومضغ جلودها وطحن المكسرات والبذور.
وهي وظائف أصعب إلى حدٍّ ما من تلك التي نستخدمها اليوم في قضم البيتزا والهامبرغر، والمعكرونة أو البطاطس المقلية.
تسببت هذه الظاهرة في حدوث شيء مثير؛ فقد اكتشفنا أنه على الرغم من أننا يجب أن نلجأ اليوم إلى علاجات تقويم الأسنان لتصحيح أماكن أسناننا، فقد كانت أسنان أجدادنا مرصوصة بشكل مثالي، كما نرى اليوم في القرود وأقاربهم آخرين في عالم الحيوانات.
تأثير الإجهاد
يرى باحثون أنه مع كل عقد يمر، تجعل الحياة الحديثة الحصول على مياه الشرب والغذاء أكثر يسراً، ونتيجة لذلك، يعيش الكثيرون منا لفترة أطول، ولكن مع زيادة طول العمر، تزداد إصابتنا بالأمراض.
لأن أجسامنا تحتاج إلى الحركة لتتمتع بالصحة، ولكن الحياة الرقمية تجعلنا نتحرك بشكل أقل، وأصبح بإمكاننا اليوم إخراج هواتفنا من جيوبنا ليصبح لدينا عالم كامل تحت تصرفنا، الأمر الذي لا
يلائم أجسادنا التي تضطر للجلوس في وضع ثابت بينما نتصفح الإنترنت.
لذلك يجب أن نكون أكثر وعياً بالقوة التي تسلبها التكنولوجيا بصمت من حياتنا ونستعيد بعضاً منها ونمارس الرياضة حتى لا تتغير أشكال أجسادنا بالكامل.