يقدم ولي عهد السعودية محمد بن سلمان نفسه داخلياً وخارجياً على أنه رمز الإسلام المعتدل، ويحيط نفسه بجيل أصغر من العلماء ليكونوا واجهة لتلك النسخة، لكن السؤال هو مدى جدية الأمر على أرض الواقع ومدى مصداقيته ومدى تقبل السعوديين والمسلمين بشكل عام لتلك الرؤية.
جيمس دورسي، زميل أقدم في كلية راجاراتنام للدراسات الدولية، تناول الموضوع من زاوية الخطوات الفعلية التي اتخذها محمد بن سلمان ومدى تأثيرها داخلياً وخارجياً، وذلك في موضوع نشره موقع لوبلوغ الأمريكي.
بدأ دورسي موضوعه بمحمد بن عبدالكريم العيسى (54 عاماً) "الواجهة العامة لنسخة الأمير السعودي محمد بن سلمان عن الإسلام المعتدل".
شغل العيسى منصب وزير العدل سابقاً، ويُعد واحداً من جيلٍ أصغر من العلماء المسلمين مستعدٌّ لتنفيذ أوامر محمد بن سلمان. ويجري الآن جولاتٍ واتصالاتٍ دولية، ويتخذ جميع الخطوات المناسبة لإظهار محمد بن سلمان في مظهر قائد الجهود المبذولة لمواجهة النزعة الدينية المتشددة في الداخل، ومحاربة الإسلام السياسي والمُسلَّح في جميع أنحاء العالم، والترويج للأمير السعودي على أنَّه قائدٌ متسامح عازم على تعزيز الحوار بين الأديان.
تعاون مع اليمين المتطرف وتقارب من إسرائيل
تعمل تحركات العيسى كذلك على تعزيز العلاقات بين السعودية وقاعدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانتخابية، التي تتكون في معظمها من المسيحيين الإنجيليين، وتشكيل بيئةٍ تُضفي الشرعية على تعاون المملكة الوثيق مع إسرائيل.
وفي أحدث تحرُّكاته، يعقد العيسى في الأسبوع الجاري مؤتمراً دولياً مدته أربعة أيام حول الإسلام المعتدل، بصفته رئيس رابطة العالم الإسلامي، وهو كذلك عضو هيئة كبار العلماء، التي تُعد أعلى سلطة دينية في السعودية.
وفي انفصالٍ عن التقاليد الدينية والسياسية السعودية الماضية، يتواصل العيسى مع مجتمعاتٍ يهودية وإنجيلية، وقد دعا في خطابٍ ألقاه في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الذي يعتبره الكثيرون مؤيداً لإسرائيل، إلى تشكيل وفدٍ إسلامي مسيحي يهودي مشترك يسافر إلى القدس من أجل تعزيز قضية السلام، مع أنَّ إسرائيل والمملكة ليست بينهما علاقاتٌ دبلوماسية رسمية.
ويدافع العيسى عن الإصلاحات التي قادها الأمير محمد، مثل الحد من سلطات الشرطة الدينية، ورفع الحظر الذي كان يمنع المرأة من قيادة السيارات، والاهتمام بتوفير وسائل الترفيه الحديثة، مثل دور السينما والحفلات الموسيقية.
ويُذكَر أنَّه أعلن رفضه استخدام العنف، بما في ذلك ضد إسرائيل، واعترف بمحرقة اليهود، وندَّد بجهود منكريها، وأعلن أنَّه سيُصبح في يناير/كانون الثاني القادم أكبر رجل دين إسلامي يزور معسكر أوشفيتز في الذكرى الخامسة والسبعين لتحريره.
وقد أوضح العيسى نهجه في مقابلةٍ مع صحيفة لوموند الفرنسية قبل عامين، قائلاً: "يجب على جميع المؤسسات الدينية تحديث خطابها لجعله متوافقاً مع العصر".
محمد بن سلمان ليس مصلحاً دينياً
لا شك في أنَّ تحركات العيسى تساعد في إعادة تشكيل بيئةٍ كان التعصب والتحيُّز الديني سائدين فيها، وما زالا منتشرين، لكن بعض النقاد يهاجمون جهوده الرامية إلى إظهار الأمير محمد في صورة المصلح الديني، قائلين إنها لا تتجاوز الخطابات والرمزية، وتمثل مجهوداً خاصاً بالعلاقات العامة، وليست تغييراً حقيقياً.
وعلاوةً على ذلك، فما زال مدى فاعلية جهود العيسى غير واضح، لكن من المؤكد أنها تساعد إدارة ترامب في الدفاع عن دعمها غير المشروط للأمير محمد، بما في ذلك استعدادها لحماية المملكة من المساءلة على إدارتها الحرب في اليمن، ومقتل الصحفي جمال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي في مقر القنصلية السعودية في مدينة إسطنبول التركية، الذي تصرّ المملكة على أنَّه تمَّ على أيدي عناصر مارقة.
لا أحد مقتنعاً بما يفعله
ومع ذلك، قال بعضٌ ممَّن حاوروا العيسى أثناء زيارته إلى واشنطن إنَّهم خرجوا من المناقشات معه غير متيقنين ممَّا يفكر فيه، وكذلك سأل أحد المفكرين السعوديين ستيفان لاكروا، الباحث المتخصص في الشؤون السعودية، في مقابلةٍ صحفية دون انتظار إجابةٍ منه: "كيف يمكن للمرء أن يأخذ تصريحات محمد العيسى على محمل الجد حين تكون المكتبات الدينية في الرياض مليئة بكتبٍ تدعم العكس تماماً؟".
وجديرٌ بالذكر أنَّ ماليزيا، التي تعد أحد شركاء المملكة في مكافحة التطرف، تتبنَّى كذلك نظرةً ناقدة لجهود السعودية، إذ أغلق وزير الدفاع الماليزي محمد سابو في العام الماضي مركز الملك سلمان للسلام الدولي في العاصمة الماليزية كوالالمبور، الذي كان مدعوماً من السعودية، بعد انتقاداتٍ مفادها أن المملكة قد لا تكون الشريك المناسب لماليزيا في ظل تفسيرها المتشدد للإسلام.
وفي مقالٍ نُشر مؤخراً ناقش فيه لاكروا حدود إصلاحات الأمير محمد، أشار إلى إلقاء القبض على المفكرين الإسلاميين الذين ينتقدون تقاليد المملكة الوهابية المتشددة وقمع أي نقاش، مستنتجاً أن "ذلك يجعل إصلاحات محمد بن سلمان الدينية أشبه بحملة علاقاتٍ عامة لجذب الانتباه وليست تغييراً حقيقياً".
خطة سياسية لا علاقة لها بالإسلام
وما يعزز استنتاج لاكروا هو عدم وجود ما يشير إلى إصلاحاتٍ دينية أساسية تتضمَّن تسامحاً عملياً، وليس شفهياً فقط، وتتخطى مواجهة التطرف في الداخل والخارج التي تعد مصلحةً سعودية رئيسية، والتغيرات الاجتماعية التي حققها الأمير محمد حتى الآن لصقل صورة المملكة الملطخة، وتعزيز خطته لتنويع اقتصادها المعتمد على النفط وخلق فرص العمل التي يحتاجها السعوديون بشدة.
بل إنَّ إصلاحات الأمير محمد يبدو أنَّها صُممت لتخفيف حدة الوهابية، وعرض صورةٍ أكثر اعتدالاً، والترويج لتفسيرٍ محافظٍ للغاية للإسلام في الداخل والخارج في بلدانٍ مثل كازاخستان والجزائر وليبيا يدعو إلى طاعة الحاكم طاعةً مُطلقة، ومن الواضح أنَّ حملة الأمير محمد على جميع أشكال المعارضة تفرض هذا المبدأ.
إصلاح ديني بالأمر!
وعلى المنوال نفسه، لم يفعل الأمير محمد الكثير لدفع الإصلاح منذ السماح للمرأة بقيادة السيارات، وتعزيز فرصها المهنية والرياضية، صحيحٌ أنَّ الوصاية الذكورية على المرأة خُفِّفَت، لكنَّها ما زالت موجودة.
لذا لجأت عشرات الشابات السعوديات مؤخراً إلى أساليب ملتوية للهروب من إساءة معاملة أسرهن، وترك المملكة لطلب اللجوء في أي مكان آخر، وبدلاً من أن تتخذ المملكة إجراءاتٍ صارمة ضد الإيذاء المنزلي وتُلغي نظام الوصاية، سعت إلى منع النساء من الفرار، وإجبار الهاربات على العودة.
ومن ثَمَّ، فالخطر الذي يواجه الأمير محمد هو أنَّ الاعتدال الديني، مثل الإصلاح الاقتصادي الذي تمتد آثاره للمواطنين مع الوقت، يمكن أن يصبح قضيةً ستكون قدرته على تحقيقها بمثابة اختبارٍ جوهري لإصلاحاته.
إذ أظهر استطلاع رأي أجري مؤخراً على مجموعة من الأشخاص العرب، من بينهم شبابٌ سعودييون، أنَّ ثلثي الذين شملهم الاستطلاع يشعرون بأنَّ الدين يتدخَّل تدخلاً أكبر من اللازم، بينما قال 79% إنَّ المؤسسات الدينية تحتاج إلى إصلاح. فيما قال نصف المشاركين إنَّ القيم الدينية تعيق العالم العربي.
وقال لاكروا: "إذا كان الإصلاح الديني مجرد ضغطٍ من أعلى وليس نتيجة نقاشٍ اجتماعي حقيقي، يُمكن أن تنقلب تأثيراته بسهولة".