لجون ووكر ليند، أو "الطالباني الأمريكي"، قصة غنية بالتفاصيل، وهو الذي أُسر خلال غزو أفغانستان في خريف 2001، بعد اعتقاله في أعقاب انتفاضة للمساجين قتل فيها أول ضحية أمريكية بالحرب، وهو ضابط في وكالة الاستخبارات المركزية يُدعى جوني مايكل سبان، كان يبلغ من العمر 32 عاماً.
"الطالباني الأمريكي" سوف يخرج إلى النور خلال أيام
فحسب صحيفة The New York Times الأمريكية، من المقرر أن يشهد يوم الخميس 23 مايو/أيار 2019، إطلاق سراح ليند من سجنٍ فيدرالي في مدينة تير هوت بولاية إنديانا، مع وضعه تحت المراقبة، بعد قضاء 17 سنة من عقوبته التي كانت مقررة بعشرين عاماً، لتقديم المساعدة إلى طالبان.
وقد تحوَّل ليند من المسيحية الكاثوليكية إلى الإسلام في السادسة عشرة من عمره، وغادر منزله بكاليفورنيا لأول مرة وهو في السابعة عشرة، لدراسة اللغة العربية باليمن، قبل أكثر من ثلاث سنوات من هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001.
وأثارت قصته تساؤلاتٍ وجدلاً منذ بدايتها. فقد أوصلته رحلته، إلى باكستان في 2001، ولاحقاً إلى أفغانستان، حيث قضى وقتاً في معسكر تدريب تابع لـ "القاعدة"، باعتباره أحد متطوعي طالبان.
وصفت الحكومة الأمريكية ليند، في السنوات الأخيرة، بأنَّه يعتنق آراء متطرفة، وأثار إطلاق سراحه الآن اعتراضاتٍ من عائلة سبان والمسؤولين المنتخبين، فضلاً عن تساؤلاتٍ حول كيفية إعادة دمجه في المجتمع بأمان من دون أي نوعٍ من البرامج الحكومية الرسمية المعنيَّة بإعادة تأهيل الجهاديين السابقين.
إذ كتب السيناتور الجمهوري ريتشارد شيلبي والسيناتورة الديمقراطية ماجي حسن رسالةً في الأسبوع الماضي، إلى هيو هورويتز، القائم بأعمال مدير مكتب السجون، شككا خلالها في الحكمة من إطلاق سراح ليند. وجاء في الرسالة: "ما هو التدريب المُقدَّم إلى ضباط إطلاق السراح المشروط أو شركاء الدعم غير الحكوميين لمعرفة علامات التطرف العنيف وعلامات الانتكاس؟".
ورفض الطالباني الأمريكي كشف خططه بعد الخروج من السجن
حيث رفض ليند (38 عاماً)، وأبواه والمحامون والمدعون العموميون مناقشة أي تفاصيل عن المكان الذي سيعيش فيه، أو خططه الأخرى بعد السجن، حيث وُصف بأنَّه سجين مجتهد ومتحفظ. ففي عام 2012، انضم إلى دعوى قضائية أقامها الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، وفازت بمنح المسجونين المسلمين في سجن وحدة إدارة الاتصالات شديد الحراسة بمدينة تير هوت، الحق في أداء الصلوات جماعةً.
خضع ليند للمحاكمة في محكمة فيدرالية، لأنَّه مواطن أمريكي، عكس حاملي الجنسيات الأخرى الذين أُسروا أيضاً في أفغانستان وباكستان، لكنَّ المطاف انتهى بهم في سجنٍ عسكري بخليج غوانتانامو بكوبا.
وخلال محاكمته في أكتوبر/تشرين الأول 2002، أدان "الإرهاب على كل المستويات، وبصورةٍ قاطعة"، قائلاً إنَّه ارتكب خطأً بالانضمام إلى طالبان، واستنكر الهجمات الإرهابية التي ينفذها أسامة بن لادن، واصفاً إياها بأنَّها "ضد الإسلام تماماً".
ويواجه الطالباني الأمريكي اتهامات بدعمه للجهاد العالمي
لكنَّ تقييمين مسرَّبين من هيئات استخبارات مكافحة الإرهاب التابعة لحكومة الولايات المتحدة، نشرتهما لأول مرة، مجلة Foreign Policy في 2017، يُسلطان الضوء على صورةٍ أخرى لليند.
إذ أفاد تقريرٌ صادر عن المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، في 2017، بعنوان "احتمالية انتكاسة متطرِّف عنيف من أبناء الولايات المتحدة" بأنَّه في مايو/أيار 2016، واصل ليند "تأييده للجهاد العالمي، وكتب وترجم نصوصاً متطرفة وعنيفة"، ولم يوضح التقرير أي تفاصيل أخرى.
وأشار تقييم استخباراتي صادر عن المكتب الفيدرالي للسجون، احتوى على صورةٍ لليند برأسٍ حليق ولحية كثَّة بُنيَّة، إلى أنَّه أدلى في وقتٍ سابق، بتصريحات مؤيدة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وقال شيموس هيوز، نائب مدير برنامج جامعة جورج واشنطن المعنيِّ بأنشطة التطرف: "حسب كل ما أسمعه من داخل الحكومة، لا يزال متطرفاً مثلما دخل (السجن)".
لذا، فإنَّ القاضي تي إس إليس الثالث، من محكمة مقاطعة الإسكندرية بولاية فيرجينيا، والذي تولى محاكمة ليند عام 2002 وأدانه، فرض قيوداً شاملة ضمن شروط إطلاق سراحه.
لذلك سيواجه الطالباني الأمريكي جملة من القيود بعد الإفراج عنه
حيث سيُمنع ليند من استخدام الإنترنت، أو امتلاك أي جهاز قادر على الاتصال بالإنترنت من دون إذن مسبق من ضابط المراقبة المسؤول، رغم أنَّه قد غادر كاليفورنيا إلى اليمن في يوليو/تموز عام 1998، أي قبل شهرين من تأسيس شركة جوجل. وإذا حصل أخيراً على الإذن بامتلاك جهاز يتصل بالإنترنت، فستخضع كل أنشطته الإلكترونية للمراقبة المستمرة، فضلاً عن استخدام اللغة الإنجليزية فقط في التواصل.
وسيُمنع ليند أيضاً من السفر إلى الخارج والحصول على جواز سفر أو أي وثائق سفر أخرى. ويُحبِط هذا الحظر أي احتمالية لسفره المفاجئ إلى أيرلندا، التي اكتسب جنسيتها في أثناء وجوده بالسجن عن طريق جدته لأبيه، التي وُلدت في مقاطعة دونيغال.
وتتضمن الشروط الأخرى اللجوء إلى الاستشارة النفسية، ومنعه من التواصل مع "أي متطرف معروف"، أو امتلاك أو مشاهدة أو قراءة أي "مواد تعكس وجهات نظر أو أفكاراً متطرفة أو إرهابية".
يعد وجود ليند في أفغانستان وانضمامه إلى حركة طالبان في أثناء الغزو الأمريكي عام 2001 هو ما يجعل حالته استثنائية، إلا أنَّ بعض ما أثير عن ملابسات إطلاق سراحه ينطبق بالمثل على مئات الأشخاص الآخرين المسجونين في الولايات المتحدة، بسبب جرائم تتعلق بالإرهاب والجهاد منذ 2001.
وقال هيوز: "يمثّل ليند دراسة حالة خاصة من نواحٍ كثيرة لمجموعة أكبر من القضايا لدى الحكومة؛ فقد ألقت القبض على مئات الأشخاص منذ 2002، لكن لا يوجد نظام معمول به للتعامل مع هؤلاء الأفراد".
وتتهم أُسر أمريكية، الطالباني بدعم الأفغان على حساب الجيش الأمريكي
ووفقاً لديفيد ستيرمان، المحلل بمؤسسة New America، والمهتم بقضايا الإرهاب والتطرف العنيف، فقد وُجِّهَت الاتهامات إلى إجمالي 346 شخصاً وأُدينوا بجرائم تتعلق بالإرهاب الجهادي منذ هجمات 2001 الإرهابية. وقال إنَّه أُطلق سراح ربعهم تقريباً، 88 شخص تحديداً. وأضاف أنَّه من المفترض إطلاق سراح النصف بنهاية عام 2025، وإطلاق سراح 19 منهم خلال هذا العام والعام التالي، ومن بينهم ليند.
عمل هيوز سابقاً على كيفية مواجهة التطرف العنيف عندما كان عضواً بفريق عمل المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، الذي تأسس عقب هجمات 2001 الإرهابية. وقال إنَّه حتى الآن لم يضع مكتب السجون أو وزارة العدل أو مكتب التحقيقات الفيدرالية أو مكاتب المراقبة التابعة للمحكمة أي إستراتيجية لمساعدة الجهاديين السابقين على الاندماج مجدداً في المجتمع.
وأضاف أنَّه بسبب هذا الفراغ، فإنَّ أفضل أمل للسيد ليند أن يجد الضابط المسؤول عن مراقبته سجيناً فيدرالياً مسلماً سابقاً بمعتقداتٍ محافظة غير متطرفة، ليساعده على الانخراط في المجتمع.
وتابع هيوز: "يمكن أيضاً جمعه بمرشد، شخص ربما عانى التجارب نفسها التي مر بها وخرج منها أفضل في نهاية المطاف".
وقال جوني سبان، والد ضابط المخابرات الأمريكية الذي قُتل في أفغانستان، إنَّه لا يزال يشعر بالمرارة بسبب قضية ليند، ويشكك في صحة قرار إطلاق سراحه. دُفن ابنه في مقبرة أرلينغتون الوطنية، على بُعد نحو ثمانية أميال من مقر محكمة الإسكندرية حيث محاكمة ليند.
وأضاف سبان، تاجر العقارات في وينفيلد: "سُجن الخائن عشرين عاماً فقط، ولا يمكننا فعل شيءٍ حيال ذلك! عشرون عاماً فقط في حين من المفترض أن يُسجن مدى الحياة".
قُتل مايكل سبان بعد استجوابه لليند في بداية انتفاضة أسرى الحرب داخل قلعة جانغي، الواقعة بشمال أفغانستان ويعود تاريخها للقرن التاسع عشر، وأظهرت أشرطة الفيديو ذلك. لكن حتى قبل إدانة ليند بتهمتين: تقديم الدعم لـ "طالبان" وحيازة بندقية وقنبلة يدوية، لم تقدم الحكومة أي دليلٍ على اشتراك ليند في التمرد.
وقد بدأ سجن الطالباني الأمريكي في 2002
قضى ليند بضعة أسابيع في حجز الجيش الأمريكي بعد اعتقاله. واستُجوِب على متن سفينة مقاتلة تابعة للقوات البحرية، قبل تسليمه لمواجهة التهم في الولايات المتحدة يوم 23 يناير/كانون الثاني 2002. وفي ذلك الوقت، كان معسكر "أشعة إكس" في خليج غوانتانامو مكتظاً بـ158 سجيناً أجنبياً. اعتُقل معظمهم في ظروفٍ مشابهة، وأُعيدَ عديدٌ منهم إلى بلدانهم بنهاية المطاف من دون توجيه تهم، في حين قضى ليند عقوبته بالولايات المتحدة.
ولا يزال سبان غاضباً من مقابلةٍ أجراها والد ليند، منذ عقدٍ مضى، مع شبكة CBS، قال فيها إنَّ ابنيهما "ضحايا للظروف نفسها".
وقال سبان: "مايك سبان كان يؤمن بسيادة القانون، لم يكن مايك سبان سيوافق أبداً على سجن خائن عشرين عاماً فقط".
ركزت كارين جاي غرينبيرغ على قضية ليند في كتابها الصادر عام 2016 "العدالة المارقة: صناعة دولة الأمن Rogue Justice: The Making of the Security State".
وقالت غرينبيرغ، مديرة مركز الأمن القومي بكلية القانون في جامعة فوردهام: "لقد كرَّس سنوات سجنه لدراسة النصوص الإسلامية. أعتقد أنَّ أفضل ما نأمله بشأنه أن يجد طريقاً لحياة هادئة، يفعل خلالها كل ما يريده بسلام".