العراق موطنٌ لنحو 150 عشيرةً، ولطالما قام شيوخ هذه العشائر بدورهم في المساعدة على حل الخلافات، وكان لهم تأثير قوي لذلك حاول صدام حسين إضعافهم، لكن بعد سقوطه في عام 2003، ملأ الشيوخ الفراغ الذي تركته الدولةُ الهشة والضعيفة.
اليوم حتى بعض المحامين ينصحون عملاءهم بالاعتماد على المجالس العشائرية بدلاً من المحاكم، خاصةً إن كان الشيوخ المعنيون لهم صلةٌ بميليشيات قوية. قاد هذا إلى عملٍ جديد يزدهر: الشيوخ الذين يقدمون خدماتهم مقابل أجر، وبعضهم فقط حقيقي، بحسب تقرير لصحيفة الإيكونيميست.
شيوخ للإيجار
غالباً ما تصعب معرفة ما إذا كان الشيخ حقيقياً أم لا، خاصةً في المدن، حيث ضعُفت الروابط العشائرية. بعض المطاعم في بغداد معروفةٌ بكونها مكان التقاء مع الشيوخ المأجورين، أحياناً يلجأ المخطئون إلى الشيوخ الزائفين لأنهم محرجون من الذهاب إلى شيوخهم الحقيقيين.
الاعتماد على العشائر لحل الخلافات له محاسنه، فالمحاكم تأخذ وقتاً طويلاً، بينما المفاوضات العشائرية قد تقود إلى اتفاقات في غضون أيام. والعشائر فعّالةً في التسويات المتعلقة بالخلافات العائلية. لكن ثمة استخدامٌ مسيءٌ متزايدٌ لهذا النظام، خاصةً حين يتعلق الأمر بالخلافات التجارية.
في المناطق الريفية، غالباً ما تقوم العشائر بفرض إتاواتٍ على شركات الغاز والنفط العاملة في مناطق قريبة من مناطقها. وفي المدن، يأخذ الشيوخ المحتالون المال دون تحقيق نتائج. بعد سبعة شهورٍ من المفاوضات العشائرية، استعاد سيف جزءاً يسيراً فقط من المال الذي اختُلس منه.
الدكة أصبحت مصنفة عملاً إرهابياً
أحد الأسباب قد يكون القانون الذي تم فرضه مؤخراً والذي يعتبر التكتيكات الاستفزازية العشائرية (مثل الدكة العشائرية) أعمالاً إرهابية. تضمنت الدكة إطلاق النار (أو الطرق) على منزل شخصٍ ما. كانت تلك طريقةً مفيدةً لدفع الناس إلى الجلوس على طاولة المفاوضات، لكن أيضاً كانت تتم إساءة استخدامها، لذا رحَّب الكثير من العراقيين بالحظر.
إلا أنهم يشتكون مع ذلك من أن الحكومة لم تعزز النظام التشريعي. بعد سنواتٍ من الحرب، تعهد رئيس الوزراء العراقي، عادل عبدالمهدي، بزيادة الاستثمار للقضاء على البطالة، لكن القليل من المستثمرين يجرؤون على ضخ الأموال في بلدٍ تتمتع فيه الميليشيات وشيوخ العشائر بسلطةٍ أقوى من القضاة.
قصة سيف مع الشيخ المستأجر
بعد اكتشاف أن أحد موظفيه اختلس منه 800 ألف دولار، رفع سيف قضيةً عليه في بغداد وربحها. وحين لم يرد المختلس النقود، ألقي في السجن، لكنه سرعان ما أطلق سراحه، غالباً بعد أن دفع رشوة. وخشيةَ ألا يرى نقوده ثانيةً، بدأ سيف بالتفاوض مع عشيرة المختلس، أو بالأحرى قام الشيخ الذي استأجره بالتفاوض معها. سيف الذي كبر في الخارج لم يكن يعرف شيئاً عن العادات العشائرية لذا استأجر عشيرة لدعمه واستأجر شيخها لتمثيله.
لكن سيف لم يكن يعرف شيوخه الحقيقيين، عثر على هذه العشيرة المأجورة عبر صديق. كلفه ذلك آلاف الدولارات على وجبات الغداء وأجور الحضور، إذ إن الشيخ المأجور ونظيره استغرقا وقتاً طويلاً في القضية. وكما يحدث غالباً، طالب الشيخان بعمولة مقابل التوصل إلى تسوية ناجحة.
أما مهند فقد لجأ إلى العشائر حين رفض مستأجر تجاري إخلاء المبنى الذي يمتلكه مهند، ثم رفع في وجهه رشاشاً. حسب الاتفاق العشائري المكتوب بخط اليد، على مهند أن يدفع 140 ألف دولار للمستأجر حتى يخلي المبنى، قال مهند: "الحكومة ليست قوية بما يكفي لتنهي القضية، لذا نفضل شراء سلامنا وأمننا بالمال".