أصبحت الآن الطفلة الوحيدة المعروف أنها وُلدت ونشأت داخل منطقة تشرنوبل المحظورة، طالبة جامعية سعيدة، وبصحة جيدة ومُقبلة على عامها العشرين.
ووُلدت ماريكا سوفينكو، والتي تبلغ 19 عاماً الآن، في العمق الداخلي لمنطقة انفجار تشرنوبل المحظورة عام 1999، بعد أكثر من عقد على الكارثة، لأمها ليديا وزوجها ميخائيل، وفقاً لما ذكرته صحيفة Daily Mail البريطانية، أمس الإثنين 10 يونيو/حزيران 2019.
وأخفت السلطات الأوكرانية في البداية أمر ولادتها، مستشعرة بالحرج من استمرار حياة بعض الأشخاص داخل أعماق المنطقة التي تعرضت للإشعاع، ولكن عادت التفاصيل للظهور نتيجة الاهتمام غير المسبوق بالكارثة بفضل سلسلة Sky Atlantic التليفزيونية، على الرغم من عدم ظهور أو عرض شخصية ماريكا في السلسلة.
وكارثة تشرنوبل هي الكارثة النووية الوحيدة في التاريخ التي تم تسجيلها عند المستوى السابع "أي مستوى الكارثة" في المقياس الدولي للحوادث النووية. حيث إن التسرب الإشعاعي الناتج عن الانفجار كان أكبر 100 مرة من التسرب الإشعاعي الناتج عن قنبلتي هيروشيما وناغازاكي، اللتين أسقطتهما الولايات المتحدة في اليابان، خلال الحرب العالمية الثانية.
وكانت نتائج حادثة تشرنوبل كارثية بكل المقاييس، حيث توفي اثنان من العاملين بالمفاعل بسبب الانفجار، فيما توفي 60 شخصاً مباشرةً نتيجة تعرضهم للإشعاع الناتج عن الانفجار. أما عن عدد الضحايا، في الأيام التالية للكارثة، فتتراوح بين الـ4000 آلاف شخص بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية.
الأم حَمَت ابنتها
ورفضت ليديا وزوجها ميخائيل مغادرة المنطقة المحظورة، لأن الاتحاد السوفيتي لم يوفر لهما سكناً أو مأوى بديلاً للإخلاء. وكان زوجها رجل إطفاء ممن تم استدعاؤهم إلى المفاعل 4 ليلة الانفجار عام 1986.
ولم تدرك ليديا أنها حامل إلا عند ولادتها بمساعدة ميخائيل، الذي قطع الحبل السري لابنته بنفسه قبل أن يُغسّلها.
وعقب انتشار أخبار ولادة ماريكا، أصبحت ليديا "مجرمة" في نظر وسائل الإعلام لإنجاب طفلتها داخل منطقة تشرنوبل المحظورة، ورفضها مغادرة أحد المنازل العائلية القليلة الموجودة في المنطقة.
ولكنها واصلت تربية ماريكا متجاهلة التحذيرات الصحية الحكومية التي تشير إلى وضع ابنتها في خطر قاتل، حيث كانت ماريكا الصغيرة تشرب الحليب من الأبقار التي ترعى على العشب المصاب بالإشعاع، وتسبح في الجداول التي تسجل فيها الأسماك نتائج عالية على عدادات جيجر للكشف عن الإشعاع.
وانتشرت الشائعات مذاك، وعندما أصبحت ماريكا بعمر الخامسة، اضطرت ليديا والتي وصلت إلى منتصف عقدها الخامس، إلى الرد، وقالت: "إذا كان الناس يظنون أنها مسخ أو لها رأسان، فهم مخطئون تماماً. إنها طفلة جميلة وصحتها على ما يرام بقدر ما نرى".
طفلة بلا أصدقاء
وفي مقابلة عام 2006، قالت إنها كانت وحيدة دون رفقاء من عمرها، تلعب معهم حيث كان يُمنع دخول الزوار بلا سبب محدد، وأضافت: "أتمنى لو كان هناك طفل واحد آخر هنا، كنا سنستمتع كثيراً".
وواصل أبواها مواجهة الضغوط التي تفرضها عليهما السلطات للانتقال، ولكنهما ظلا في منزلهما المتداعي؛ حيث نشأت ماريكا، إلا أنها اضطرت للإقامة خارج تشرنوبل خلال فترة الفصول الدراسية منذ بلغت السابعة للالتحاق بالمدرسة.
ومع تصدّر كارثة تشرنوبل للعناوين العالمية مجدداً، تحدثت ماريكا إلى صحيفة Sunday Express.
وتبلغ من العمر الآن 19 عاماً، وتدرس في معهد للتعليم العالي وتأمل أن تعمل في مجال الضيافة. ولكي تدفع رسوم دراستها تعمل في أحد المقاهي العصرية.
وترددت ماريكا في الحديث عن ماضيها، ولكنها أكّدت أنها بصحة جيدة، وقالت لصحيفة Sunday Express: "أنا على ما يرام، وأعمل، وأعول نفسي.. وهذا يكفي".
العودة إلى مكان الكارثة
وعلى الرغم من أن ماريكا تعيش وتعمل الآن خارج منطقة الحظر، تحصل على تصريح بين الحين والآخر لزيارة والدتها، والتي تبلغ الآن 66 عاماً، ولا تزال تعيش وتعمل هناك.
وأكّدت أمها أن ماريكا بصحة جيدة، وأنها "تفخر" بنجاح ابنتها في مواصلة حياتها بعد نشأتها الفريدة غير الاعتيادية.
وتأتي أخبار صحتها ونجاحها، بتأكيد من أمها وأصدقائها، في الوقت الذي تكافح فيه الطبيعة في تشرنوبل لمواجهة الدمار النووي المروّع الذي عانت منه منذ 43 عاماً.
وقالت الصحيفة البريطانية إن الحياة البرية في المنطقة تزخر بقطعان من الأيائل والغزلان والخنازير البرية والذئاب، إلى جانب مجموعة من الطيور البرية النادرة والزهور، والتي يندرج بعضها في قوائم الفصائل المهددة بالانقراض.
وتقول ليندا: "الناس هنا تؤمن بأن ماريكا رمز لصحوة ونهضة تشرنوبل، وإشارة من الله بمباركة الحياة هنا، وأن الحياة ستدب مجدداً في هذه البقعة المنكوبة".