حين أُصيبت كيلي أوليفر دوغلاس بسرطان الثدي، طرح مستشارٌ وراثيٌّ سؤالاً غريباً عليها: هل تجدين أنتِ وأبناؤك صعوبةً في العثور على قبَّعاتٍ على مقاسكم؟
وكانت الإجابة بالإيجاب، وهو ما أعطى للمستشار فكرةً عن المصدر المتسبِّب بالسرطان: طفرةٌ في جينٍ يُسمَّى جين PTEN.
بالإضافة إلى زيادة محيط الرأس، فإنَّ هذه الطفرة النادرة ترفع كذلك إلى حدٍ كبير، خطر الإصابة بعدة أنواع من السرطانات، منها سرطان البروستاتا وسرطان الثدي (نسبة الإصابة لدى حاملي الطفرة هي 85%)، إلى جانب التوحُّد والشيزوفرينيا لدى بعض الأفراد.
تعيش كيلي (51 عاماً)، في مدينة ماونت دورا بولاية فلوريدا، وتحمل هي وأبناؤها طفرة PTEN.
والآن وجد الباحثون طريقةً للتصدِّي لها، ومن الممكن أن يكون العلاج بمتناول الأيدي في أقرب صيدليةٍ لمنزلك.
مركب موجود في الصيدليات يمنع نمو طفرة جين PTEN
في دراسةٍ نُشِرَت بدورية Science الخميس 16 مايو/أيار 2019، وجد الباحثون أدلةً على أنَّ مركَّباً يُدعَى "إندول-3-كاربينول" (أو i3c) يمنع إفراز الإنزيم المثبِّط لنشاط PIEN.
ومع زيادة نشاط الجين، قد يتمتَّع المرضى الحاملون للطفرة بحمايةٍ أفضل من السرطان.
ويمكنهم الحصول على مزيد من مركَّب i3c ببساطةٍ عن طريق تناول كرنب بروكسل (الكرنب المسوَّق) أو البروكلي (القرنبيط الأخضر) أو خضراواتٍ كرنبيةٍ أخرى.
لكن للحصول على القدر الكافي منه، عليهم تناول الكثير نحو 2.7 كغم من كرنب بروكسل يومياً، دون طهوه.
إلا أنَّ "i3c" متاحٌ على نطاقٍ واسعٍ بصفته مكمِّلاً غذائياً، ويدرس الخبراء إمكانية إجراء تجربةٍ سريريةٍ، مستخدمين إياه.
وقد أُجرِيَت الدراسة الحديثة فقط على الفئران وخلايا السرطان البشري المزروعة في أطباق بتري (وهي وعاء مسطَّح دائري الشكل وشفاف مع غطاء، يُصنع من الزجاج أو من اللدائن، ويستعمله علماء الأحياء لزراعة الخلايا).
ولا تنطبق النتائج إلا على أنشطة جين PTEN، إذ لا توجد وفرةٌ من الأدلة على معظم الادِّعاءات الجامحة بالآثار العلاجية لمركَّب i3c من صانعي المكمِّلات.
طفرة جينية تسبب السرطان
وطفرات PTEN الموروثة نادرةٌ، إذ تصيب واحداً فقط من كل 200 ألف فردٍ، وفق ما نشرته صحيفة The New York Times.
لكن إذا صحَّت نتائج البحث، فقد تكون لهذا أهميةٌ لأعدادٍ أكبر من مرضى السرطان.
فالطفرة لا تورَّث وحسب؛ بل إنَّ جين PTEN تحدث له طفرةٌ تلقائيةٌ في عديد من الأورام. وحين يحدث ذلك، فهو ليس أمراً مبشِّراً للمريض.
ويكون نشاط PTEN ضعيفاً إلى حدٍّ ما في الأغلبية العظمى من السرطانات البشرية. وبإمكان عقارٍ يُعيد تنشيط الجين أن يسهم في الحدِّ من نموِّ السرطان.
ووصف الدكتور مصطفى شاهين، الخبير في جين PTEN بمستشفى بوسطن للأطفال، البحث الجديد بأنَّه "دراسةٌ بارعةٌ".
وورد في بريدٍ إلكترونيٍّ من شاهين، الذي لم يشترك في البحث، أنَّ نتيجته هي "تحوُّلٌ قياسيٌّ في هذا المجال، وأمرٌ مثيرٌ للغاية من ناحية نتائجه العلاجية".
والمُعدُّ الرئيس للورقة البحثية هو الدكتور بيير باولو باندولفي، مدير مركز السرطان داخل مركز بيت إسرائيل ديكونيس الطبي في بوسطن.
وقد أمضى سنواتٍ في محاولة إيجاد طريقةٍ لاستعادة نشاط جين PTEN.
نتيجة خمول جين PTEN، تنمو الخلايا السرطانية
يتحكَّم الجين في إنتاج إنزيمٍ يمنع الخلايا من الانقسام بسرعةٍ أكبر من اللازم، وهو ما يحدُّ من احتمالات تكوُّن الخلايا السرطانية. ونتيجةً لخمول جين PTEN، تنمو الخلايا دون رادعٍ.
ولا توقف طفرات PTEN وظائف الجين بالكامل. وإنما تحدُّ الطفرات من نشاط الجين، لذلك تُفرِز الخلايا قدراً أقلَّ من الإنزيم اللازم لأجل النموِّ المنظَّم.
لكن من أصعب الأشياء على الباحثين إيجاد طريقةٍ لزيادة نشاط الجين، بدلاً من تعطيله تماماً.
ومُركَّب ic3 الموجود في الكرنب يُنشِّط هذا الجين
وفي النهاية، توصَّل باندولفي وزملاؤه إلى معرفةٍ كافيةٍ بنظام PTEN، ليفكِّروا في أنَّ i3c قد يفي بالغرض.
وعلَّق على الأمر قائلاً: "كنا محظوظين، أو أذكياء".
اختبر باندولفي وزملاؤه علاجهم على الخلايا السرطانية في البروستاتا البشرية وعلى فئرانٍ مولَّدةٍ لاكتساب سرطان البروستاتا.
ونجحت التجربة: أدَّى i3c إلى نقصٍ في السرطانات بالخلايا ولدى الفئران، في حين كانت السرطانات التي ظهرت صغيرةً وأقل خطورةً.
ومع أنَّ هذه النتائج مثيرةٌ للاهتمام، فهي تطرح سؤالاً عسيراً على الأشخاص المصابين بطفرات PTEN: هل ينبغي أن يُهرعوا إلى الصيدلية ويشتروا i3c؛ أملاً في أن يحدَّ من خطر إصابتهم بالسرطان؟ وهل على مرضى السرطان الذين اكتسبوا طفراتٍ في PTEN أن يفعلوا ذلك؟ أم على الجميع انتظار التجارب السريرية الحاسمة على نسخةٍ صيدلانيةٍ من i3c؟
وإلى أن تُحسَم التجارب السريرة، البروكلي هو الأنسب
وقد طرح باندولفي تلك الأسئلة على عديدٍ من جماعات الدفاع عن المرضى. واتَّفق الجميع على ضرورة إجراء تجربةٍ سريريةٍ.
ولكن البعض حثَّ على الانتظار حتى تصنع إحدى شركات الأدوية مركَّباً أقوى في مفعوله.
غير أنَّ بعض المرضى قلقون من أنَّه في حال فشلت التجربة على المكمِّل، فلن يرغب أحدٌ في تكرار المحاولة.
في حين يريد آخرون إجراء تجربةٍ فوريةٍ باستخدام مركَّب i3c مصنوعٍ لضمان نقائه وفاعليته.
من جهتها، ما زالت كيلي تبذل قصارى جهدها لحماية نفسها وأبنائها من السرطان. وخضعت لعملية استئصالٍ وقائيٍّ لثديها غير المصاب، وكذلك لاستئصالٍ وقائيٍّ للرحم.
وعندما أجرت فحصاً بالأشعة المقطعية وجدت سرطاناً بالكِلية في مراحله الأولى، لذا استأصلت جزءاً من كليتها.
وتُجري تنظيرات قولونٍ دوريةً، للتأكُّد من عدم وجود سرطانٍ بالقولون، وتخضع لفحوصٍ دوريةٍ للجلد، للتأكُّد من عدم الإصابة بسرطان الجلد.
وقريباً ستُجري ابنتها، البالغة من العمر 20 عاماً، تصويراً شعاعياً للثدي، لأنَّه يُنصَح به للنساء صغيرات السن ذوات الطفرات الوراثية في PTEN.
وقالت كيلي: "يمكن أن تُغيِّر التجربة السريرية حرفياً حياة أبنائي. أنا مستعدةٌ كلياً للخضوع لتجربةٍ سريريةٍ".
وتابعت أنَّه في غضون ذلك، "سأتناول مزيداً من البروكلي".