ولا تزال الجهود المبذولة لتعطيل تمويل الإرهاب تُركز على الإسلاميين، على الرغم من زيادة هجمات اليمين المتطرف، بحسب ما وجده المحلِّلون في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (Rusi).
منصات ضخمة للمتطرفين في أوروبا وأمريكا
وذكر تقريرٌ أنَّ غياب جهود العثور على مصدر لتدفقات الأموال ووقفها، قد سمح لأعداد كبيرة من المتطرفين والجماعات المتشددة ببناء منصات ضخمة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأوروبا.
الخلاصة: هي أن تومي روبنسون، الناشط اليميني البريطاني المناهض للإسلام، وجماعة "جيل الهوية" القومية البيضاء، وجماعة "العمل الوطني" النازية الجديدة الإرهابية ضمن الكيانات البريطانية التي تستفيد من "الاتصال الدولي"، بحسب ما أشار إليه التقرير.
وقال مُعد التقرير، توم كيتينغ، لصحيفة The Independent البريطانية: "قد نطلق على هذا اسم التطرف المحلي، ولكن هناك بوضوح صلات دولية، ومن هنا تحتاج البنوك وغيرها (من المؤسسات) أن تعي أنَّ مراقبة تمويل الإسلاميين فقط ليست كافية. فبينما نرى تزايد التهديد من اليمين المتطرف فإنَّ السؤال هو: هل نفكر أيضاً في مصدر الأموال التي تحصل عليها الجماعات والأفراد؟".
سلَّط الهجوم الإرهابي في نيوزيلندا الضوء على الروابط الدولية المتزايدة، عندما ظهر أنَّ الرجل الأسترالي المتهم بقتل المسلمين كان متأثراً بجماعة "جيل الهوية" الأوروبية المتطرفة، وتبرَّع بالمال لفرعها النمساوي.
وقال كيتينغ، وهو مدير مركز الجريمة المالية والدراسات الأمنية بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة، إنَّ الأموال التي جُمعت سمحت للجماعات المتطرفة بتوسيع نطاق انتشارها، الأمر الذي قد تصاحبه آثار فتاكة.
وأضاف كيتينغ: "لست (أنت) بحاجة إلى أموال كثيرة لارتكاب بعض هذه الهجمات، لكنَّها تُسهِّل نشر الكراهية وتُزيد من خطر الإرهاب، ما يفعله التمويل هو تمكين هذه الجماعات من تنظيم أنفسها بصورة أفضل. ينتقل الناس من كونهم أفراداً أصحاب نظرة متطرفة إلى القدرة على التنظيم وكسب الدعاية لأنفسهم، وكلّما جرى الترويج لنشاط شخص ما، زادت فرص طلبه للتمويل، وهكذا فهي حلقة تعزيز (متصلة)".
هكذا يتم توظيف أموال الدعم التي تحصل عليها الجماعات المتطرفة
قال الباحثون إنَّ روبنسون، واسمه الحقيقي ستيفن ياكسلي لينون، استفاد من الدعم الكبير المقدم من المانحين الأجانب، وكذلك من الممولين الأفراد في أنحاء العالم.
أما منتدى الشرق الأوسط، وهو مركز أبحاث مقره في فيلادلفيا، فقد قال إنَّه أنفق حوالي 60 ألف دولار تقريباً على المظاهرات التي تنادي بـ "إطلاق سراح تومي" في لندن، العام الماضي.
وفي مقابلة له مع وسائل إعلام خلال حملته الفاشلة لانتخابه عضواً في البرلمان الأوروبي، أشار روبنسون إلى أنَّ المنتدى دفع 78 ألف جنيه إسترليني (165 ألف دولار) كرسوم قانونية لقضيته الحالية بشأن ازدراء المحكمة، لكنَّ المنتدى لم يؤكد قيمة المبلغ الذي سدَّده.
كان الملياردير عزرا ليفانت، مؤسس موقع The Rebel، يغطي قضية روبنسون القانونية الجارية منذ بدايتها، والتمويل الجماعي للناشطين، من أجل السفر إلى بريطانيا لمواجهة تقارير "وسائل الإعلام الرئيسية".
يتودَّدون لإسرائيل للحصول على الدعم
كما سعى روبنسون للحصول على تمويل من داعميه الإسرائيليين، وزار إسرائيل.
في مقطع فيديو مُسرَّب كان يتفاخر فيه بتعاطي المخدرات، زعم روبنسون أنَّه تحدَّث إلى بنيامين نتنياهو، مضيفاً: "لقد استخدمت هويتي الصهيونية، وقلت إنَّني صهيوني، واشتريت لنا كل شيء. شالوم أيها الوغد".
في وقتٍ سابق من هذا الشهر، نشر روبنسون صورة له على قناته على تطبيق المحادثات تليغرام، يرتدي فيها قبعة مطرزة بالعلم الإسرائيلي، ومكتوب تحته: "أحتاج عملتكم".
واصل روبنسون طلب التبرعات من أنصاره البريطانيين من خلال زعمه بأنَّه بحاجة للأموال لتمويل حملته الانتخابية، والحافلة، والمظاهرات، والدعاوى الأمنية والقانونية.
الدعم بالعملات الرقمية: تلقَّى روبنسون ما يقرب من 20 ألف جنيه إسترليني (25 ألف دولار) من التبرعات في صورة عملات رقمية (بتكوين)، فقط خلال فترة سجنه التي استمرت شهرين في العام الماضي، وفي أكتوبر/تشرين الأول، كشف أنَّه لا يزال هناك "قدر يتجاوز بضع مئات الآلاف من الجنيهات".
صوَّر روبنسون نفسه على أنَّه عضو في الطبقة العاملة، أثناء محاولته أن يصبح عضواً في البرلمان الأوروبي، في حين أنَّ منزل أسرته معروض حالياً في السوق مقابل 915 ألف جنيه إسترليني.
يقع المنزل في إحدى القرى الغنية، ويشير عرض بيع المنزل إلى أنَّه تكلَّف أموالاً كثيرة، ويتميز بالتدفئة الأرضية، وبه ملحق وحوض استحمام ساخن.
بعد هزيمته في الانتخابات الأوروبية، قال روبنسون إنَّه سيعود "بقوة أكبر… تحتاج حركتنا إلى التسييس".
وقال كيتينغ إنَّ التمويل الجماعي يسمح للمتطرفين ببناء منصات دولية تنشر الكراهية بين جمهور أوسع، مضيفاً: "التمويل الجماعي هو نقطة ضعف في النظام، إنَّه طريقة يُقدِّم من خلالها الإنترنت فرص تمويل لم يسبق تصورها. الإنترنت يسمح لك بعمل الأشياء بصورة أسرع وأرخص وعلى نطاق أوسع من أي وقت مضى".
يجب محاربة هذه الجماعات: لكنَّ الباحثين قالوا إنَّ قرار موقع Paypal، الذي يسمح بتحويل الأموال عبر الإنترنت والبريد الإلكتروني، بإغلاق الحسابات التي يستخدمها روبنسون، وجماعة "جيل الهوية"، وغيرهم من الشخصيات اليمينية المتطرفة، يمكن أن يُضعف جمعهم للتبرعات.
وقال كيتينغ إنَّه بينما تجد الحكومات أنَّ كبح جماح أنشطة التطرف التي لا ترقى إلى النشاط الإرهابي عملية صعبة على الصعيد السياسي، يمكن للشركات الخاصة "اتخاذ قرارات بناءً على سمعتهم وليس القانون".
ووجد التقرير أنَّ بعض الجماعات كانت تحاول التهرب من حملات الحكومة ضدها، من خلال بيع البضائع الخاصة بها وبيع التذاكر لفعالياتها، بما في ذلك شبكة موسيقى الدم والشرف المحسوبة على النازية الجديدة.
يتهربون من المراقبة بهذه الطريقة
وقال التقرير إنَّ حركة العمل الوطني "أصبحت تعتمد أكثر على معاملات فردية تُرسل من شخص إلى شخص"، بينما تتجه جماعات أخرى إلى العملة المشفرة، بعد حظرهم بواسطة معالجات الدفع التقليدية.
وحذَّر الباحثون من الحاجة إلى "نهج منسق ومتناسق" في القطاعين العام والخاص، لمنع تحول المتطرفين إلى قنوات تمويل جديدة.
وخلص التقرير إلى أنَّه "من الواضح أنَّ تهديد اليمين المتطرف أو الإرهابي في المملكة المتحدة ودول غربية أخرى من المرجح أن يزداد في السنوات المقبلة، وأنَّ تطوير التحليل المالي وفهم هذه الجماعات وأنشطتها والوسطاء أمر حتمي".